يعاني الفلسطينيون تارةً من جرحهم الداخلي الذي طال أمده وتقرح، وتأزم حاله وتدهور، وتكلس وضعه وأصبح يابساً لا يتغير، وثابتاً لا يتبدل، وباقياً لا ينتهي، وكأن الانقسام الوطني الفلسطيني هو الأصل الذي تبنى عليه السياسات، وغيره هو الشاذ النشاز الذي نحلم أن نصل إليه دون جدوى، إذ لا مصالحة تبدو في الأفق، رغم أننا دخلنا منذ سنواتٍ في العشرية الثانية للانقسام البغيض، إلا أن الأمل ما زال بعيداً، والرجاء مازال مستعصياً، والحل المنشود مستحيلاً، فعيون قادة الانقسام عن المصالحة كليلة، وقلوبهم قاسية، وعقولهم مقفرة، رغم الانهيار الحادث في الوطن، والسقوط المريع للشعب، والخسارة المهولة في الروح المعنوية للإنسان الفلسطيني، إلا أنهم سادرون في ضلالهم، وماضون في عماهم، ولا يبالون بمعاناة شعبهم وقهر أهلهم.
ولكنهم يعانون أكثر من الانقسام السياسي الإسرائيلي، ومن حالة التشرذم الحزبية الداخلية، ومن سوق التطرف ومناخات التطرف السائدة بينهم، ويقاسون من ويلات تعذر تشكيل الحكومة، التي لزم تشكيلها المزيد من التطرف والعنصرية، والإفراط في التشدد والمواقف اليمينية، التي تترجم على الأرض عدواناً على الأرض والسكان، وحصاراً خانقاً وتضييقاً مهيناً، وقتلاً للقادة المقاومين وللنشطاء الفاعلين، ومصادرةً للمزيد من الأرض، وتوسيعاً للاستيطان وبناء الجديد منها، وتهويداً للقدس، ومحاولةً للسيطرة على المسجد الأقصى والمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وضماً للأراضي وإعلان السيادة الإسرائيلية عليها.
يرى الإسرائيليون أن سبل الخروج من مأزقهم وطود النجاة لمركبهم، والطريقة الوحيدة التي تنقذهم من التردي الحادث في سياستهم، هو في المزيد من ممارسة الظلم ضد الشعب الفلسطيني، وفي المزيد من الإجراءات التعسفية بحقه، فهذه السياسة توحدهم وتجمع صفهم وتوحد كلمتهم، وهي تصهرهم جميعاً في بوتقة التطرف والعنصرية التي جبلوا عليها، فتراهم التزاماً بهذا النهج يقدمون أوراق اعتمادهم لبعضهم البعض مواقف متطرفة، والتزاماتٍ عنصرية، حتى يقبل بهم الطرف الأقوى، ويشكل معهم ائتلافاً أو يرضى بهم شريكاً له في حكومته القادمة، وهم جميعاً على استعدادٍ لأن يمهروا مواقفهم بالدم الفلسطيني، وبمزيدٍ من المصادرة لحقوقهم المدنية والسياسية والدينية.
فهذا نفتالي بينت الغِرُ الجديد والمتطرف اليميني العتيد، يفتح فوهات النار القاتلة في غزة ودمشق، ويهدد بيروت وطهران، ويتوعد وهو الصغير سناً والضحل خبرةً، والمهين قدراً والوضيع مقاماً، بــــ"استعادة" مدينة الخليل كلها، وطرد سكانها منها، وإعادة إعمارها بمستوطناتٍ جديدةٍ تمزق أحشاءها وتسكن قلبها، ليحرمها من صبغتها العربية ويشطب عنها هويتها الإسلامية، وما زال يعد ويتوعد بالمزيد من الإجراءات القاسية والخطوات الموجعة، فقط ليرمم حزبه ويحصن وضعه، ويقدم أوراق ترشيحه وزيراً للحرب أصيلاً في الحكومة الجديدة.
وهذا أفيغودور ليبرمان يدعو لشطب العرب الفلسطينيين جميعاً، وحرمانهم من أي حقوقٍ مدنيةٍ أو سياسية، وطردهم من الأرض التي يسكنون فيها، أو مبادلتهم بغيرها أرضاً وسكاناً، لئلا يكونوا جزءً من المعادلة السياسية الداخلية الإسرائيلية، ولا طرفاً في المجتمع المدني الإسرائيلي، وحتى لا يكون لهم دورٌ في تشكيل الحكومات ومنحها الثقة أو حجبها عنها، وكأنه بمواقفه يستميل المتطرفين من كل الجهات الدينية والقومية، ليكونوا معه في خصامه، ويؤيدونه في صراعه، فهو يريد فلسطين كلها أرضاً لليهود ومملكةً لهم، دون عربٍ أو أغرابٍ فيها.
أما بنيامين نتنياهو كبير اليهود وزعيمهم، الهارب من رمضاء المحاكمة وسخماء السجن، فقد بالغ في استخدام الانقسامين الفلسطيني والإسرائيلي لخدمة المشروع الصهيوني، وساعد على تعميق الانقسام وساهم فيه، واستغله في تمرير سياساته وتنفيذ مخططاته، ومضى نحو حروبٍ ومعاركَ قد تنقذه، وفجر أزماتٍ وصنع كوارث قد تنجيه، وما زال يرغي ويزبد، ويهدد ويتوعد بالمزيد من الإجراءات القاسية ضد الفلسطينيين، مستغلاً ظرفهم الضعيف وحالتهم المهلهلة وقيادتهم المشتتة، ولعله لن يحزن كثيراً إن غادر منصبه في حال خدم شعبه وقدم المزيد لكيانه، فقد يراهن على مستقبلٍ ينصفه وتاريخٍ يحفظه وأجيالٍ تذكره.
ويلٌ للفلسطينيين من قيادتهم الهزيلة، والويل لهم من عدوهم اللئيم، فكلاهما لهم لا يرحم ومن أجلهم لا يعمل، فعلى أي جانبٍ يميلون وإلى من يركنون، هل إلى عدوٍ ملك أمرهم وتسلط عليهم، يترصدهم ويتعقبهم، ويقتلهم ويبطش بهم، ويتآمر ضدهم ويجتمع عليهم، أم إلى قيادةٍ وطنيةٍ منفصمةٍ عنهم ولا تعيش معهم، ولا تفكر فيهم ولا تهتم لأجلهم، ولا تشعر بأوجاعهم ولا تحس بآلامهم.
لكم الله أيها الفلسطينيون الشرفاء الكرماء، فلن يتركم سبحانه وتعالى أعمالكم، ولن يتخل عنكم ويترككم وحدكم، وسيرسل من بينكم من يخلص لكم وينهض بكم ويسمو معكم، ومن ينقذ نفسه وإياكم، ويطهر أرضكم ويستعيد وطنكم، وما ذلك على الشعب الفلسطيني العظيم بمستحيلٍ، وما هو على الله عز وجل بعزيزٍ.
بيروت في 6/12/2019
****
طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصر ي الكلمة الحرة و العدل
لتحميل الملحق الشهري العدد 12 أكتوبر 2019
و مشاركته عبر التويتر أو الرسائل القصيرة هذا الرابط الخاص:
المسنجر و البريد الإلكتروني و واتس آب استعملوا هذا الرابط :
https://www.fichier-pdf.fr/2019/11/09/----12--2019/
لمشاركته على موقع أو مدونة يجب نسخ هذا الرابط و لصقه على محرك البحث:
<a href="https://www.fichier-pdf.fr/2019/11/09/----12--2019/">Fichier PDF ملحق الفيصل الشهري العدد12ـ أكتوبر 2019.pdf</a>
Pour télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 12 en format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :
: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
: journalelfaycal
ـ أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
آخر تعديل على الجمعة, 06 كانون1/ديسمبر 2019