wrapper

الخميس 18 أبريل 2024

مختصرات :

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ـ الفيصل ـ بيروت : لست ممجداً أو معظماً، أو مادحاً ومشيداً، وإن بدت بعض كلماتي كذلك،بل أردته بين السطور عظةً ودرساً، ورسالةً وعبرةً، فالباجي قايد السبسي أول رئيس عربي منتخب ديمقراطياً، بعد ما يسمى بالربيع أو الخريف العربي، يلقى وجه الله عز وجل وهو في سدة الرئاسة في ظل ولايته الدستورية، ويتوفى وفاةً طبيعية سببها السن والمرض، ومن قبل القضاء والقدر وانتهاء الأجل، لكنه يرحل رئيساً غير مقالٍ أو مخلوعٍ، ودون انقلابٍ عليه أو إقصاءٍ له، بل يرحل وهو يحظى بإجماعٍ على شخصه، والتفافٍ على صفته، وتقديرٍ لجهده، واعترافٍ بفضله، وقبولٍ بسياسته، والتزامٍ بقوله، واحترامٍ لمقامه.

 

يرحل الباجي قايد السبسي وشعبه عنه راضٍ وله محب، وعلى وفاته حزينٌ، ولغيابه قلقٌ، فقد أرسى الرجلُ التسعيني العمر قواعد الديمقراطية في تونس، وأشرف على أول انتخاباتٍ فيها، وناضل من أجل الشراكة المجتمعية، وأصر على القبول بخيارات الشعب، ووافق راضياً على إرادته، ورفض إقصاء فريقٍ أو حرمانه، ولم يستجب للضغوط الخارجية بتصنيف بعض فئات شعبه بالإرهاب، ولم يقبل بعزلهم عن الشعب وإبعادهم عن الحكم، ورفض مشاركتهم في تسيير شؤون الحياة السياسية التونسية، بل أعلن تضامنه معهم، وانبرى للدفاع عنهم، وصد الهجمات دونهم، فحفظ له التونسيون مواقفه، وأكبروا فيه ثوابته.

نعاه التونسيون على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية، القومية واليسارية والإسلامية، رجلاً وطنياً ورئيساً صادقاً، اجتمعوا عليه واتفقوا على قيادته، ونفوا عنه التلوث والتلون، والفتنة والفساد، وميزوه عن العهدة القديمة والحقبة البائدة، بنظافة الكف وطهر النفس، وسعدوا أنه خرج منهم وانبت عنهم، ولم تصبه معرتهم أو تلحق به سبتهم، ولم يحمل وزرهم ويتورط مثلهم، بل حافظ على صفائه وكسب بين الشعب نقاءه، فما فقده قديماً مّنَّ الله به عليه فيما بعد، وأكرمه بما هو أنظف وأفضل، إذ أطال في عمره وختم بالخير حياته، وكتب له بين شعبه حسن الخاتمة.

الباجي قايد السبسي يخط برحيله درباً لأمثاله سهلاً، ويشق لهم طريقاً حسناً، ويرسم لنفسه بينهم خاتمةً جميلةً ونهاية كريمةً، يحفظ بها آخرته، ويصون بها سمعته، ويبقي في البلاد ذكره، ويردد على ألسن العباد بالخير اسمه، فقد جاءت به صناديق الانتخابات النزيهة، والتزم مقام الرئاسة السامي فصان العهد والقسم، والتزم بالدستور دون تغييرٍ وتبديل، أو تعديلٍ وتصحيحٍ، وحافظ على الصلاحيات الممنوحة له دستوراً، فلم يزاحم لسلطةٍ أو ينازع لمصلحةٍ، بل أعلن قبل أشهرٍ من وفاته عن عزمه على عدم الترشح لولايةٍ ثانية، وقد ارتضى شكل الحكم ونمط القيادة في بلاده فلم يتدخل، ولم يطمع في المزيد، ولم يورث الحكم لولدٍ أو يوصي به لحفيدٍ، بل سلم الراية برحيله لمن نص عليه دستور لبلاده، ولحظ صفته عند غيابه.

الشعوب العربية تترحم على الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، وتدعو الله له بالمغفرة والرحمة، والرضوان والقبول، وتشهد له بالقدوة الطيبة والمثال الحسن، وتسأل الله عز وجل أن يلهم قادتها وحكامها، وملوكها ورؤساءها، أن يكونوا مثله، وأن يحذو حذوه، وأن يتأسوا به قولاً وفعلاً، وأن يحفظوا شعوبهم ويصونوا بلادهم، وأن يكونوا أمناء على مقدراته، وأوصياء على خيراته، وأن يحافظوا على كرامته ويدافعوا عن عزته، فلا يفرطوا في شيءٍ منها خضوعاً لأعدائها، واستجابةً لضغوطهم، أو نزولاً عند شروطهم، أو التزاماً بسياستهم وطمعاً في عونهم ومساعدتهم، التي تستهدف وحدة الأمة وتماسك الشعوب.

الأمة العربية تتوق إلى رئيسٍ سابقٍ عفيفٍ، أو قائدٍ راحلٍ زاهدٍ في السلطة، تترحم عليه، وتدعو له، وتتمنى الاستمرار على نهجه، والإصرار على سياسته، والمحافظة على إنجازاته، وتدافع عنه في غيابه، وتبقي على صوره معلقة وشعاراته ممجدة، وكلماته محفوظة وأقواله محترمة، لإخلاصٍ وجدوه فيه وصدقٍ عنده، وشفافية تحكمه ومصداقية تسيره، وحبٍ لشعبه يحركه، وغيرةٍ عليه تحفظه.

ولا تتمنى أمتنا أن يستمر قادتها الجدد في لعن من سبقهم، وجلد سلفهم، وفضح سياستهم وكشف أسرارهم وهتك أستارهم، وتصوير أنفسهم أنهم القادة المخلصون، والزعماء الملهمون، وأنهم الحكماء الواعون والخلفاء الراشدون، بينهما هم في حقيقتهم الشر بعينه والسوء بشخصه، والفساد كله، الذي يترجم على الأرض ظلماً وجوراً وفسقاً ضلالاً، واستغلالاً واستبداداً، ونهباً وسرقةً، وانحرافاً وشذوذاً وضلالاً، وكبتاً وجبراً، وسطوةً وقهراً، وتكميماً للأفواه وجلداً للظهور بالسياط، وقتلاً وسفكاً للدماء وإعداماً جائراً مخالفاً للقانون، وتغييباً للمواطنين والمعارضين سنين طويلة في السجون والمعتقلات.

رحم الله الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وغفر له وأكرمه، وعوض شعبه خيراً منه، رجلاً يستلم من بعده الراية، ويحمل الأمانة، ويصون الأمة، ويصدق الوعد، ويقود الشعب ويخلص له، ويحقق ما وعد، ويحفظ ما أنجز، وينفذ ما خطط، ويتم ما بدأ، ويكون من بعده خير خلفٍ لخير سلفٍ.

****

رأيٌ وتعقيبٌ وبيانٌ وتوضيحٌ

أكاد أجزم أن الكثير ممن يقرأون المقالات، أو يطلعون على التقارير ويتابعون الأبحاث، يكتفون فقط بقراءة العنوان، أو المرور بسرعةٍ على مقدمة المقال، ثم يطلقون عليه حكمهم القاطع، وتقييمهم الحاسم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءته أو فهمه، أو إدراك كنهه وسبر معانيه، وما إذا كان يحمل رسائل أو ينقل مفاهيم، أو أنه يعتمد الإيحاء والترميز، أو التورية والإيماء لهدفٍ آخر بعيدٍ غير الذي خرجوا به وفهموه.

والأشد غرابةً وسوءً هو انتقال القارئ الذي صنف نفسه ناقداً، وعد نفسه حكماً، من محتوى المقال ومتنه، ومعناه وقصده، إلى الكاتب نفسه، فيبدأ في الشتم واللعن وكيل الاتهامات، وأحياناً يصدر أحكامه بالكفر والردة والفسق والزندقة وغير ذلك، فقط لمجرد أنه عييَ عن قراءة مقال، أو عجز عن فهم المراد، أو غاب عنه اللب والمغزى، أو لأنه فعلاً اختلف مع الكاتب ولم يعجبه رأيه، أو سبق له أن اختلف معه ولم يتفق وإياه.

أيها القارئ الكريم، قبل أن تطلق سهامك وتحكم، قف وفكر، تمعن وتبصر، فليس عيباً أن نختلف، وليست جريمة أن نتباين، فقد يخطئ كاتب فنصوبه بالنقد الإيجابي، ونعيده إلى دائرة الصواب بالمراجعة الموضوعية، والقراءة الرزينة العاقلة، دون أن نكون بحاجةٍ إلى أن نطلق عليه رصاصاتٍ قاتلة أو عباراتٍ جارحةً.

إطلاق الأحكام قبل إتمام القراءة وبيان القصد واكتمال المعنى خطأ لا ينبغي الوقوع فيه أو الانزلاق إليه، ومجاراة الناقدين واتباع هوى المخالفين عيبٌ آخر، وتجاوز المقال أو المنشور إلى الكاتب أو صاحب الرأي، أمرٌ لا يليق وهو ينافي العلمية والموضوعية، ويقود إلى غير المقصود والمراد، إذا تشبت أحد الفريقين برأيه، وتمترس عنده، وتبناه أو دافع عنه واعتمده.

أخيراً أدعو كل ناقدٍ أو مستنكرٍ، رافضٍ أو معارض، أن يعيد قراءة المقال مثار التعليق هنا، "رحيلُ الرئيس التونسي حزنٌ وأملٌ"، ويتأكد أن ما فيه مدحاً وإشادة، وتعظيماً وتمجيداً، أم هي محاولة لتصحيح السلوك، وتصويب الممارسة، وتسوية الاختلافات بالاستيعاب والقبول، فلست محباً للحكام أو مؤيداً، وجلهم إلا من رحم ربي متردية ونطيحةٌ وموقوذةٌ ودون ذلك.

وفي المقال أيها السادة رفضٌ للجبر والقهر والاستبداد، وإدانة للسجون والمعتقلات، وثورةٌ على القتل والإعدام والعزل والتغييب، واستنكارٌ للانقلاب على صناديق الانتخابات وأصوات الناخبين، وفيه رأي الشعب في حاكميه وموقفهم منهم وأملهم فيهم.

في المقال ما نقبل به ونجمع عليه، وفيه ما نرد عليه ولا نتفق فيه، لكن الناقد الحصيف تلزمه قراءة متأنية وعقلٌ رشيد، واستقلالية فكرٍ وموضوعية حكمٍ، وانعتاقٌ من تبعية وخلاصٌ من عصبيةٍ، وبراءةٌ من تطرفٍ وبعدٌ عن التشدد.

شكراً لمن انتقد وعارض، وشكراً لمن أيد ودافع، سائلاً المولى الكريم أن يأخذ بأيدينا إلى جادة الصواب، وأن يجمع على الحق كلمتنا، وأن يوحد عليه صفنا، وأن يصوب أخطاءنا، ويصحح اعوجاجنا، ويهيدنا جميعاً إلى سواء السبيل.

ـ د.مصطفى اللداوي : يروت في 26/7/2019

****

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصر ي الكلمة الحرة و العدل:

ـ لتحميل ملحق "الفيصل"  الشهري   عدد 8 وفق تطبيق البي دي آف  إضغط على الرابط التالي أو أعمل قص/ ثم لصق على محرك البحث:

<a href="https://www.fichier-pdf.fr/2019/07/03/-------2019/">Fichier PDF « ملحق الفيصل شهري  ـ جوان  2019».pdf</a>

Pour télécharger le supplément  mensuel de "elfaycal.com" numéro 8 en format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على السبت, 27 تموز/يوليو 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :