wrapper

الجمعة 19 أبريل 2024

مختصرات :

ـ بقلم: د.كفاح جرار| الجزائر*


الرجل العادي الذي ينهض كل صباح مطحونا بأعباء الواقع القاسية، هو أكثر من يتمنى التغيير ويرجوه، وأكثر من يخشاه ويهابه، بعد الحاكم مباشرة، ربما لأنه يخاف ألا يجد قوت أطفال ينتظرونه يوميا، ويرجون أن يأتيهم بأشياء وضعتها حكومتنا على قائمة السلع المحظور استيرادها، بدعوى التقشف، مع تصريح مبين يزعم أن السلع المحظورة تكلف الخزينة العمومية مبلغا وقدره مليار ونصف المليار دولار، فهل تصدقون ما يزعمون؟.


لكن "تغيير عن تغيير يفرق كثير"، وذلك على طريقة المسرح المصري الذي اختفى ويكاد ينقرض بعدما انقرض رجالاته، فشاخوا وهرموا في عصر السرعة الذي يؤمن بفنانين يولدون سريعا ويكبرون سريعا وفق مبدأ الطفرة، وليس على خطى محمود المليجي وتفيق الدقن، الذين تعبوا بحق وجاعوا بحق حتى كبروا فنيا قبل كبر العمر، أولئك الفنانين صنعوا أنفسهم وتعبوا عليها، ولم تصنعهم الأنظمة، ولم يكبروا بقرار رئاسي كما يحدث اليوم، وقد حمل فنانو الماضي هموم الوطن فغنوها ومثلوها وعبروا عنها، أمام "ضفادع اليوم" المسماة "نجوما" فإنها تحمل رؤى الحاكم وتطلعاته فقط، وتفرضها

على الجمهور وتسحبها عليه، ويبدو أن رياح التغيير ستهب من المنطقة "الصح" وهي القضية التي يجتمع عليها الجميع ولا يختلف عليها إلا متوطئ وعميل وتابع، وهي قضية فلسطين التي يرجح أن تقتلع رياحها ما بقي من أغطية تتلفع بها الأنظمة المستبدة التي ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في تشجيع ثورات الردة، تمويلا ودعما وتنظيما، وقد بدأ الاجتياح حيث يجب أن يكون، أي في ساحة الحالة الثقافية العربية، التي كانت خاملة نائمة أو تابعة للمركز الغربي، أو مرتهنة وخاضعة لقرارات الأنظمة، أو راكدة ومهمشة لا تأثير لها.
سابقا اتهموا الربيع العربي بأنه عبري، رغم أن الذي قتل وخرب ودمر وشرد هو النظام اللانظام الذي ثار الناس عليه، وليس الثوار من أثم وتلوث، وأما عاصفة القدس فليس بوسع أن يتهمها بسوء النية والطوية إلا شيطان مريد، والثائر الغاضب في هذه العاصفة الشعبية، عليه مسؤوليات عظيمة فعلى الأقل يجب أن يحدد المثقف موقفه وعلى أي أرض يقف. فالوضع الثقافي العربي عامة، والوطني خاصة يشبه إلى حد بعيد شخصيات ابن المقفع في "كليلة ودمنة"، وخاصة في الباب الأول من الكتاب الذي يعنى بقصة الأسد والثور وفتنة دمنة بينهما، والحق لو تمعنا وحللنا ثم فحصنا أمر دمنة مع الثور، لأدركنا أنه يشبه إلى حد بعيد حالنا السياسي والثقافي، فقد أعجب الأسد بصديقه الثور لفطنته وذكائه وحكمته، فسار بينهما العدو العزول حتى زرع الشك في نفس الصديق على صديقه، وكان كليلة ينصح صنوه وشقيقه بأن يدع ما فيه من غي وبهتان فأبت النذالة أن تفارق أهلها فكان ما نعرف من القصة المثال.
ولكن أي رابط يجمع تلك الشخصيات الروائية مع واقعنا السياسي والثقافي؟ والمسألة بسيطة وسهلة، فليكن السياسي هو الأسد والمثقف هو الثور فما الذي أفسد العلاقة بينهما.. ومن الذي أفسدها؟ إذا كان كليلة هو الشعب فمن يكون دمنة؟ هل هو الغرب بتفاضله وتكامله الذي لا يقبل استقلالنا السياسي ويرفض استقلاليتنا الثقافية.
الشاعر أدونيس هو ابن سوريا غير البار وابن الطائفة العلوية غير البار أيضا، فقد شتم دمشق التي اشتهر باسمها ثم شتم بيروت التي قدمته للعالم ثم شتم جميع مدننا وعواصمنا، وقد صنع ذلك حتى ترضى عنه المؤسسات الثقافية الغربية فتمنحه وتغدق عليه بعطاياها، وقد التقاه الشاعر درويش ذات يوم في جنيف فرفض الحديث معه، رغم أنهما يجتمعان معا في الشعر ورفض الدين، ولكنه الالتزام الذي يصنع للمبدع كيانه وتميزه.
لقد خاض المثقفون في السياسة والفكر ولكنهم اليوم في حيرة وقد التبس الحال عليهم، وليست القدرة على النقد وهو نقد النفس بالأمر اليسير، لأنهم ساعتها سيلعنون أنفسهم، وتلك فضيلة تشبه الرذيلة إلى حد بعيد، وهو حال دمنة في سفالته الخلقية في الإيقاع بين الصديقين، وربما يجدر بوزارات الخارجية والتربية والتعليم العربية أن تعتمد كتاب كليلة ودمنة في برامجها التعليمية، حتى يتحقق التكامل بين التعليم والتربية.
على أقل تقدير ليت أن حكام المنطقة يقرأون ويستوعبون هذا الكتاب الأحجية، لو فعلوا لوفروا على أنفسهم وعلى شعوبهم عناءات كثيرة، لكن الحاكم المستبد المتخلف والخائف لا يقرأ ولا يفهم، ذلك دين الجهل والطغيان.

 *إعلامي ، أديب و مفكر 

****

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها:
‏: https://www.facebook.com/khelfaoui2/


- Pour visiter notre page FB,et s'abonner cliquez sur ce lien:

 

آخر تعديل على الجمعة, 22 كانون1/ديسمبر 2017

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :