wrapper

الجمعة 19 أبريل 2024

مختصرات :

*بقلم: د. كفاح جرار | الجزائر


كان السؤال "الوسخ" القديم نسبيا هو: من يقتل من؟ ثم صار السؤال من ينتخب من؟ ثم انقلب على عقبيه وصار من يستوزر من؟ وأثناء وزارة سلال كان السؤال من يحكم من؟ وبعدما طار سلال بالسلال وجاؤوا بتبون كحل العيون أمسى السؤال من يدير من؟.


صرنا دولة وجمهورية تبحث عن مدير، يدير مشاكلها، ويسير أزماتها، ويرأف بصحتها، ويداري دمع تربيتها، ويعالج هموم جامعتها، ويفحص نبض صناعتها ويعالج دود فلاحتها، وما عرفنا حتى الساعة شيئا، لأن سؤالا واحدا من الأسئلة التي سبق طرحها لم تتم الإجابة عنه.
نحن دولة مؤجلة التفعيل، تحتاج لرقم تسلسلي حتى تتفعل وتسير، يدعوه أهل التقنية "سيريال نمبر" ولسنا ولله الحمد والمنة، وذلك بفضل شهدائنا لكرامتهم عند ربهم، أننا لم ندخل نادي الدول الفاشلة التي سقط عنها القلم والقناع والاحترام.  ثم كيف غاب عن بال كل غاضب ورافض وناقم وضيق صدر ومحدود أفق، أنه لولا الاستبداد ما وصلنا إلى الدرك الأسفل من التخبط والهمجية والانحطاط؟.
نعم لله الحمد نحن في الجزائر بخير، ولكننا نعمل أيضا بمبدأ المؤمن أخ المؤمن..وإنما المؤمنون إخوة، كمثل المؤمنين المسلمين في توادهم وتراحمهم.. ما يعني كما قال الشاعر يوما:
ما كان من ألم بجلق نازل
واري الزناد فزنده بي واري
وكما قال شاعر آخر، ورزء فلسطين رزء العلا وما كان رزء العلا هينا.
لذا أعجب لهؤلاء الذين يتباكون على المستبد المجرم بعد الذي يعيشونه من فوضى وضبابية وارتباك، فسمعت جلهم يقولون، لو كنا ندري أن هذا سيحدث، وأن الأمور سيكون هذا مآلها، ما فكرنا بثورة ولا هم يحزنون. هؤلاء "الجل" يجهلون أن "لو تفتح عمل الشيطان وأشياء أخرى، قد تكون بنفس سوء إبليس "اللعين" وليس "النعيل" كما تخطئ عجائزنا فتقول.
والخطاب هنا يخص ويعم جميع الذين يريدون إسقاط أي شيء سواء كان نظاما أو مستبدا أو سلطة أو حاكما، مديرا، مسؤولا، عسكريا، بفعل أيديهم وأرجلهم وما بينهما، فأنا لست معهم ولن أكون، بل إني ضد السقوط إلا في شيئين، مع سقوط الجهل والسقوط في الحب، وغير ذلك فلن أكون مع دعاة السقوط.
وهناك الذين يدعون رب السماء لكي يسقط شهبا، حجرا ونيزكا، أو كسفا وصواعق محرقات، وهنا تدهشني معظم مسميات كتب التراث التي تحمل أسماء مثل "الصواعق المحرقة" أو "تلبيس إبليس".. ثم يتبعون صاحبها بصفات لا يعلم حقيقتها وصدقيتها إلا الواحد الأحد، مثل عالم عصره وفريد زمانه وشيخ أقرانه الفقيه العلامة الألمعي اللوذعي...إلخ هذه المعزوفة الخرافية الأسطورية. ثم إنه عندما ينحدر الإنسان بسلوكه وأعماله وأخلاقه إلى مرتبة دونية كالحيوان الأعجم فذلك يعني أن الحيوان أفضل منه بكثر، فتظل البهيمة كما خلقت وماذا عن المكرم؟.
وإلا كيف نفهم قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم؟. إنها ورب الكعبة الوضاعة في أسفل وأرذل صورها وأشكالها وتجلياتها، إلا نحن الذين لم نكف عن جلد أنفسنا واحترنا في الجهة التي نحملها نتيجة تخلفنا، ووزر ما بنا من بلاء ونكبات، فتارة لأننا ابتعدنا عن الإسلام، وكأن أهل اليابان والألمان مسلمون لا يقطعون فريضة، وحجة أخرى تزعم "لأننا هرعنا وراء الدنيا دون الآخرة"، والعاقل فقط من يعرف ويدرك أننا فيما نحن فيه لم نكسب دنيا ولا نلنا آخرة، بل من أراد الآخرة فعليه بالدنيا، والعكس غير صحيح، وإنما العمل للآخرة والسعي لها، يفتح رغما عن أنف البشر والبقر والحجر أبواب الدنيا، وإلا كيف ستحصل عملا وزكاة ورفعة وعزة ومنعة وعلما ومعرفة وإنتاجا وقتالا وحصانة وتقدما وتطورا إلا بذلك، يبدو أن الله تعالى امتحننا في ذلك، ومن الملفت أن الخلق كان خلافة وعبادة، فمن أراد الخلافة المثلى إرضاء لخالقه فعليه بحسن اسستثمار الدنيا التي ستوصله إلى الآخرة، ومن أراد العبادة المثلى التي تحقق له الرضى والقبول عند خالقه، فعليه بالدنيا، بأن يكرس نفسه للمسارعة في الطاعات والحسنات والفضائل، وهل يحقق المرء ذلك إن هجر الدنيا واعتكف واعتزل وتقاعس؟.
ذلك فقط لكي نفهم ونعي وندرك، كم الشقة بعيدة وطويلة وعريضة ما بيننا ودين الله تعالى، وليس دين فقهاء الملوك ومشائخ العوام وعلماء المجالس، وفينا من يحتج متذرعا بالضعف والغرب، وإنما هي عوامل الفرقة والضعف بسبب الاستعمار "النعيل" وأذنابه من العملاء والمتواطئين والخونة، وما كان للغرب أن يكون غربا لو أن الشرق أبى إلا أنى يكون شرقا ويحافظ على نقاء شرقيته، والمؤسف أنه لم يتبق من عندنا ولنا من مفاهيم الشرق وروحه ونكهته وألقه وجوهره ومعارفه وحكمته وعزته، إلا أن الشمس تشرق من عندنا، وما لنا في ذلك أي فضل، وإنما هي الجغرافيا والفلك كما قدر الله رب العالمين، لذا عندما ينسلخ الناس من جلودهم وتلتوي ألسنتهم ويتغير لون شعر رؤوسهم، ويختارون من الثياب الممزق والمرقع والمبهدل جريا وراء موضة الغرب، فمن حق وواجب الغرب أن يركبنا وإن لم يفعل سلط الله عليهم من يركبهم ويركبنا معا، وكأني بالاستعمار المحتل المتجبر "المتذرع به" يحتاج لمن يساعده في تجبره، أما وقد استعمرك فقد استحمرك، ومع ذلك فقد تخلصنا من الركوب لنقع في المركوب، وما زالت التبعية قائمة حتى إشعار آخر.

 

آخر تعديل على الإثنين, 21 آب/أغسطس 2017

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :