.
وذات ليلة بينما كنت عائدة لزنزانتي بعد يومٍ طويلٍ في البوسطة ، ولم أكد أغمض أجفاني ، حتّى تمّ استدعائي للتحقيق ، جهزّت نفسي وكنت قد غسلت جواربي ،فلبستها مبتلّة ، ولما قيّدت السجّانة قدميّ قالت لي عند عودتك ستخلعين جواربك !!
عدت من التحقيق بعد الواحدة ليلاً والسجانة تنتظرني ، أخذت جواربي ورمتهما في سلّة القمامة ...
مرّت عشرة أيّام على الاعتقال ، وأنا في زنزانتي معزولةً عن الجميع ، بين صلاتي وقرآني ودعائي ومناجاتي وبكائي لله عزّ وجلّ بأن يرفع هذه المحنة ...
كنت مثالاً للهدوء والاتزّان في السّجن ، بينما كان يعجّ قسم العزل بالصراخ والشتائم والجنون ...
خرجت لمحكمتي الخامسة ، وعندما عدت للسجن ، ناداني مسؤول السجن ، وأخبرني من اليوم فصاعداً يُمنع عليك ارتداء الحجاب والجلباب داخل القسم !!
لم أعرف حينها بأيّ لغةٍ أخاطبه لأفهمه أنّ ذلك غير معقولٍ أبدا ،فلم تسعفني أي كلمة ، وأنا القوية دوما ، أنا التي لا أبكي أمام سجّاني حتى لا يشمت بي ، وحتى لا ينتشي بقوته !!
مع ذلك كلّه لم أتمالك دموعي ذلك اليوم ، بكيت أمامه بحرقة ، لا يمكنني أن أفعل ذلك ، ولن تفعل أنت !!
أوصلني إلى باب القسم ، وأمر السجّانة أن تنزع حجابي فنزعته !!
وطلب منّي أن أخلع جلبابي وإلّا خلعوه بالقوة !!
فاضطررت لخلعه أمامهما
أدخلوني زنزانتي أجرّ أذيال قهري ، فانفجرت باكيةً لا ألوي على شيء ، حاولتُ ضبط دموعي ، والله كانت تسيل رغماً عنّي !!
أنا التي بلغتُ الأربعين ولم أخلع حجابي مذ كنت في السابعة !!
ولم يرني أيّ أجنبي دون جلبابي مذ كنت في الخامسة عشرة !!
واليوم يراني الأنجاس وأراذل الخلق بلا حجاب أو جلباب !!
بكيت كما لم أبكِ من قبل ، صرخت ، كبّرت ، ناديتُ المعتصم وصلاح الدين ، قلت واربّاه ، واغوثاه واإسلاماه وامعتصماااه !!
لم تجبني سوى جدران الزنزانة بصدى الصوت ...
بكيت ما يقارب الساعتين ، صليت يومها بلا حجاب أو جلباب ودعوت الله أن يلقيَ عليّ النّوم حتى لا ينفطر قلبي من البكاء ، فنمت حتى الفجر ، ليدخل عدد من السجانين للعدد ، وليعود البكاء وأنا أخبئ رأسي بين يديّ ...
ولما جاء الظهر ، دخل سجانون ذكور لتفتيش الزنزانة ؛ فانفجرت باكية مجددا ، حاولت إقناعهم بأنّ حجابي وجلبابي هما جزء منّي ، وانتزاعهما كما انتزاع جلدي وسلخه ، ولا تصح صلاتي بدونه ، ولا يجوز أن يراني الرجال بدونه ..
يومها نقلوني من زنزانتي لأخرى ، ولا أعلم السبب ، ظننت أنّها أفضل حالاً ، ولمّا صرت فيها ، وجدتها مترين بمترين ، ومياه المرحاض تسيل على ارضيتها ، فقلت أتفقد الفراش ،فرفعت "الفرشة" لأجد تحتها الصدأ والماء وصراصير ميتة ، فقلت أتفقد المرحاض ، فإذا به يمتلأ بالفضلات والأوساخ ومناديل ورقيه ، فقلت أفتح مضخة المرحاض حتى يبتلع ما فيه من القرف والنجس ، يبدو أنه ابتلع ، ولكن بقيت مضخة المرحاض مفتوحة طوال الليل ، بصوت يصرع المتواجد في الزنزانة ...
وكامرتين ترصدان مكان النوم والمرحاض وباب الحمام زجاجي شفاف منخفض يصف ما خلفه ، والزنزانة مقابل غرفة السجانة وكل داخل وخارج يتفقد من السجانين يتفقد الوافد الجديد في هذه الزنزانة القذرة ..
لم يكن حماما في زنزانة ؛ بل زنزانة في حمّام ...
توضأت لأصلي العشاء ، صليت بلا حجابي وجلبابي وبلا سجود لأنّ الأرض نجسة ..
وفي اليوم التالي ، عند الخامسة فجراً أعطوني حجابي وجلبابي لاخرج بهما إلى المحكمة ...
وصلت المحكمة منهكة من السفر والبكاء المتواصل ، ومن السهر الإجباري بسبب صوت مياه المرحاض ، فبدوتُ شاحبةً حزينة كئيبة على غير العادة ..
في الصورة ؛ كنت أبثّ للمحامي كيف انتزعوا حجابي وأجبروني على خلع جلبابي ؛ وعن وضع الزنزانة الجديدة وقذارتها ؛ وكيف أنّه للمرة الأولى في حياتي يراني الرجاال بلا لباسي المستور وأنّني صليت دون سجود ولا لباسٍ ساتر ...
يومها اجتمع قهر الدنيا كلّه في ملامح وجهي وتعابيره ....
ولمّا ترافع عنّي المحامي ، ووصف لهم ما يحدث لي في السجن ، وانتزاعهم حجابي وجلبابي ، أصيب الحاضرون بالوجوم والقهر!!
ونجح المحامي باستصدار أمرٍ من المحكمة بعدم انتزاعهما منّي وإعادتي لزنزانتي الأولى ..
عدت من محكمتي ليعاودوا قهري وانتزاع جلدي مرة أخرى ووضعي في مسلخهم القذر ..
لكنّي قررت أن أنتزع حقّي ولو بأسناني ، فقمت بالصراخ والتكبير لأربع ساعات ، حتى جاؤوني بمدير السجن ، واريته قرار المحكمة ، فاضطر للالتزام به .
* منقول عن صفحة:"
مختصرات :
تروي بشاعة الاحتلال البطلة الفلسطينية ، مرابطة الاقصى "خديجة خويص"
- الثلاثاء, تشرين1 17 2017
- مدير الموقع
- وسائط
*خديجة خويص
في يومي الأوّل في سجن الرملة ، انتزعوا الدّبابيس التي أثبّت بها حجابي ، وبعد رجوعي من محكمتي الأولى أخبروني أن معاصم يديّ ممنوعة في السجن بحجّة أنّها زيادةٌ عن اللباس ، أخذتها منّي السجّانة وألقتها في سلّة القمامة القريبة ، استطعت أن أتجاوز أمر المعاصم؛ إذ أن أكمام جلبابي كانت ضيّقة ممّا يغنيني عن المعاصم ..
من أحدث مدير الموقع
- الحرب على غزة: تحقيق لـ"نيويورك تايمز": أين كان الجيش الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر؟
- « السندباد و الملكة »: إصدار جديد للكاتب المصري « محمد عزام »
- الوضع في الأراضي المحتلة: اليوم التالي لانتهاء العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين
- الجزائر تجدد رسميا تمسكها بالحق المشروع لإفريقيا في العضوية الدائمة بمجلس الأمن
- متى سنزيل النقطة عن الــ (غ)؟
وسائط
El-Fayçal Météo طــ الفيصل ـــقس
- سخرية الفيصل
- أعمدة الفيصل
-
الحرب على غزة البطلة: صور النصر المفقودة وأماني العدو المستحيلة
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي La guerre contre l’héroïque…
-
عد انتهاء مدة الهدنة الإنسانية توقعات واحتمالات/ نبل المقاومة وخسة الاحتلال في ملف الأسرى والاعتقال
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي نبل المقاومة وخسة الاحتلال في…
-
رأي: تعثرٌ عسكري في الميدان وتخبطٌ سياسي في الكيان أمّا نتنياهو فهوَ مُستهزئ من القمة العربية الإسلامية و بقراراتها!
رأي بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي Opinion: Essoufflement militaire sur…
-
الاستعادة الخلدونية:
مولاي عبد الحكيم الزاوي ابن خلدون علامة فارقة في مُنجز…
-
/عرب إسرائيل الجدد! / The new Arabs of Israel!/ Les nouveaux Arabes d'Israël !
بقلم: أحمد القيسي | لندن هل سقطت الغيرة والنخوة…
-
*ما هذا الخجل يا كُتّاب و يا مبدعين.. يا قامات الاِفتراض!
ـ كتب: لخضر خلفاوي Pourquoi cette timidité, ô…