طباعة

 *بقلم: د. كفاح جرار| الجزائر


كانت أول معلومة جرى نشرها إثر مجزرة الروضة، قولهم "إن المسجد يخص جماعة الصوفية"، وأن المستهدف هم الصوفية، وقد حدث هذا في دولة لا تحمل فيها المساجد هويات مذهبية ولا فرقية، فمن الذي روج في البداية لحكاية الصوفية المزعومة؟.


واللافت ثانيا يتعلق بردة فعل أجهزة الدولة السريع، إلا الصحة والانقاذ الذين لم يظهر لهم أثر إلا متأخرين، بعد نحو ساعتين، أي تعمد بعضهم سقوط أكبر عدد من المواطنين، وبخاصة من الجرحى الذين نزفوا حتى فارقوا الحياة، وكأن تلك الأجهزة كانت تتوقع المجزرة فتحضرت لها، على نقيض ما كان في مجزرة الواحات التي وضعت نفس الأجهزة في "حيص بيص" فارتبكت واهتزت واضطربت، وهي مجزرة بحق سقط فيها خيرة ضباط الشرطة.
سبق الشر
لا يحتاج لبرهان قولنا حيث يوجد الغربان تكثر القمامة، وحيث يسترزق البوم تكثر الفئران، تماما كأن تقوم فضائية إخبارية عربية بالانفراد في نقل أحداث مجزرة لست أرى أية ميزة للسبق الصحفي والخبر الحصري فيها، فما ستحمله الغربان والبوم لن يعدو أكثر من أخبار سيئة ليس فيها ما يسعد ويثلج الفؤاد.
ثم أليس مدهشا أن تشن الطائرات الحربية التي دخلت الخدمة حديثا غارات مركزة على محيط المسجد، وكأني بها تمحو ما يسمى آثار العدوان، التي تعتمد عليها النيابة العامة لتحديد معالم الجريمة وجمع تفاصيلها وفيها كثير من أدلة الإدانة التي جرى طمسها عن سابق تصميم؟. مع العلم أنه وبعد نحو ساعتين من المجزرة لم يظهر ظل جندي واحد من الأشاوس الذين تكفلوا بتطهير سيناء من إرهاب محتمل، ثم جاء رئيس النظام ليهدد باستخدام القوة الغاشمة، فإما أنه يجهل معنى "الغاشمة" فهو يهرف بما لا يعرف أو تعمد قولها وتأكيدها كما صنع سابقا عندما أعطى لأجهزته الأمنية ما سماه "حق الثأر"، فصارت الدولة في عهده مجرد قبيلة غاضبة من قبائل أخرى متمردة أو من صعاليك وفتاك الصحراء.
خدع غبية
شاهد عيان وجريح مصاب قال لفضائية مصر الرسمية أن عدد المهاجمين القتلة يبلغ نحو 15 شخصا ملثمين وبثياب عسكرية مثل زي الجيش المصري، ولا يجب حتما الاستدلال بذلك على أن الذين نفذوا هم من الجيش وإنما السؤال أين كانت القوات العسكرية في منطقة ملتهبة مثل سيناء؟.
كما سبق ذكره، فإن الإرهابيين لا يحتاجون لدليل يؤكد تورطهم لو كانوا من الجماعة الدينية المتطرفة المتشددة، التي بمثل هذه العمليات تؤلب الناس عليها، فتخسر بذلك أية مساعدة ونجدة والتفاف شعبي حولها في منطقة صحراوية أحوج ما يكون فيها المقاتل بغض النظر عن ماهيته العسكرية لمن يعينه ويساعده.
تنظيم الدولة أو من يشابهه في العنف والقسوة، لا يخجل ولا يتوانى عن تبني عملياته والتفاخر بها، فهو يفعلها ويفتخر بتنفيذها، ويرفع صور قتلاه عاليا زاعما ارتقاءهم للخلود، فهل تبنت إحدى تلك التنظيمات العملية الإجرامية شديدة الدموية، وإن حدث وصنعت فكيف أمكنها أن تهاجم وتختفي بملابس عسكرية وسيارات وعتاد في منطقة محروسة "إسرائيليا" ومسيطر عليها من قبل العين الإسرائيلية الألكترونية والبشرية والحربية؟.
والسؤال غير المعجز، أي معنى لأن يأتي المهاجمون بزي يشبه زي الجيش المصري؟ هل هو لسهولة التحرك والتراجع، ولا أقول إنهم من الجيش، فلا قوات الجيش بهذه السذاجة لتصنع ذلك ولا المجرم الإرهابي بهذا الغباء لكي يأتي بزي عسكري معروف، إلا أن يكون الفاعل جهة ثالثة أرادت خلط الأوراق وإثارة بلبلة وسط جمهور يسهل الإيقاع به والتلاعب بمشاعره، ومع ذلك فإن الزي وحده لا يكفي أمام عربات ليست عسكرية، إلا أمام الجمهور المستهدف بالعملية، ثم إن العملية جاءت بعد نحو شهر من عملية الواحات، أي في الصحراء المقابلة الغربية، التي ذهب ضحيتها عشرات من رجال الشرطة "الأبرياء الغافلين" الذي زج بهم في اشتباك لا يقع فيه سوى المجندين الأغرار.
فهل أصبحت الصحارى مصيدة للمصريين على يد الإرهابيين، حيث يفترض أمنيا أن تكون هذه المناطق المكشوفة مصيدة للإرهابيين وليست مخبأ لهم.
الملاحظ هنا في ردات فعل النظام الأمنية، أنه أصيب بارتباك وخلل إثر عملية الواحات التي تجاهلها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، وقام بزيارات رسمية خارج مصر دون أن يتحدث عنها، ولم يكن خافيا الارتباك الذي وقعت فيه أجهزته الأمنية والإعلامية، في حين يبدو أن السلطة كانت حاضرة تماما لهذه العملية وكأنها على علم مسبق بها، فجرى دفن الضحايا بسرعة بالغة، من خلال إخراج تصاريح الدفن، ولا يصنع ذلك إلا متورط، ثم أزيلت جميع آثار الجريمة، وخرج السيسي مباشرة بخطاب الثأر العجيب الذي يعيب كثيرا أن ينطق به رئيس دولة، المفترض به أن يتحدث عن سلطة القانون وحكمه وضرورة تطبيقه وليس الثأر والقوة الغاشمة وإطلاق اليد.
بأي معنى ومفهوم يمكن تبرير ذلك وليس تفسيره؟ هل كان رجال السيسي يعلمون بالعملية؟ وقد خرجت أصوات تتحدث عن مسؤولية رجال دحلان عنها.. أي تورط إسرائيل صراحة بالعملية، التي غطتها وبشكل لافت قناة سكاي نيوز عربية الإماراتية التي فشلت في أداء مهمتها التنافسية مع "جزيرة" قطر، فتحدثوا عن إغلاقها والاستغناء عنها، ثم صارت تغطي مجزرة في الصحراء الشرقية قبل قنوات البلد الرسمية والخاصة، وذلك دليل آخر على تورط إمارات دحلان في المجزرة؟.
القتل المستمر
السيسي خرج في خطابه يطلب دعم العالم له في المواجهة، وهي دعوة غير مفهومة على الاطلاق، فهو الحاكم وهو من يتحمل أعباء حكم شعبه، لكن أي مراقب للحالة المصرية، يمكنه التأكيد أن مثل هذه الدعوة تعني أن يرتكب نظامه مجازر أخرى سريعة وقاسية دون أن يخشى أية مواجهة أو إدانة دولية، أو ملاحقات قانونية، فهل هذا ما تحتاجه مصر ...؟.
الحلول الأمنية دوما فاشلة وغبية، وهي التي يتبعها نظام السيسي، ومع دفن 339 ضحية، وإصرار السلطة على القتل، فإن المواجهة ستظل مفتوحة، ومهما كانت هوية القاتل، فإنه فتح الباب على مصراعيه لمزيد من القتل والقتل المضاد، وأغلق بيد النظام وصوته أية نوافذ للحوار والاتفاق.
وإذن.. فتش عن الأغبى فإن عرفته فأخبر الجميع أنه القاتل، إذ لا يعقل أن تدفع الدولة أضعاف أضعاف مبلغ الدية المحدد قانونيا بـ 5 آلاف عن كل ضحية، إلا إذا كانت الإمارات هي الداعم للقتل والممول له، وقد أمر السيسي بدفع مبلغ 200 ألف جنيه عن كل قتيل، ومن يصنع ذلك هو أكثر الناس شكا ببراءته حتى لو كان بريئا.

ــــــ

 - Pour visiter notre page FB, cliquez sur ce lien:
‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة
: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

آخر تعديل على السبت, 25 تشرين2/نوفمبر 2017

وسائط