و ككل مرة يكون على الأقل طرف ثالث أو رابع في مفاوضات تذليل العقبات لخلاف الأخوة الفلسطينين .. الطرف الثالث التقليدي متمثل كالعادة في الرعاية المصرية و الرابع أحيانا مباشر أو غير مباشر ممثلا بطبيعة الحال في البيت الأبيض الأمريكي مهما كانت إدارته ؛ و في الحقيقة وجوده ليس بالضرورة خدمة للمصالحة و للمصالح الفلسطينية و إنما حفاظا على مكاسب و مواقف الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة، و عكس ما يتصوره البعض ، فإن الحضور المصري من خلال نظامها السياسي عبر الزمن لم يكن بالشكل الذي تنتظره الجماهير الشعبية، و عادة ما تكون مواقف الحكومات المصرية متناقضة مع مواقف الشارع المصري الرافض للهيمنة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية. مصر اليوم في وضع أمني و سياسي و اقتصادي حرج للغاية أنتجته سياسة " الهروب بمصر" إلى الأمام على أنقاض شرعيات موؤودة و أحداث دامية بعد تحريف الثورات العربية و إفشال أهدافها الحيقيقة ، و بعد تولي الجيش المصري زمام الأمور و عزل الرئيس الشرعي " مرسي" من قبل قائد أركان جيشه أو وزير دفاعه الممثل في السيد " عبد الفتاح السيسي " بحجة تخوين الإخوان و اتهامهم بجرم هز استقرار مصر! و لكي يستمد " عبد الفتاح السيسي" شرعيته (" المبنية على الانقلاب و القمع لكل ما هو " إخواني" و كل ما له صلة بنظام ما قبل أحداث " رابعة" ، أو ما قبل " مجزرة رابعة" التي راح ضحيتها الرافضون للإنقلاب و عزل رئيس شرعي من قبل عسكر السيد السيسي ، دخلت مصر منعرجا خطيرا سياسيا و أمنيا) لم يتوقف النظام الإنقلابي الجديد بعد انتخابات صورية و شكلية في التقرب من القوى الغربية العظمى أولها أمريكا " عدوة الإخوان و كل ما هو مسلم" و باقي العواصم الأوروبية ذات التأثير الدولي جيوسترتتجيا.فاستغل السيسي و الجيش المصري التحولات الإقليمية في الشرق الأوسط و استفحال و تمدد التنظيم الإرهابي الداعشي لكي يطمئن الغرب من خلال مواقف مصر الجيواستراتيجيّة للحفاظ على التوازنات الإقليمية في المنطقة و احترامها للمواثيق التاريخية و معاهدات السلام مع إسرائيل؛ أين أبدى نظام الإخوان عند استلامه الحكم نيته في إعادة النظر فيها، الشيء الذي لن تهضمه إسرائيل و لا حاميتها أمريكا، لهذا غض الطرف على إنقلاب مصر و دعم الإنقلابيين العسكريين ضد الشرعية التاريخية للشعب المصري يبقى على الوضع " الكساحي المختل " في التوازنات المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي و بالأحرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. رغم أن الكل يعرف الإشكال التاريخي منذ مئة عام، إلا أنه يعد ثانويا مقارنة مع الإشكال القائم بين الفرقاء من" الفصائل الفلسطينية" و الحركات الوطنية ، "فتح" لا تريد أن يزاحمها أحد ـ من الفصائل الداخلية ـ في تمثيل الفلسطينين و الفصائل لا تريد من " فتح" أن تصبح لها أبوية " مطلقة " على الشعب الفلسطيني و تتفاوض باسمه مع إسرائيل من خلال أجندات أمريكية غربية . لهذا ظلت فتح عبر كل الأزمنة مصدر ضغط و لوي الذراع من طرف القوى الاستعمارية الكبرى ، و منه فإن فتح بقادتها تضغط على الفصائل و المعارضة الفلسطينية بكل أشكالها ، مسلحة كانت أو غير مسلحة ! و ما عزل " الجنرال العربي الوحيد الذي لم يقهر" ألا و هو الراحل " ياسر عرفات " في أيامه الأخيرة سياسيا و دوليا من قبل بوش ـ و شارون " الولايات و إسرائيل "إلى غاية تسميمه و القضاء عليه في إقامته الجبرية و فرض "محمود عباس" كبديل و كممثل السلطة و شريك مفضل للحوار مع إسرائيل و أمريكا لدليل على أن فتح سلطة ـ رسمية" مفروضة على الشعب الفلسطيني من قبل أمريكا و إسرائيل و مطالبة بالضغط على حماس و الجهاد الإسلامي و كل فصائل المقاومة التي لا ترى خيارا للدفاع عن مصالح الشعب و كرامته عدا المقاومة المسلحة حتى النصر أو الاستشهاد ، و لكم في الدموع المنهمرة لـ " محمود عباس" حزنا على رحيل صديقه السفاح الصهيوني المجرم " شمعون بيريز" لدليل على وفاء و انسجام " محمود عباس" مع مخططات و "خارطات الطُرُوقات" المفروضة من قبل الولايات المتحدة لصالح الكيان و ضد مبدأ تقرير المصير العادل للشعب الفلسطيني!
فالتجربة أثبتت تاريخيا بدءا من مفاوضات " مدريد" إلى غاية " أوسلو" ، حيث لم يستفد منها الشعب الفلسطيني في قضيته عدا مضاعفة عمليات الاستيطان و الجدار العنصري النازي الفاصل و اغتصاب ما تبقى من الأراضي الفلسطينية و تضييق الخناق أكثر فأكثر.. إسرائيل ، أمريكا و ذيول الحلفاء يضغطون على "السلطة الفتحاوية" أو ما يسمى بالسلطة الفلسطينية و هذه الأخيرة تضغط و تلوي ذراع " حماس" في قطاع غزة لتمارس بدورها سياسة الخنق و التجويع حتى تدخل في بيت الطاعة " الفتحاوية". للتذكير في جانفي 2006 فازت حماس في التشريعيات الفلسطينية بـ 76 مقعدا مقابل 43 مقعدا لحركة فتح و أقيمت الدنيا في صالونات " فتح " و في العواصم الغربية و لم تقعد و سببه أن الشعب الفلسطيني اختار عكس كل التوقعات بديمقراطية ـ و بمقياس و معايير أوروبية ـ تنظيما غير تنظيم فتح، فتقرر " مقاطعة" حركة حماس المتهمة بالارهاب من قبل أصدقاء إسرائيل من الغرب و العرب و رفضها رغم أنها أُنتخبت كممثلة بأغلبية للشعب الفلسطيني ، و هدد الشعب الفلسطيني في قوته و حياته و أمنه و تم ابتزازه و تهديده بالتجويع أكثر إذا لم يتبرأ ممن انتخبهم بكل حرية و شفافية، بل لعبت " فتح " دورا فاعلا و فعالا في تحريض الدول و العواصم الغربية و العربية لاستمرار حصار شرعية حركة " حماس".
الذي يحرجني دائما و بشكل مقلق في القضية الفلسطينية ليس ظاهرة انبطاح العرب الطبيعي أمام إملاءات الهيمنة الأمريكية و ليس تآمر بعض الدول العربية الصديقة للكيان الصهيوني و ليس العلم الإسرائيلي الذي يرفرف خفاقا في بعض الدول العربية و إنما الذي يقلقني بشكل رهيب هذه التناحرات الداخلية السياسية و العسكرية بين الأخوة الفلسطينيين ، و غالبا ما تنجح عمليات الاختراق من قبل العدو منها المخابرات الإسرائيلية و الأمريكية و الإيقاع بين هذه الأطراف و جرها إلى ساحة المواجهة و تفكيك الوحدة الوطنية .. لا يمكن للقضية الفلسطينية أن تنتصر في ضوء الانقسامات المعروفة و المتجددة .. توحيد الصف و تجاوز كل الخلافات الداخلية ليس من صالح " الكيان الصهيوني" و أتباعه من الحلفاء و الداعمين لبقائه في المنطقة . فلا عجبا إن نلحظ في الأيام الأخيرة " فزورة" أو أحجية تبادل إطلاق النار بين جيش الكيان الصهيوني و الجناح المسلح لحماس في غزة ، و عمليات القصف و اعتداءات المستوطنين المتزامنة مع حديث حكومة موحدة ، أو حكومة الوفاق و التعثرات و الصعاب التي تواجهها مسألة حسم الخلاف بشكل جذري و توحيد بشكل مطلق و دائم للصف الفلسطيني. الشارع الفلسطيني بشكل خاص متلهف و مرتاح من خلال تتبعه لعملية المفاوضات بين " فتح و حماس" و يبني آمالا كبيرة يتوخى منها زوال كل العقبات و تحسين الظروف القاهرة التي تعيشها غزة شعبا و مؤسساتا نتيجة الحصار المضروب من قبل " إسرائيل و أيضا من قبل سلطة محمود عباس" !لكن حتى و لو أتهمت بالتشاؤمية و بالتثبيط أو ربما بزرع الفتنة بين الإخوان (الإخوان هنا أقصد بها الأشقاء ، و ليس إخوان حسن البنا!) في فلسطين و إلى غير ذلك من الاتهامات ، فإني لا أثق في هذه الاسطوانة القديمة الحديثة التي يجري تسويقها للشارع العربي الفلسطيني حتى و لو قبلت "حماس" و باقي الفرقاء بكل شروط السلطة الفتحاوية ، فإسرائيل و أمريكا لن يقبلوا بهكذا فصائل و هي ترفض أن تتنازل عن حق المقاومة و متمسكة بحمل السلاح ضد الكيان. تستطيع حركة "فتح" أن تكتسب شرعية شعبية واسعة فلسطينيا و عربيا و دوليا، إذا هددت المصالح الصهيونية الأمريكية و خيرت " السلاح و المقاومة " إلى جانب باقي الفصائل المرابطة ضد الكيان الصهيوني، ربما سيفهم باقي العالم أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة أو الشهادة أهون من سلطة و دولة " افتراضية" لا سلطة لها و لا سيادة عدا في المحافل الدولية التمويهية من أجل إبقاء الحال على حاله ، خصوصا و نحن مهددون بتضييع " القدس " إذا حقق ترامب أحلامه.. يكفينا تضييع وقت يا إخوان.. انتظروا ـ للأيف ـ أخبار فض الاتفاق بين حماس و فتح و سوف تتهم " حماس" ثانية داخليا بعرقلة عملية السلام و برفضها للوحدة الوطنية الفلسطينية، و نخشى أن يفتى بقتال كل ما هو " حماسي " أو " حمساوي" بدلا من قتال إسرائيل. آخر الكلام: السلطة و الفصائل و كل القوى الفلسطينية ستواجه امتحانا تاريخيا عسيرا في الأيام المقبلة ، خصوصا إذا اعترف " ترامب" بالقدس كعاصمة لإسرائيل يوم الأربعاء المقبل !
ـ مدير تحرير " الفيصل".
ـــــــ
طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة : https://www.facebook.com/khelfaoui2/
- Pour visiter notre page FB, cliquez sur ce lien: