wrapper

الجمعة 19 أبريل 2024

مختصرات :

د. عبير عبد الرحمن ثابت

‎ما يبدو ظاهراً من النشاط الدبلوماسي للبيت الأبيض في الملف الفلسطيني الإسرائيلي الغير مسبوق في تعاطيه مع ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سرعته مقارنة بالإدارات الأمريكية السابقة؛ والذي تجلى في استقبال الرئيس الأمريكي لرئيس وزراء إسرائيل في أول شهر له في الحكم؛ ثم ما لبث أن أرسل مبعوثه للسلام للمنطقة

عقب مكالمة حميمية مع السيد الرئيس محمود عباس؛ وذلك بعد جفوة لم تطل مع الطرف الفلسطيني رغم ما تخلل تلك الفجوة من تهديدات وإنذارات وتحذيرات مباشرة وغير مباشرة مارستها إدارة السيد ترمب على السلطة الفلسطينية مند أن اعتلت سدة الحكم في البيت الأبيض؛ وقد يعتقد البعض أيضاً أن اندفاع السيد ترمب ناجم عن ضحالة خبرة الرجل السياسية واندفاعه الشعبوى المتهور والذي لازم توصيفه داخل وخارج الولايات المتحدة؛ لكن في حقيقة الأمر إن ترمب كان من الحكمة بمكان عندما بدأ أول تحرك دبلوماسي لإدارته بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلافا للملف الإيراني الذي تشاركه فيه قوى دوليه أخرى؛ بينما ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحديداً لا يزال بكل أوراقه حكراً على الولايات المتحدة رغم كل المحاولات الدولية للتدخل والتي باءت بالفشل وكان أخرها المبادرة الفرنسية بفعل الرفض الإسرائيلي والاستسلام الدولي للضغط الأمريكي والإسرائيلي في إبقاء ملف التسوية بيد الطرف الأمريكي منذ أزمة السويس 1956 وحتى يومنا هذا . ويعنى ذلك ببساطة أن إدارة ترمب ستكون حرة الحركة دبلوماسياً فى أى تسوية مقترحة فى هذا الملف في غياب أي طرف دولي وازن أو حتى غير وازن كالأمم المتحدة، وهو ما يعنى أيضا أن أي تسوية قادمة لن تستند إلا لما يتفق عليه طرفى الصراع مع الطرف الأمريكي، وهو ما تجلى في تصريحات السيد ترمب في مؤتمره الصحفي مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عندما قال "إن إدارته معنية بتسوية مقبولة من الطرفين"، فيما أُعتبِر نسف لأسس عملية السلام والتي استندت لحل الدولتين وفق القرارات الدولية على حدود 67، وهو ما يعنى أن التسوية المقترحة ستسلب من الطرف الفلسطيني وحتى قبل أن تبدأ كرته الوحيد الرابح ألا وهو الشرعية الدولية بقراراتها الواضحة والتي لا تضع أُسس للمفاوضات فحسب بل إنها تحسم كل قضاياها وتحول المفاوضات من مفاوضات تسوية إلى مفاوضات على آلية تطبيق قرارات الأمم المتحدة . إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تعرف جيداً استحالة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق الشرعية الدولية لعدم قدرتها على إلزام إسرائيل بها، لكنها تدرك أيضاً أن الطرف الفلسطيني المنقسم والعربي المترهل في أضعف أوضاعه تاريخياً، وهى فرصة تاريخية للحصول على تنازلات إستراتيجية منه لصالح الطرف الإسرائيلي كتلك التي حصلت عليها في اتفاق أوسلو الذي لم تف به إسرائيل واستخدمت كل وسائلها للتنصل منه، وذلك من خلال اتفاق مشابه يكون بمثابة مرجعية دائمة وبديلة للشرعية الدولية في القضية الفلسطينية التي ستستمر لعقود قادمة دون حل نهائي . إن ما تقوم به إسرائيل والولايات المتحدة لا يعدو كونه إدارة للصراع يتخلله تصفية القضية الفلسطينية من هويتها وحقوقها الفلسطينية، فكما نهبت إسرائيل أراضى الضفة الغربية وعزلت قطاع غزة وذلك بعد عقدين من المفاوضات، اليوم تريد استكمال ما تبقى من مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس والأغوار وطمس الهوية الفلسطينية وتمرير الرواية الصهيونية بيهودية دولة إسرائيل . وهنا الأخطر في المخطط الإسرائيلي محاولاتها بتمرير الرواية التاريخية الصهيونية للصراع تحت شعار تعزيز ثقافة السلام ووقف التحريض ومكافحة الإرهاب، وليتوج ذلك بالاعتراف بإسرائيل دولة يهودية وهو ما يعنى ببساطة أن يرفع الطرف الفلسطيني الراية البيضاء ثقافياً وأيديولوجياً للمشروع الصهيونى في فلسطين، ويتنازل في الميدان الوحيد المنتصر فيه دولياً على مر عقود الصراع المريرة ألا وهو الميدان الثقافي الذي هُزمت فيه إسرائيل برغم قوتها ودعم الولايات المتحدة الأمريكية لها، وذلك بفعل رفض العالم بأسره لروايتها التاريخية والمزعومة والأسطورية للصراع . وهنا علينا أن ننتبه أن إسرائيل تدرك جيداً أن طبيعة صراعنا معها هى أيديولوجية ثقافية بالأساس، وتدرك أن نجاح المشروع الصهيونى منوط به استسلام الطرف الفلسطينى ليس عسكرياً أو سياسياً بقدر ما هو ثقافياً، وترى إسرائيل اليوم أن الوقت مناسب لفرض الاستسلام الثقافي والأيديولوجي على الطرف الفلسطيني وهو ما تجلى في زيادة قضايا التفاوض لتشمل التحريض على العنف والإرهاب وتغيير المناهج الفلسطينية طبقا للرغبة الإسرائيلية . إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس مزمناً ومستعصى على الحل فهناك قضايا سياسية في التاريخ أصعب من صراعنا وتم حلها؛ لكن واقع الحال أن إسرائيل والولايات المتحدة قطعتا شوطاً كبيراً في مراحل الحل وتصفية الصراع من خلال سياسة إدارته وليس إنهائه كما يجب، ولكننا اليوم أمام المرحلة الأصعب وربما الأخيرة نظراً لانهيار توازن القوى بين الطرف الفلسطيني والإسرائيلي، وبرغم كل الظروف العربية والدولية المحيطة وبالإرادة الفلسطينية بإدراكنا للأبعاد الحقيقية لسياسة إسرائيل لإدارة الصراع وبتمترسها على الحقوق الفلسطينية وعدم القبول بالتنازل عن الثوابت الفلسطينية ستبقى القضية الفلسطينية الحلقة الأصعب في الصراع العربي الإسرائيلي، والجميع يعى تماماً أنه بدون إيجاد حل منصف للشعب الفلسطيني لن ينتهى الصراع، ولن يستقر الشرق الأوسط ولن يتحقق السلام في المنطقة .

*‎ أستاذة علوم سياسية وعلاقات دولية

آخر تعديل على الإثنين, 20 آذار/مارس 2017

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :