طباعة

 بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي


سقوطُ النظرياتِ الإسرائيليةِ حولَ الأجيالِ الفلسطينيةِ : يشكو الإسرائيليون، ويحذر المسؤولون الأمنيون، والخبراء الاستراتيجيون وعلماء النفس والاختصاصيون الاجتماعيون، من عناد كبار السن الفلسطينيين وإصرارهم، ومن إيمانهم وثباتهم على مواقفهم الأصيلة،

وعدم يأسهم وقنوطهم رغم سوء أحوالهم السياسية وتردي ظروفهم المعيشية، وضعف قوتهم وتخلي الحكومات العربية عنهم، ويبدون خوفهم من عقيدتهم الصلبة، وإيمانهم الراسخ، وثباتهم الراسي، ويقينهم الذي لا يتزعزع، وإيمانهم الذي لا يضعف، وأملهم الذي لا يتبدد، ووعدهم الذي لا يفتر، من أن فلسطين لهم، وهي أرضهم ووطنهم، فيها حياتهم وفيها مماتهم، ومنها يخرجون ويبعثون تارةً أخرى، وأنهم على موعدٍ قريبٍ مع النصر فيها والعودة إليها.
 
يبدي الإسرائيليون قلقهم من تربية الفلسطينيين لأولادهم وتنشئتهم لأبنائهم، ووصاياهم لأحفادهم، وحكاياتهم لهم ورواياتهم عن ديارهم، وذكرياهم القديمة فيها، وقصصهم الكثيرة عنها، ويزعجهم أكثر تمسكهم ببقايا ديارهم، ومفاتيح بيوتهم، وإفادات ملكيتهم العقارية لأرضهم ومنازلهم، واحتفاظهم بمعالم قراهم وأسماء حواريهم، والتفاصيل الدقيقة التي ظن العدو الصهيوني أن الزمن قد طواها والغبار قد علاها، وأن أصحابها قد نسوها، فإذا بها أمامهم تنهض سلاحاً، وتتشامخ جداراً، وترتفع قلعةً، وتتعالى حصناً، وتقف صامدة أمام تحديات الشطب ومؤامرات التغيير والتحريف، ومحاولات التزوير والتزييف، وتثبت قدرتها على مواجهة سياستهم وتحدي روايتهم، ونفي شهادتهم، وتثبت أنهم أهل الأرض وأصحاب الحق.
 
تمتد شكوى الإسرائيليين وتكبر، ويتواصل قلقهم من الشيوخ وكبار السن الفلسطينيين، إلى الأطفال وصغار السن والأجيال الطالعة الشابة، الذين ورثوا عقيدة الكبار وعناد الشيوخ ويقين الآباء، فغدوا أكثر تمسكاً منهم، وأكثر إصراراً على حقوقهم من آبائهم، وأصبح بإمكانهم امتلاك أدواتٍ للمقاومة جديدة، وأسلحة للمواجهة فتاكة، غير تلك التي ناضل بها آباؤهم واستخدمها أجدادهم، فأصبحوا في اغترابهم البعيد وشتاتهم القاسي سفراء لبلادهم، وخير جنودٍ لوطنهم، يسخرون اللغات التي يتقونها، ويستغلون العلوم التي يبدعون بها، والمجالات التي يتميزون فيها، ليعبروا عن قضيتهم، ويسلطوا الضوء على معاناة شعبهم، ويشرحوا لغيرهم قصة نكبتهم وأساس محنتهم وملحمة تغريبتهم.
 
يواجه الإسرائيليون هذه العقيدة الراسخة لدى الفلسطينيين بتراجع الانتماء عندهم، وضعف العقيدة لديهم، وتفسخ المجتمعات وتحلل الروابط بينهم، فقد بدت أجيالهم الجديدة أقل إيماناً بالأرض الموعودة، وأضعف تمسكاً بالأحلام الموروثة والوعود القديمة، وأكثر ميلاً للحياة الرغيدة المرفهة، بعيداً عن الحروب والقتل والمواجهة، وغدوا أقل رغبةً في التضحية والفداء في سبيل شعبهم والدفاع عن قضيتهم، إذ لم تعد لديهم قضية جامعة أو مسألة مشتركة، فأغلبهم يتمتع بجنسيةٍ أخرى، ولديه في بلاده الأصلية مسكناً وعملاً وحساباً مالياً ومصالح تجارية وأخرى شخصية، وإليها يسافر فراراً كلما توترت الأوضاع في الكيان، وأصبح على شفير حربٍ جديدةٍ ومواجهةٍ شاملةٍ.
 
يعاني الإسرائيليون نتيجةً لتعدد مجتمعاتهم، واختلاف لغاتهم، وتناقض عاداتهم، وتباين تقاليدهم، وتنوع أصولهم، وفقدانهم للتراث المشترك والحضارة العميقة، من اتفاق الفلسطينيين في اللغة والثقافة، وانسجامهم في العيش والمواطنة، وامتلاكهم للقواسم المشتركة والتاريخ الممتد والحضارة القديمة، واستعداد أجيالهم الشابة والكبيرة للتضحية والفداء والبذل والعطاء، يقيناً منهم أنهم يضحون من أجل قضيةٍ عادلةٍ وحقٍ تاريخي، وأنهم يحملون أمانةً ورثوها عن الآباء والأجداد، ويجب عليهم أن يصونوها ويحفظوها، وألا يفرطوا فيها أو يتخلوا عنها، ويساندهم في حقهم إخوانهم العرب، وشركاؤهم في الأرض والوطن من المسلمين والمسيحيين على السواء، الذين يجمعهم الوطن وتوحدهم القضية.
 
ما زال الفلسطينيون في كل مكانٍ من المعمورة، في الشتات واللجوء وفي ربوع الوطن فلسطين، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، يحملون أسماء المدن والبلدات الفلسطينية، ويعلقون خارطة فلسطين على الجدران، ويزينون بها قلاداتٍ صدورهم، وذهباً تعلقها نساؤهم، ويرسمونها على صفحات كتبهم وأوراق مذكراتهم، ويجعلونها شعاراً لحساباتهم الشخصية وصفحاتهم الاجتماعية، ويحددون عليها بالعربية أسماء بلداتهم، ومواقع قراهم، ويصرون على مدينة القدس في القلب منها، عاصمة بلادهم، وزهرة مدائن وطنهم، ويتمسكون بكل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، ويعيدون رسمها كما كانت، وتثبيتها على الخارطة الأصلية، فلسطينية الهوية وعربية الانتماء والنسب.
 
وما زالت نساء فلسطين يحتفظن بأثواب بلادهن الزاهية المطرزة، المزينة المتنوعة، التي تنتمي إلى كل المدن الفلسطينية وتنتسب إليها، إذ كان لكل مدينة ثوبها الخاص وعلامتها الفارقة المميزة، وما زالت الصبايا كما العجائز يحفظن الأهازيج الشعبية، ويهدهدن أطفالهن على الأغاني الوطنية، والشبان كما الشيوخ، يحافظون على الكوفية السوداء والحمراء المرقطة، وعلى العقال التقليدي القديم، وما زالوا ينظمون حلقات الدبكة المشتركة، ويرددون المواويل الشعبية، وما زالت "عَلِّي الكوفية" أغنيتهم المفضلة، و"دمي فلسطيني" أغنيتهم السائدة، وغيرهما مما تزخر به الذاكرة الشعبية الفلسطينية، وقوداً فنياً وزاداً تراثياً يصلح للمقاومة والصمود.
 
لا أعتقد أن العدو الصهيوني مهما بلغ من القوة، ومهما حظي بالدعم والمساندة الدولية، يستطيع أن يطمس الهوية العربية الفلسطينية، وأن يبهت الانتماء ويزور الولاء، ويغير الوقائع ويبدل الشواهد، فهو لن يستطيع أن ينتزع من عقول الفلسطينيين وأدمغتهم ذاكرتهم التاريخية وحسهم الوطني، ولن يتمكن من تجميد الدماء الثائرة في العروق الفلسطينية، أو تجفيف ضروع الأمهات اللاتي يرضعن أطفالهن حب الوطن ويقين استعادته حراً والعودة إليه قريباً، ولن يتمكن من نبش قبورنا واستخراج رفات آبائنا من تراب وطننا، بل سيبقى الفلسطينيون في أرضهم يصبغونها بهويتهم ويلونونها بعروبتهم، ويحلمون بالعودة إليها ما بقي الزيتون والزعتر، وأثمر في أرضهم وأزهر.
 
بيروت في 14/1/2021

 

مواقفٌ كويتيةٌ تجاه القضيةِ الفلسطينيةِ قوميةٌ رائدةٌ



تأبى دولة الكويت وشعبها العربي المسلم، وأهلها الأباة النشامى الكرام، وهي التي تأذت يوماً من الموقف الرسمي الفلسطيني، وعانت فترةً بسبب قرار القيادة الفلسطينية، التي أخطأت التقدير وضلت الطريق، وفقدت الحكمة وجانبها الصواب، فآذتها وأساءت إلى ماضيها الأصيل، وجحدت فضل الكويت القديم عليها، وعضت اليد التي أكرمتها واحتضنتها، عندما تحالفت ضدها وانقلبت عليها، واصطفت مع عدوها عليها، وصدقته وناصرته، ودعمته وأيدته.
 
رغم ذلك فإن الكويت تأبى إلا أن تحافظ على صدق مواقفها، ونبل أخلاقها، وطهارة انتسابها، وأصالة انتمائها، وأن تكون وفيةً لمبادئها، ومحافظةً على أخلاقها، وصادقةً مع نفسها، ولا تقبل أن تتخلى يوماً عن فلسطين، أو أن تتأخر عن نصرة الشعب الفلسطيني والوقوف معه، ومساندته ودعمه، وتأييده في حقوقه ومقاومته، لإيمانها أن فلسطين هي قضية الحق ورسالة السماء، وأن نصرتها واجبة والدفاع عنها عبادة.
 
بقيت دولة الكويت للفلسطينيين رغم الجرح الغائر في تاريخها الحديث الوطن الرؤوم، والحاضنة الأولى للثورة الفلسطينية، والأم الحنون لقادتها التاريخيين، الذين أقاموا وعملوا فيها، وأسسوا على أرضها ثورتهم المعاصرة الأولى، التي عاش فيها وانطلق منها أغلب القادة التاريخيين للثورة الفلسطينية المعاصرة، ومنهم ياسر عرفات وأبو إياد وأبو جهاد، وعشراتٌ آخرون من قادة الثورة الفلسطينية، وفيها نشأت قيادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الأولى، ومنها انتشرت واتسعت، واشتد ساعدها وقويت شوكتها، وغدت حركة مقاومةٍ قويةٍ، باعها طويل، وبأسها شديد، وعطاؤها ممدود وتضحياتها بلا حدود.
 
في كل يومٍ تظهر دولة الكويت موقفاً جديداً يضاف إلى سجل مواقفها الخالدة، ويندرج تحت سياستها الأصيلة، يعلي مقامها ويرفع درجتها، ويسمو بها وشعبها، فهي لم تكتفِ فقط بمواقف وتصريحات، وكلمات وخطابات رئيس مجلس أمتها النارية، الذي اعتاد على الانتصار لفلسطين وأهلها في كل المحافل الدولية، ودأب على مهاجمة الكيان الصهيوني وتعريته، واعتاد على ادانتها وتوجيه الاتهام لها، والإصرار على أنها دولة احتلالٍ عنصريةٍ قاتلةٍ، ينبغي عزلها ومحاسبتها، ومحاكمتها ومعاقبتها، بسبب جرائمها الفاحشة وسياستها الظالمة ضد الشعب الفلسطيني، حتى غدا رئيس مجلس أمتها مرزوق الغانم رمزاً للأمة المقاومة ونوابها الثوار.
 
ومن قبل كان أميرها الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وكل أمرائها السابقين كما الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، يؤيدون القضية الفلسطينية ويدعمون أهلها، ولا يتأخرون عن نصرتها وتقديم العون لها، ويصرون على العمل من أجلها والدفاع عنها، والقيام بواجبهم تجاهها في السياسة والإعلام، وفي الأرض والميدان، وفي الوطن والشتات، وفي تقديم الدعم المادي والرعاية الأخوية، فاستحق شيوخها من الشعب الفلسطيني كل حبٍ وتقديرٍ ووفاء، وهو ما أبدوه صادقين عند وفاة أميرها، إذ حزنوا لرحيله، وفتحوا سرادقات العزاء من أجله، وزاروا سفارات بلده في أغلب الدول لتقديم أصدق آيات العزاء بوفاته.
 
تتوالى مواقف دولة الكويت الرائدة، الناصعة الصادقة، فهي في زمن التردي والانحطاط الرسمي العربي، الذي تتدافع فيه الأنظمة العربية نحو الكيان الصهيوني اعترافاً وتطبيعاً وتعاوناً، وقبولاً وتفضيلاً ورعايةً، فإنها ترفض تقليدهم واتباع خطواتهم، وتصر على مواقفها الأصيلة ومبادئها الثابتة، التي تأبى الاعتراف بالكيان الصهيوني، وترفض الاعتراف به أو التطبيع معه، وتصر على مواقفها وتدافع عن سياساتها، رغم أنها تدين بالكثير إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاونت معها وخدمتها، وساهمت في تحريرها واستعادتها، إلا أنها ترفض أن تدفع لها الثمن من عفتها وكرامتها، وتصر على الحفاظ على شرفها القومي وطهرها الوطني.
 
تصر دولة الكويت حكومةً وشعباً، وقوىً ونواباً، ونخباً إعلامية وثقافية، على رفض استخدام مفردة "إسرائيل"، والإصرار على تسميتها بالكيان الصهيوني، وتصفها دائماً بالعدو الغاصب المحتل القاتل، وهو ما دعا مؤخراً صحيفة القبس الكويتية، إلى تقديم الاعتذار الصريح والشفاف، إلى شعبها الكويتي وأمتها العربية والإسلامية، وإلى الشعب الفلسطيني الشقيق، عن الخطأ الذي ورد سهواً في صفحاتها، ضمن خبر قائمة الدول الأسرع تطعيماً ضد وباء كورونا، حيث ذكرت من بينها "إسرائيل" بدلاً من "الكيان الصهيوني"، وقد ساءها كثيراً الخطأ الذي وقع فيه محرر الخبر، رغم أنه نقله عن وكالات الأنباء العالمية.
 
وما زالت الكويت ترفض المشاركة في أي محفلٍ يشارك فيه إسرائيليون، وتقاطع كل نشاطٍ سياسي وإعلامي، وفني وثقافي، ورياضي واقتصادي، يدعون إليه أو يشاركون فيه، وتتنازل عن كل المباريات والأنشطة التي تأتي القرعة بهم معهم، ويصر أهلها على عدم زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى في ظل الاحتلال، ويتمسكون بحقهم في زيارتها والصلاة في مسجدها إذا تحرر وتطهر، وهم في موقفهم القومي الرائع سواء، سنةً وشيعةً، متدينين وعلمانيين، ففلسطين في ثقافتهم إيمانٌ، وفي دينهم عقيدة، وفي حياتهم عهدٌ ووعدٌ.
 
إنها الكويت واحدةٌ من القلاع العربية الأصيلة، التي بقيت على مواقفها، وحافظت على أصالتها، في زمن الانهيار العربي المشين والانحدار الرسمي المعيب، فألف تحيةٍ لها، وكل الشكر والتقدير منا جميعاً، عرباً ومسلمين وفلسطينيين، لأميرها وشعبها، ونوابها ونخبها، ونسأل الله عز وجل أن يحفظها وأمنها، وأن يبقيها وأميرها، وأن يجعلها سخاءً رخاءً، أرض الجود والكرم، وبلاد الخير والعطاء.
 
بيروت في 16/1/2021

 

****

 

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 25/ ديسمبر 2020 ـ جانفي 2021

https://fr.calameo.com/read/006233594d978f067c2c3

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéros 23 et 24 mois (octobre et novembre 2020
format PDF, cliquez ou copiez ces liens :
https://www.calameo.com/books/0062335945021221c6506
*****
‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

 

آخر تعديل على السبت, 16 كانون2/يناير 2021

وسائط