wrapper

الجمعة 19 أبريل 2024

مختصرات :

 ـ عبد الكريم ساورة | المغرب


‎سُئِلَ أرسطو ذات يوم من طرف طلبته، كيف يمكننا الحكم على إنسان ما ؟ فأجابهم بعد تأمل طويل : اسأله كم كتاب يقرأ، وكيف يقرأ. هذه المحادثة البسيطة هي تلخيص لرؤية عالم وفيلسوف أسس لمفهوم القراءة  في مرحلة من مراحل تاريخ الإنسانية.


‎ونقلا عن جواب أرسطو، نسأل السؤال بصيغة مغايرة : هل يمكن الحكم على المجتمع المغربي في الهامش من خلال طقوس القراءة ؟ ولماذا تأخذ القراءة كل هذه المكانة المقدسة ؟
‎مند سنتين وأنا أتجول بالمعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، بحثا عن دار النشر تتكلف بطبع كتاب لي ، وفجأة عثرت على سيدة تتجاوز الستين من عمرها، وضعت كتابا كان بين يديها وسألتني : هل من خدمة ؟ أخبرتها بالمطلوب فردت علي وهي تتأسف قائلة : لا أحد في لبنان أصبح يعير للكتاب اهتماما، الأغلبية تجدها تدفن رأسها في المحمول ليل نهار، ونسبة المقروئية في تدن خطير جدا.
‎لايخفى على أحد ببلادنا تصاعد الخوف الذي أصبح يؤرق الجميع على الهبوط الحاد في نسبة القراءة ولعل تقرير " بيرلز " الدولي المعروف وهو عبارة عن دراسة يقوم لقياس مدى تقدم القراءة في العالم، ويجري كل خمس سنوات، تشرف عليه الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي بهولاندا، انطلقت هذه التجربة في سنة 2001  وتشارك فيها حاليا أكثر من 50 دولة من بينها المغرب الذي احتل المرتبة الأخيرة على مستوى القراءة بمعدل 310 نقطة بعيدا عن المعدل الدولي الذي هو 500 نقطة. لكن المفاجأة أن دولة مثل  فرنسا التي يعتبرها مرجعا ونموذجا لم تبلغ سوى 520 نقطة وهذا تم تسجيله في سنة 2011 فكيف ستكون الوضعية بعد 7 سنوات ؟
‎يجب أن نعترف أن القراءة بالمغرب هو فعل طبقي بامتياز، وهذا نجذه مترجما بشكل واضح بين مختلف العائلات، فالفئة الميسورة في المدن الكبيرة والتي تتوفر على وسائل مادية ومكانة اعتبارية في المجتمع تجدها أكثر ارتباطا بكل وسائل التثقيف كالسينما والمسرح والأوبرا والمتاحف والرواقات والمعاهد والجامعات والمكتبات وكل ماهو جديد في ميدان النشر من مجلات  وجرائد و كتب ومذكرات وبلغات مختلفة، وهنا نجد شفرة زواج المال بالمعرفة لايفك عقدتها سوى هؤلاء الأثرياء.
‎بالمقابل على مستوى مدن الهامش، حيث تنعدم كل وسائل التثقيف، باستثناء الحلقة بالأسواق والمواسم في فصل الصيف والتي تُؤَثْثْ بالفروسية ومأدوبات الأكل و الأغاني الشعبية، كما يسجل انعدام المكتبات، وهنا تعيش هذه الفئة فقرا مزدوجا، وبذلك فكل الوسائل التثقيفية التي تنتج المعرفة وتجعلها كائنا قارئا منعدمة، وهنا فنسبة المعلومات في شتى الميادين تكون نادرة ، يبقى وحده التلفزيون يقوم مقام كل هذه الوسائل، ونحن نعلم جميعا ما يقدمه التلفيزيون المغربي من مواد أقل ما يمكن وصفها بالتافهة.
‎فالهامش الذي يتم إقصائه بشكل منهجي من كل وسائل التمدن، لايمكن أن يكون منتجا، باستثناء بعض الحالات وفي ميادين محدودة جدا، وجولة صغيرة في بعض مدن الهامش تترءى أمام عينك صور البؤس  والفوضى  والعشوائية في كل شيء، والخشونة في المعاملات، تشعر بأنك داخل مجتمع ينتقم من بعضه البعض، تقرأ في عينيه أنه ينتقم من كل شيء يجده أمامه، مجتمع لايقرأ ذاته، لا يفكر بالمرة في قراءة مستقبله، مجتمع فاقد للبوصلة بالمرة.
‎هل مجتمع بهذه المواصفات نتركه للتلاشي ؟ هل ندعه يزيد يتيه في عوالم التهميش لأنه لايحسن قراءة فنجانه جيدا  ؟  
‎يجب الإقرار بأن الهامش الذي يفتقد إلى التنمية بكل تمظهراتها، لايمكن توجيه اللوم إليه واعتباره أنه هو المسؤول عن وضعيته لأنه لايقرأ كثيرا، لأن القراءة ليست شرطا جوهريا في فعل التنمية، ويمكن أن يكون المجتمع منتجا ومتقدما دون أن يكون قارئا نهما، ويكفي إذا لم يتحقق هذا الشرط أن نمده عبر وسائل أخرى موازية  كل المواد التي تجعله متتبعا وحيا ومشاركا ومهتما ومنتجا كالتلفزة  والراديو عبر برامج تعبوية مختلفة ومتنوعة وكذا السينما والمسرح والمهرجانات الهادفة واللقاءات الخطابية والجمعيات المتخصصة، والمساجد عبر  الدروس الدينية ذات النفحة الروحية والصوفية الحياتية وليس الحاملة لنفحة زجرية وعقابية وغيرها من  الوسائل البسيطة....
‎الدولة مسؤولة عن فقر المواطن في الهامش وحقه في التثقيف إذا كان أميا أولايقرأ كثيرا، فهي مفروض عليها قانونيا وأخلاقيا أن تعوضه عن هذا الفقر المعرفي ببدائل أخرى جد بسيطة تكون في متناوله، لأنه يعتبر جزءا أسياسيا من مشروع الدولة الكبير، إنه كائن إنساني وجب احترامه كإنسان قبل كل شيء، أما الحكم عليه بالتجاهل فهذا نفي للحق على حد تعبير الفيلسوف فريدريش هيجل.
‎كاتب وباحث

  ***

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:
‏: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
‪‪@elfaycalnews‬‬
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce lien:

آخر تعديل على الجمعة, 16 شباط/فبراير 2018

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :