wrapper

التلاتاء 23 أبريل 2024

مختصرات :

ـ هدى حجاجي | مصر

 

البحر يهدر أمامه ,,يذهب هديره بصخب المصطافين داخل المياه وعلى الشاطئ تلتقي أمواجه وتتدافع زبدا أبيض ينسكب عند قدميه , تجمع بقاياها وتعود يائسة . 


منذ فترة ليست قصيرة وهو يتخذ لنفسه هذا المكان القصى والهادئ نوعا , وحيد في هذا العالم وغريب , معدم الأصدقاء الأوفياء  فيما عدا قلمه وأوراقه ويرسل بصره الى أفق غائم ممتد بلا نهاية , يتعلق بصره بأشرعة السفن المبحرة  ساعة غروب الى بلد غير البلد  وترسو في مرافئ كثيرة  , تفرغ أحمالها مئات آلاف من البشر  من كل لون  , يكاد يخال نفسه واحدا منهم ووحيدا أيضا في أحد مرافئها . 

غاصت يداه في أحشاء الرمال اللزجة المبتلة بنثار الموج , عليه أن يواصل بقاءه مسترشدا بكلمات أمه الراحلة ,,لحقت بأبيه  بعد شهور قلائل في أواخر الصيف الماضى بالتحديد وواجه بمفرده شتاء طويلا , غير أنه مايزال يرى (الأخرى )  في لحظات صفاء روحه تطل من قاع الذاكرة على عالمه الخاوى ,, يعشق هذه اللحظات فتأتيه بغير ميعاد مصحوبة بقوة خرافية , تحرره من قيود هذا العالم المتناحر المطلى بألوان فجة , ترتفع به  الى  عوالم فوقية شفيفة غير ملونة فيها وخلالها فقط تتكشف له ذاته وماهية هذا الكون الشاسع , 

أسمها إلهام .. وكانت بالفعل مصدر إلهامه في كثير مما كتب ببراءة روحها  ورقة حديثها , وضفيرتيها المجدولتين  في صبيانية إلى خصرها .. بأحلامها عن المستقبل والعش الصغير .. بكل ما ندر فيها كانت – لوقت – جزءا من هذا الأكتشاف الصادق , وسرعان ما تنأى عنه اللحظات لكنه لا ييأس أبدا . فالمؤكد له أنها ستعاوده وتتخلل روحه من جديد . 

وأقصى ما يحيره عند محاولة إعادة تركيب الصور فاخذ ملمحها الصحيح عدم قدرته على إدانتها إدانة كاملة يلتفت حوله  ويظل يحدق في الوجوه اللامعة ,,يتطلع الى العمائر  السامقة صاعدا بيده طوابقها  المتعالية ,, يدرك كم يده قصيرة يتهاوى البصر للأرض ويلتمس لها العذر أحيانا , وغالبا .. وفى أوقات  انضغاط نفسه بالمرارة يكتبها قصيدة هجاء أو يرسمها بخطوط منفعلة ثائرة ويمصرها بأسماء تحمل معانى شتى ومتناقضة . 

**** 

طيور النورس تحلق فوقه في أسراب كثيرة تقودها المقدمة في خط مستقيم كانت تتحرك  , ثم تعرج مسارها ومضت تخترق كتلا من السحب متفرقة , حط النورس فوق صخرة قريبة اليه ظل يتابعه  بناظريه بينما يدور برقبته يمنة ويسرة , بدأ له قلقا ومضطربا  وهو يتحرك في المساحة الصخرية المنعزلة كعادة النوارس لا تستكين في مكان , يعرف أه سيبقي لبرهة ثم يطير مبتعدا , وأطلق النورس صيحة عالية  وانطلق نحو السماء منضما لرفاقه . 

منذ متى  كانا يعتليان هذه الصخرة ,, يصعد هو أولا ثم يمد يده ويجذبها يفيض وجهها بشرا  وهى تتأمل الأفق الناصع , ينشغل عنها بالنظر الى قارب  ومجداف مطروحين أسفل على الرمال , تنظر إليه وتتساءل عن سر هذا القلق في عينيه . يكشف لها عن مخاوف الأيام المقبلة ,, يحدثها عن والديه وعن المجهول ,, لكنها كانت تشجعه وتوصيه برا بهما . 

أكدت أنها ستنظره حتى النهاية .. كل الأشياء تبدأ صغيرة  وتكبر وهما ولدا وكبرا معا في الحارة الضيقة برأس التين ,, أقتسما زمن الحرمان والمكابدة حتى أتما تعليمهما بالجامعة ,, بالعلم والحب فقط ( كقولها ) سيتمكنان من  بلوغ أحلامهما المشتركة الواقفة بانتظارهما خارج أسوار الجامعة و ...وكانت تتكلم  بحماسة بالغة أذابت مخاوفه فأستحضر جناحين وطار محلقا بها لفرط سعادته ...

شهور طويلة انقضت ولم يرها  ولم يسمع عنها الشئ اليقين وفى المرة الأخيرة حين التقيا مصادفة في أحد الميادين كانت تمشى بخطى سريعة عما ألفه فيها  وقد حلت ضفائرها وقصت شعرها فيما يشبه الفتيان , تصافحا , استشعر برودة لملمس جلدها , ودهش لغرابة موقفها تجاهه اذ بدت مرتبكة واعتذرت لضيق الوقت حين رغب في اصطحابها لأحد الأماكن البعيدة عن العيون  , على أنها امتثلت  لرغبته بعد تردد زائد أو بالأصح بعد الحاح منه , توجها الى كازينو بالقرب الى الميدان ,, جمعتهما مائدة أخيرة 

افتقدتك كثيرا . 

قالت : لم تتغير 

قال :اختفيت فجأة . 

قالت : قضيت شهور الصيف عند احدى قريباتي بالمعادى 

قال ..مرت على كسنوات قضيتها في انتظار يأس أذهب يوميا الى الشاطئ أناجى البحر واشتكى له 

قالت : هذه أول مرة أزورها , المعادي منطقة راقية جدا . 

قال في حماس ..مكان لقيانا كما هو , لم تطأه أقدام أخرى . 

قالت في انفعال باد : كل شئ فيها متجدد ورائع .

شاب صوته نبرة شجية قائلا لها 

وفي الأمسيات الدافئة أنظر للقمر وأستحضر لذهني ملامحك مشرقة كعهدي بها . 

وزحفت يده تلامس أناملها , سحبت يدها بأرتعاشة خفيفة , أطل في عينيها وصمت , صمت , قطعت هي حدة الصمت المتبادل وأكملت 

رأيت بالمعادى أشياء تخطف البصر , ثم أطرقت برأسها  نحن موتى أحياء وأحياء موتى 

استطرد ولم تفارقه حماسته 

كتبت عنك قصيدة جديدة .. هل تسمعين ...؟! 

قالت بنفس حماستها الأشعار  هناك سياحية , أتفه الأشياء تتطلب مالا  كثيرا , أقل فستان يساوى ضعف مرتبك شهريا . 

وجم وجعل يتأملها أكثر من أى وقت مضى ,, فهو الذى يحفظ ملامحها عن ظهر قلب كان بحاجة لوقت آخر ليتبينها بدرجة كافية ,,محتجبة كلها وراء ستار سميك لكانما يراها ويتحدث إليها لأول مرة ولحظتها فقط تلاشت لهفة الشهور المنصرمة , أغلق فمه واسترسلت هي , استفاضت في وصف شكل القلل هناك ..طريقة بنائها ورسمها ,, تكلمت عن العريس الغنى جار قريبتها ,, رجل قارب على الخمسين لكنه ملئ بالشباب وأنيق ,, رآها غير مرة في أثناء زياراته المتكررة والمتعمدة لمنزل قريبتها .. فالباب في الباب والجيرة تشفع ...وحكت أيضا عن أبيها الذى مرض فجأة ولزم إحدى المستشفيات لفترة طويلة وعلاجه الذى تكلف الكثير ..

المسافة القصيرة من بينهم ليتها امتدت آلاف الكيلو مترات عبر مائدة صغيرة  تحمل كأسا مملوءة بعصير الفراولة وكوب شاي فحمى اللون ,,في حلقه له نفس مرارة اللحظة التالية والمتوقعة .. 

متى انطفأ هذا البريق السافر في عينيها المشتعل برغبة التحدي والاصرار لتولد مكانه نظرة زائغة ونهمة الى كل ما حولها ...؟!! 

كان يراقب شفيتها وشئ ما داخله ,,بالتحديد في الجانب الأيسر من صدره راح يتجمد رويدا رويدا ويهبط منفصلا عن الدائرة الشفيفة الى غور مظلم سحيق ويده في جيب سترته

سترته ما تزال ممسكة بورقة كبيرة امتلأت بسطور شعر أجوف ,,تشتد قبضة الأصابع عليها تشطرها نصفين ,تعاود اليد قبضتها بنفس القوة  فتحيلها لكرة صغيرة منبجعة ,,تتهدم أبيات القصيدة وترتخى الأصابع يائسة , نظرت في ساعتها وقالت : 

تأخرت ..سأذهب الآن

***

متأبيا غير نادم أفسح لها الطريق وود لو سألها فقط عن إسم تسريحتها الجديدة قبل أن تمضى ,, أحس بالبرودة تسرى في خلاياه تنتشر فوق الطوار حيث يقف متجمدا يتابع خطواتها المتعجلة , انحرفت الى طريق غير الذي التقيا فيه ..أفضى بها إلى هذه السيارة الفارهة ... خنزيرة سوداء.. توقفت أمامها , فتح الباب , دخلت الجارية الحسناء مكبلة بخيوط حريرية رقيقة . جلست طائعة ومستريحة بجوار السيد الأنيق . انطلقت السيارة ...( ليس أكثر من نقطة حبر سقطت من قلمك وغمقت في أحد سطور الذاكرة ) , ورغم ذلك ستبقي الصور الأولى لها رائقة وجميلة لعينيك الخضرواين لأنها ارتبطت في مرحلة حياتك كرمز - بأكتشافك الصادق , ولأن ذكرياتك تحوى الحلو والمر فلا يجوز لك أن ترفضها أو تتناساها . 

.....عاد يتأمل البحر والأفق الغائم أمامه وقد صار كجسد دام , استغرقه المنظر وزحف بالكآبة على نفسه لون احتراق الشمس عند خط الأفق وأقترب الليل إلى الأرض بطيئا وثقيلا أدار عينيه في المكان حوله .. خلا من المصطافين بأستثناء قلة تناثرت على الشاطئ ,... يسيرون الهوينى ( مال الشاطئ أما تزال تحتفظ بآثار أقدامكما المتجاورة أم انمحت آثار الوهم اللذيذ...؟!) ,, الوهم في البداية ينتصر , حينها بدأت مكاشفة البحر بالأحلام الخبيثة , البحر صديق كتوم ,,يأخذ الأسرار للقاع ,, يرسل آذانه  محارا إلى الشطآن تسترق السمع وتعود إليه بالحكايا مواويل ليل وأغان للعشق وقصائد حب لم تكتمل ..

كم من قصائد منحتك أياها خيالك الخصب فهو ملجؤك الوحيد تهرب إليه كلما طاردك الإحساس بالوحدة 

 تنهد بأسى , سحب بصره ,, حجبه بكفه , هبطت أصابعه تتحسس شعر ذقنه لتشعر ملمس خشن أسبوع لم يقربه الموس أو ماكينة الحلاقة ,تذكر نيتشه وتعريفه للرجل القوى وعاد يلح على عقله مجددا نفس السؤال الذى طالما أرهقه : كيف يكون الرجل القوى هو الرجل الوحيد ...؟! 

مازال الضوء الصادر من الفنار المنتصب في قلب الميناء  يحاول عبثا – تبديد الظلمة المتوانية ألقي نظرة كالعادة الى آخر أسراب النورس وهي تختفي خلف سحابة .

شرد إليها (عندما استباحت السؤال الوافد . بينكما لك يكن يشغلك في  البداية ضرورة وضع المرادف للكلمات بين الأقواس ) ,,وبعدما حاصرك السؤال إلى متى ...؟ لم تحتمل , قبضت على حفنة من الرمال قذفتها في وجه البحر الرخو , نكست رأسها , قالت : لا أدري

****

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: : https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link:  https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :