wrapper

الخميس 25 أبريل 2024

مختصرات :

ـ خالد الحديدي ـ مصر 

 

. . . فتاة مثقفة على خلق عظيم، تناولت من التعليم حظاً غير قليل وفيها شيء من الجمال: عينان ساجيتان، شعر يشبه أن يكون خيوطاً من ذهب. . . ذات نفس شاعرة متمردة تحس الجمال وتتذوق الأدب. . كانت (فتحية) صورة نادرة للفتيات: امتزج فيها سمو الروح بجمال الصورة، تعلمت .

فظمأت روحها إلى حب عنيف، وعرفت (سامي) فوجدت عنده رياً لروحها الصادي، فأنست إليه وهام بها، وكان الحب بينهما  حبا جبارا قوي كأنه الإعصار لا تسيره المنافع ولا تغيره المطامع ولا توهنه أحداث الحياة، وهو فوق هذا كله نبيل بصورة لا تقع في الوهم، طاهر بشكل لا يتعلق به ظن.

   وكانا يقضيان حياة فيها حظ من الشعر والخيال: يتقابلان في الحدائق فيجلسان على العشب الندي، ويخلوان إلى نفسيهما فيأخذان في فتون من الحديث والأدب، حتى يتقدم الليل فيفترقان إلى عود. . . وكانا يتفقان على الإعجاب بالأدب الفرنسي، وينفقان في القراءة وقتاً غير قليل  تتخلله  أحياناً الرقة والرفق و الدعابة.

     ومضى على هذا الحب سنوات ثلاث. ثم أحيط أبوها بخبره، وكان صارماً قاسياً شديد القسوة، عنيداً مسرفاً في العناد، فاستدعى فتحية فجأة. .

     كان يوم الوداع ثقيل الظل سريع الخطو. . . وجاء القطار! فجاشت الدموع في صدر فتحية، ولكنها تجلدت ونهنهت عينها، وأخذت نفسها بصمت عميق، وإن كانت روحها تكتم ثورة صاخبة تضطرم في عينيها الحالمتين في ذهول واستغراق. . وكانت تخرج منديلها الأزرق الصغير من حين إلى حين فتلقط به دمعة أو دمعتين. . ثم تحرك القطار وغاب في أحشاء السكك الحديدية. فاهتدت الدموع الضالة إلى عين فتحية وغلبتها على أمرها، فاستسلمت للغريزة، وأرسلت عينيها في حرارة وغزارة وذلة وصمت. . .!! وخطبها إلى أبيها رجل كبير من أعيان الريف أوتى بسطة من المال، إلا أن بضاعته من الثقافة والعلم مزجاة، وكان يكبرها بثلاثين سنة أو تزيد!. . . مانعت وتمردت. وثار بينها وبين أبيها نقاش قصير ولكنه حاد. أيهما أشد إسرافاً في الجريمة؟ أهو لأنه يريد أن يقضي على سعادة ابنته؟! أم هي لأنها تخالف والدها في أمر رجل لا تفهمه، وليس بينهما عدا الفوارق الكبيرة ،  كالصلة  و العاطفة أو السن  و الثقافة، وكان جدال عنيف في شيء لا يحتمل الجدال ولا يستدعي الحجة. لأنه بين لا لبس فيه ولا غموض، ولأن حق حرية اختيار الزوج لا يسخط الله ويرضى الناس، يقره الناس ولا يرى القانون بأساً في أن يسمح به، ولكن الحق مهما يكن، ينكره ويلتوي به المكابرون، والمكابرون لا حيلة فيهم ولا دواء لهم. والوالد يحتال حيناً ويتلطف، ويقسو حيناً آخر ويهدد، والفتاة على كل حال تتمرد وتثور. . .!

    وأخيراً استقرت ثورتها وانتهت إلى مثل ما تنتهي إليه ثورات النساء في منازلنا: استسلام مغلوب.

     وأخيراً!! تبددت في مهب الظلم آمال، وتحطمت على شعاب العناد أحلام، وضاعت في غمرة الطمع أماني. . .

. . . وأخيراً. . . زفت فتحية التي تعلمت  إلى الرجل الذي أختير لها وأكرهت عليه إكراهاً. . .

أغدق عليها مالا وحلياً وثياباً، فلم تبهرها هذه المظاهر، ولم تكسر من حدة نفورها ولم ترد جماحها. . . كانت تبكي في اتصال ومرارة.!

وكان حب سامي لما يزل يستبد بها فينسيها في النهار الراحة والقرار، وفي الليل المنام. . . كانت تغفو أحياناً قليلة، ثم تفيق صارخة مضطربة روعتها الأشباح، وطاردتها أرواح الذكريات في إلحاح وقسوة، فراحت حياتها خليطاً مشوشاً من الصور المرعبة، كانت تحبه حبا طاغيا عنيفاً جعل حياتها في البعد عنه سلسلة طويلة متصلة من الشقاء.

حاولت جهدها أن تنسى: فكانت تخرج إلى الحقول، وتقرأ كثيراً، ولكنها كانت تفر من عذاب إلى عذاب.

وكان زوجها سخيف العقل ضعيف الرأي ضيق النظر؛ وعنده أن المرأة لم تخلق إلا لتكون ماء أو شيئاً يشبه الماء يطفئ به الرجل جذوة الحيوانية. . . فأما أن تتعلم أو تقرأ أو تكتب أو تحب، فكل ذلك حياد عن القصد وجور عن السبيل، وخروج عن العرف، وانتقاض على التقاليد.

كانت الهوة بينه وبين فتحية عميقة سحيقة لا حد لها ولا غاية ولا قرار: انصرفت هي إلى حبها وذكرياتها وكتبها فاستغرقتها واستأثرت بها، فلم تجعل لشيء آخر في قلبها مستقراً ولا مقاماً.

وتولى هو إلى مزارعه وماله عن كل شيء عداها، وكان حقير النفس فقير العاطفة مجدب الشعور، لا يضطرب في نفسه إحساس ولا تعرف العواطف إلى قلبه سبيلا: كل أيامه بعد أعماله أكل ونوم. . . يمر النهار فلا يكاد يتحدث إلى زوجه بأكثر من كلمات آلية معدودة، وإن تحدث ففي شئون مزارعه وماشيته حديثاً تافهاً ضئيلا لا يدل على معنى، وإن كان يدفع السأم ويرد إلى الضجر القاتل.

ضاقت فتحية بهذه الصور المتشابهة من العيش، وأسقمها هذا اللون من الحياة المضطردة الباردة، فاندفع السأم واليأس إلى نفسها اندفاعا قويا.

وضاعت في تيه الذكريات والظلم هذه المخلوقة الشقية التي تستقبل الصباح بالدموع وتودع النهار بالدموع. . . فزعت إلى الكتب تقرؤها إذا كان وجه النهار إلى الضحى، فإذا أقبل العصر خرجت إلى الحقول مطرقة ذليلة لا تحدث إنسياً ولا تستمع إلى بني جنسه  فتقضي وقتاً ما، ثم تأخذ طريقها الصامت إلى المنزل فتخلو إلى نفسها في غرفتها، ثم تخرج صور سامي فتتحدث إليها وتسكب أمامها الدمع كأنها عابد في المحراب. . .!

. . . وظهر زوجها على صور سامي ورسائله، فثارت نفسه وارتد وحشاً ضاريا عاتياً دس عرينه وأبيح حرمه واستحل حماه، وبدت في خلقه صورة جديدة، الغيرة الصارخة العنيفة. فمسخت تصرفاته كلها وصبغت حياته بلون قاتم ظالم مستبد.

العرض والشرف في الريف شيئان يهون معهما كل شيء. . .! ومضى الوحش يفكر في انتقام هائل مروع بعيد الأثر: فكر في قتلها وفي طلاقها: ولكن هذه الصور لم ترض شعوره المحنق، ولم ترو نفسه الصادية إلى الدم، لأن في كل هذا موتاً سريعاً مريحاً، ولكنه يريدها أن تموت على مهل في نزع طويل بطيء واستقرت نفسه الحائرة أخيراً على تجربة بدأها فور اكتشافه لحبها القديم ، فعمد إلى كتبها وأوراقها ليستعملها  وقوداً للنار، ثم أخذها هي بالقسوة وسوء الحساب: يضربها إذا كان النهار، ويهجرها إذا كان الليل، وهو فوق هذا يكلفها من أعمال المنزل مالا طاقة لها به. . .

ومضى السجان الجبار في تجربته والضحية البريئة تذبل على مهل. تمادت بها الآلام  ، حولها اليأس إلى لون من الحسرة شديدة الملوحة لكثرة البكاء   عميق هو ذلك اليأس  الذي كان  يسوقها إلى الجنون سوقا متداركا سريعاً.!

في أيام  خلت كنت أجلس في حديقتي في ظل شجرة هرمة إلى جانب الساقية التي تنوح أبداً. . . سمعت صرخات متصلة ومتقطعة، وكلها ثائرة ومجنونة، وسمعت كلمات مبهمة مختلطة. . . صمتّ وصمتت الساقية وحسبت دموعها، ومالت الغصون على الغدير هامسة (إذن أفلحت التجربة وجنت الفتاة!!) واستأنفت الساقية نواحها. . . وأرسلت دموعها. . . على الفتاة المجنونة. . .!

****

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصر ي الكلمة الحرة و العدل

لتحميل الملحق الشهري العدد 12 أوت 2019

و مشاركته عبر التويتر أو الرسائل القصيرة هذا الرابط الخاص:

https://pdf.lu/q9EY

المسنجر و البريد الإلكتروني  و واتس آب  استعملوا هذا الرابط :

https://www.fichier-pdf.fr/2019/11/09/----12--2019/

لمشاركته على موقع أو مدونة يجب نسخ هذا الرابط و لصقه على محرك البحث:

<a href="https://www.fichier-pdf.fr/2019/11/09/----12--2019/">Fichier PDF ملحق الفيصل الشهري  العدد12ـ أكتوبر 2019.pdf</a>

Pour télécharger le supplément  mensuel de "elfaycal.com" numéro 12 en format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على الثلاثاء, 19 تشرين2/نوفمبر 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :