طباعة

ـ كتب : عادل كاطع الكعيلي ـ العراق

 

نعم إنها فترة الحصار واظنها منتصف حقبة التسعينات عندما طُردَ هشام من مدرستهِ الإعدادية القابعة في إحدى مدن شرق القناة الواقعة على طريق بعقوبة القديم تللك المنطقة التي  تُسمى (الباوية) نسبةً إلى سكنتها من عشيرة الباويين.

 

هشام من الذين عانوا اليتم منذ صغرهم فقد استشهد أبوه في حرب السنوات الثماني، فعانى شظف العيش والتسول وكانت والدتهُ تعينه بالعمل في مكبات النفايات القريبة من تلك المنطقة، طُردَ من مدرسته لأنه كان في ضياع تام من التغيب وبسبب العمل ورفقة السوء وتجاسره احيانا على أساتذته وتدهور وضعه الدراسي، حتى استيقظ في أحد الأيام على نبأ وفاة والدته حينما دهسته سيارة رمي القمامة وهي في غفلة، دهستها تاركةً وراءها ذلك الفتى الذي لم يكمل الثامنة عشر، تشرد هشام مرة أخرى بعد أن طرده خاله بدسيسة من زوجته فأصبح مشرداً هائماً على وجهه ناقماً على الناس وعلى خاله وعلى أساتذته، حتى استقر به المطاف في سوق الشورجة وضجيجها وبالتحديد في (خان حسن)، الخان الوسخ الذي كان مخزناً لإيجار العربات الخشبية وبسطات الباعة ومؤى للمشردين والمنزوي في أحد دهاليز الازقة الضيقة بالقرب من سوق الرماحي، إذ لم يجد هشام في اول أيامه في سوق الشورجة غير هذا الخان ليستقر به، ولم يجد في أول يوم فيه ما يأكله او يشربه، كان يأكل كل ما يقع في يده، ولم يكن يقع في يده إلّا ما تخلفه مطابخ المطاعم وفظلاتها في شارع الجمهوري أو شارع الرشيد، ويشرب ما يجده متخلفا في زجاجات العرق المرمية قرب مخازن بيع الخمور، وكان يعمل ما يتاح له من عمل في ذلك السوق، عتالاً امام المحلات والفنادق وساحات نقل البضائع الى المحافظات أو كناساً في البلدية، واصبح لديهُ رغبة في التشرد والتسكع، ونشل المحفظات في ذلك السوق، وبدأ يبيع حبوب الكبسلة والصور الخليعة والسجائر، وكان احياناً يغادر ذلك الخان ويسكن في فنادق رخيصه قذرة ووسخة شبه مهدمة مع اللصوص والمهرّبين والحمالين ويطرح نفسه أنّى كان، وفي أحيانٍ كان ينام في مخازن للبضائع واسطبلات عفنةغاطسة بالبول والروث لخيول العربات الخشبية في سوق الشورجة، وكان احياناً يسكن في اعلى سطوح العمارات المتهالكة في منطقة الميدان او ساحة الرصافي، وربما يتسكع امام محلات التجار ودكاكين الصاغة في شارع النهرأو قريباً من البارات لبيع تلك الصور الخليعة، حتى راح يبيع العرق المغشوش ويلعب القمار في الحانات الرخيصة.

أمضى سنوات في تلك الحال، وكان اغلب تلك   السنين قضاها في ذلك الخان المحروم من الهواء النظيف لوقوعة في زقاق ضيق رطب تنخره رائحة النتانه، هذا الخان الذي يتراءى لمن ينظر اليه من الزقاق كحجر أو سرداب طويل، إذ ينفتح في نهايته المظلمة على القاذورات وعفن الفضلات المتراكمة، وكان هشام ينسحب اليه في الليل تقوده قدماه وقد هيأ له (فراشاً وفيراً) محشواً بالخرق والاكياس، وكان يتغطى ببطانية سوداء كالحة للأوساخ المتراكمة فيها ويبدوا أنه قد تعود على رائحتها الكريهة ولزوجتها المقززة، وكان أحياناً يجد (جاسم العربنجي)، الذي لم يكن وضعهُ يختلف كثيراً عن هشام مستلقياً على هذا الفراش فما أن يصل هشام يلكزه بقدمه ويناديه بعصبيه .

  • قم ...أيه العربنجي القذر من مملكتي الجميلة.

فكان جاسم ينهض متململ متوكئاً على الحائط وهو يتمتم:

  • ما الذي جاء بك في هذا الليل أيه السكير القذر.

كان فراش هشام على لوح خشبي بطول مترين وعرض متروأسنده ببضعة اشياء من الطابوق والعلب ليبدوا على شكل سرير، وكان هذا السرير عنده يقوم مقام الخزانة ومقام طاولة الطعام، فهو من الاسفل مخزن لبعض الحاجيات مثل الملابس البالية والأواني والسكاكين والاغراض المسروقة والصور المبتذلة وكسر الخبز اليابس وعلب السكائروقناني المشروبات الفارغة، كان النوم على سريره الذي اصبح شبه منزل يلجأ إليه للراحة والاستلقاء ليغفوا قليلاً على شخير جاسم العربنجي الذي كان فراشه منزوياً في زواية اخرى وقد كانت للسعات القمل وعظات البق والذباب حظ وفير في هذا المكان ولا يكفي ان يحك جسده أو يهرش حتى يسقط من السرير واحياناً لا يستطيع أن يرفع نفسه من الأرض لكثرة التعب والارهاق.

في أقصى الخان مصباح اصفر يتدّلى من السقف على رأس صاحب الخان (حسن) الذي كان شاذاً وسكيراً، شخص يشبه الخنزير فقد مسخ من كل شيئ يمت الى الأنسانية بصلة وفي غرفة أخرى كان هناك اثنان من أهل البصرة رمت بهم قساوة الحياة لرخص هذه الغرفة التي كانا يعودان إليها في الليل ليضطجعوا على أرضها وهم يأنون انين المرضى من التعب، كانا يعودان في الليل وقد خارت قواهما من تحميل البضائع ليستقرا في هذه الغرفة وهما يرجفان من البرد ويدخنون سكائر (اللف المزبن) الرخيصة لتزيد سعالهما وبصاقهما بعد أن يتناولانها، تعودا على الجلوس في تلك الغرفة التي نخرتها الرطوبة مقرفصين واسنانهم تصطكّ من البرد عجزاهما ينملان من الرطوبة لا يلووان على النوم من شدة البرد.

كان هشام في كل صباح ينطلق مع جاسم العربنجي وهذين الرفيقين من البصرة في رحلة الشقاء كل صباح، ينطلق مع تلك الكائنات المهدمة من باب الخان الخشبي المخلوع، منطلقا الى شارع الجمهوري بخطوات متثاقلة ولم يكن  يعرف من هذه الحياة سوى الشقاء والتشرد والضياع مع هذا الجمع الذي ليس له سوى السباب  العراك والسرقة والتسول، وكان احياناً تجده بثياب رثة وذقنه القذر ومعدته الفارغة لأيام عده إذا لم يجد له عملاً ما يقتات منه.

وكان صاحب الخان(حسن) الشاذ يعربدا يومياً مع اقرانه وغلمانه حتى الصباح وفي إحدى الصباحات تآمرو عليه رفاقه ليسرقوا خزانته فما كان منهم الآ أن قتلوه ورموا السكين بالقرب من سرير هشام الوسخ، وفي الصباح عند قدوم اصحاب البسطات وجدوه مضرجاً بدمائه، حضرت الشرطة وفتشوا المكان فما كان لهم الا اقتياد هشام وهو يصرخ .

  • اني بريئ، لادخل لي بقتله.

اجابه المحقق :

  • اخرس ايه القاتل الوغد، كيف سولت لك نفسك ان تقتله وقد آواك في خانه.
  • انا بريئ...انا بريئ.

اقتادوه وسجنوه ومن ثم اعدموه على حبل متدلٍ على رقبته وعيناه قد رمقت السماء بعتابٍ واضحٍ ارتد وهو يفارق الحياة. 

****

 روابط لتحميل الملحق الشهري العدد 14 ديسمبر 2019

https://pdf.lu/q0nV

https://www.fichier-pdf.fr/2020/01/02/----14--2019/

<a href="/https://www.fichier-pdf.fr/2020/01/02/----14--2019/">Fichier PDF ملحق الفيصل الشهري العدد14ـ ديسمبر 2019 ».pdf</a>

 ‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة

‎لتحميل الملحق الشهري العدد 14 ديسمبر   2019

‎و مشاركته عبر التويتر أو الرسائل القصيرة هذا الرابط الخاص:

https://pdf.lu/q0nV

‎المسنجر و البريد الإلكتروني  و واتس آب  استعملوا هذا الرابط :

https://www.fichier-pdf.fr/2020/01/02/----14--2019/

‎لمشاركته على موقع أو مدونة يجب نسخ هذا الرابط و لصقه على محرك البحث:

Pour télécharger le supplément  mensuel de "elfaycal.com" numéro 14 en 

format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :

*****

‏: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

: journalelfaycal

‎ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 

défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce 

lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 

freedom of expression and justice click on this 

link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le 

site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

 

 

آخر تعديل على الأربعاء, 15 كانون2/يناير 2020

وسائط