طباعة

 - عرض بقلم: علي الجنابي | بغداد ـ العراق

 

من أينَ أتَوا بعبارةِ "صَلُّوا فِي رِحالِكُمْ ".
أُلقي بحضرة أهل الصنعةِ في الضادِ هاهنا بِمَعاذيرٍ جليّة, فلارصيدَ لي من خزائنِ الضّادِ وبيانِها إلّا مِنهاجَ دِراسةٍ ثانويةٍ, صَفَفتُ به حروفي هذه بِرَويةٍ, مُستَنِدٌ على هيامٍ بالضادِ وشجونٍ زكية, ومُعتَمِدٌ على صيامِ عن اللغو

وفِطرَةٍ سويةٍ. ومُستَظِلٌ بذريعةِ أنَّ إبنَ جنّي ما تخرّجَ من (سوربونٍ) بهية, ولا الزّجّاجَ يمم وجهَهُ شطرَ أكسفورد العلية, فإن زللتُ فأخطأتُ ففي جهالتي أنعمُ نعمةً دونية , وإن أصبتُ فيالهولِ الخطبِ في أمَّةٍ, كدت أن أراها في هدى الأبحاثِ مُتَجَهِّمَة, وفي صدى الأحداثِ مُتَنَغِّمَة, وفي ردى الآثاث مُتَنَعِّمَة, ولندَعَ اللغةَ تدلي بشَهادتِها أولاً, دونَ أن نَضطرَّها لقسمٍ غليظ فوقَ شهادةٍ منها أليمةٍ متألِّمة:
[ أبيّنُ أنَّ أصلَ مفردةِ "رِحال": رحَلَ ,يَرحَل، رَحيلاً وتَرْحالاً ورِحْلَةً، فهو راحِل، والمفعول مَرحول عنهُ, رَحَلَ عَنْ بَلَدِهِ : تَرَكَهُ, ورِحال مصدرُ رحَلَ: أمتعة المسافر وكلّ شيء يُعَدُّ للسفرِ, والرَّحْلُ: كلُّ شيء يُعَدُّ للرحيلِ من وعاءٍ للمتاعِ وغيرِهِ, ومايُوضَعُ على ظهرِ الدّوابّ من حَمْلٍ أو ركوب]. إنتهى.
ثمَّ إنَّ الذّكرِ الحكيمِ قد جاءَ بها مُفَصلةً على عِلمٍ إذ قالَ: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ}, وقالَ في السَكنِ القرارِ : "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ", وما جَعَلَ لَنا مِّن (رِحالِنا) سَكَنًا, لأنَّ االرِحالَ ليسَ بسكنٍ آمنٍ مطمئنٍ مكين.
ثمَّ إنَّ الحديثَ الشّريفَ قد جاءَ بها مُحَصلةً على فَهمٍ إذ قالَ: "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ", وأنّهُ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ قالَ:" إِذَا قُلْتَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، قُلْ : صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ ".
إذاً أنّى لنا أن نأتِ ب"الرِحالِ" على أنَّها سَكَنٌ بمستقَرٍّ, أو بيتٌ, أو دارٌ, أو منزلٌ, أو مَقطَنٌ, أو مثوىً, أو مأوىً, أو مُقامٌ, أو حتى مَقامٌ, أو موضعٌ, أو موطئٌ, أو ملجأٌ, أو مغاراتٌ, أو مُدَّخَلٌ, وكيف إنطلقت عبارةُ "صلُّوا في رحالكم" في أمّةٍ من المحيطِ الى الخليجِ طولها!
ربما أنّ مَن أطلَقَها, قد إرتكز على نداءِ صلاةٍ أيام المطرِ عندَ بعضٍ من الأولينَ الذين طَغَت على أفئدتِهم وألسِنتِهم نظرةٌ على الدنيا على إنها رحلةٌ خاطفة, وعَلَت مفرداتُ لغةِ البداوةِ حُبَّاً بها ولها, وهو أمرٌ يشبُهُ وَصفَ والدي -رحمه اللهُ- إذ ماإنفكَ يسمّي السَّيارةَ (بغلاً), على المعنى الجَامعِ بينهما وهو: الركوب.
رُبَما أمرُ الوالدِ قد يُغَضُّ عنهُ الطّرف من باب " لاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا " لكنَّ أمرَ مُطلِقِ هذه العبارة الآن , أشعرُ أنَّه غيرُ مستساغٍ البتّة وأتحدَّثُ هنا من باب البيانِ حصراً. وأستشعرُ - لأنّي لستُ بمتخصصٍ- أنَّ الأفصحَ هو التقيّدُ بعبارة "صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ" فإنها لسحرِ البيانِ أقفى و أحفى, وأشفى وأدفى, وأصفى وأكفى وأوفى. قلتُ: "أستشعرُ", تحتَ ظلالِ أنَّ اللهَ ربّنا سبحانهُ وتعالى ماوَصَفَنا بأننا قوم نستوطنُ رِحالنا , بل مَنَّ علينا ببيوتٍ سكنٍ.
فمَن ذا الذي أطلقَها؟ رُبَما أنَّ مَن أطلقَها -إثر جائحةِ كورونا- هو شيخُ مسجدٍ طاعنٌ عتيٌّ, إذ هو متَّكئٌ على أريكتهِ في حجرةٍ ذي نورٍ خافتٍ, مُستقِرَّةٍ حذوَ محرابِ مسجدِهِ, وإذ هوَ يُقَلِّبُ بأناملٍ مرتَجِفَةٍ وريقاتٍ من المخابراتِ تسألُهُ بيانَ رأيٍ عن ميولِ عقائديةٍ و أيديولوجية لفتيةٍ في الحيِّ ذوي شغبٍ وصخبٍ مَستترٍ غيرِ منظور , وإذ بعبارةِ"صَلُّوا فِي رِحالِكُمْ " الجاثمة- وتأبى إنسلاخاً- في شيبةٍ من شيبِ لحيتهِ قريباً من لسانهِ, ينطلِقُ بها لسانُهُ وهوَ مشتمِلٌ بتردداتِ رغاء الجملِ في غابرِ الأيامِ, ثمَّ ومن خلفهِ خاضتْ أمّةٌ متراميةُ الأطرافِ بتمامِها معهُ في ذاتِ تردداتهِ وخوضهِ.
رُبَما الشيخُ لهُ في ذلكَ معاذيرُهُ, إن خرجَ علينا بتصريحٍ خفيفِ الظلَّ , يحمِلُ شذا التقوى على كفيهِ, وشدا الزهدِ موسومٌ على مُقلتَيهِ :
(أيَّ بُنيَّ:" إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" , وما الدنيا إلّا قافلةً وما دارُكَ فيها إلّا كرِحالٍ على ظهرِ ناقةٍ).
وَيْ! أوَتُطيقُ ناقةٌ ضامرٌ أن تَحمِلَ على ظهرِها "رِحالاً"خرسانيّاً (كونكريتيّاً) وغيرَ متحرّكٍ وبكهرُباء, وبملايينِ الجنيهاتِ كُلفَتُهُ , وما خلا سلفة مالية رِبَويّةٍ إستدنتها من بيتِ المالِ العقاري, فماتجَرَّأَ منكم أحدٌ أن يقولَ بوجهِ سلطانهِ : "هذا حرامُ في بيتِ مالِ أمةٍ محقت الربا من إقتصادها ولا يجوز أيها السلطان المبجل" ! ولن يتجرّأ.
(والله أعلم).

***

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 21/ 22 أوت ـ سبتمبر 2020
https://www.calameo.com/read/0062335949a20a9470fc4
https://www.calameo.com/books/0062335949a20a9470fc4
‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéros 21 et 22 mois (août et septembre 2020
format PDF, cliquez ou copiez ces liens :
https://www.calameo.com/read/0062335949a20a9470fc4
https://www.calameo.com/books/0062335949a20a9470fc4

*****
‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

آخر تعديل على الجمعة, 11 أيلول/سبتمبر 2020

وسائط