طباعة

كتب: عبدالباري المالكي


ربما لم نكن ندرك من قبل أن للزمان فماً ذا أضراس تهثم الأحياء ، حتى أطل الوسمي علينا بجسده الكليل فكان خير شاهدٍ لزمان عاتٍ، فمن صروفهِ عرف الرحيل ومعناه ، وبه اصاب علو اللسان ومغناه ، وفيه أجاد قوة الأداء بحديث عن الأسلاف الأحبة وماالتذّ منهم من خصيصاتهم ،

ومااستطعمه فيهم من حكاياتهم ، ومااستمرأ من خلة لهم طويلة ، وصحبة معهم جميلة . ولعل الأيام وسبلها المتشعبة هي ماجعلت شاعرنا يشكو ما ألمّت به يد القدر العابثة في ركن مهشم ، وما رسمته الغمائم في صفحة سمائه ذات الستين حولاً ، إذ ليس في كل مفاتن الطبيعة وروائع الحياة مايحرك باطنه إلا لعنة الدهر ودواهي الأيام التي أرَته في نفسه وهناً من بلوى ، فلاينقذه مما منَته ُ صنوف البلاء بغدرٍ حاضر وأمانيّ مسلوبة سوى العودة الى الرب الذي يرفع عنه الخمول والحسرة أينما وجدهما فيه ، وهو يرى في ذلك الرب نوراً يعصمه من غرقٍ بطوفان الأوحال النفسية مدفوناً بقبرٍ في بُكمهِ العجيب ، وأي بُكمٍ أعظم مما أصيب به شاعرنا المنكود الذي لايكفيه النطق ما بين غواية وهداية ، ومابين طلولٍ وذكرى ، وأكذوبةٍ كبرى . فهو على الرغم من معرفته بأن الشعراء يتبعهم الغاوون إلا أنه اعتزم أن يكون شاعراً ، وهو عليمٌ بأن من أراد ان يدين بدين الشعر فعليه أن يجول في ميدانِ ذهنٍ مشبوب ، وعواطفَ سخية . لقد جال شاعرنا في شوارع الأدب حاملاً على كتفه الخائرة قيثارة ً لطالما أطربتنا بها أنامله المحنّاة بالآه ، وأوجعتنا بما يلُوح في قسمات محيّاه ، من أسى وشكوى ، وهو يتنقل مابين ليلٍ أحكم اوقاته عليه ، ونهارٍ غادره ُ كخاطرة مرت عليه بسرعة البرق الخاطف ، وقد أحاط بصروف الدهر ، واطلع على قدرٍ بما تواري له ايامه بعض جروحه من شظاياها التي استقرت في جسده الخامل ، وطعناتها العديدة التي انتثرت في وجهه وقفاه كما لو كان فلاح ٌ ينثر بذوره في أرضه .
ولشاعرنا الوسمي طرس بأصداء متقطعة ، وقلم بأصوات مبحوحة ، فقد ألمّت به فاجعة ، وهاج به الوجد حتى لَيُخيَّل إلينا لكثرة شكواه أنه هو المنعيّ لا الناعي . ويعدو الوسمي في غياهب فم زمانه الذي لاينصفه ، حتى اذا تظاهر له بالإطمئنان كان له حِمام البين بالمرصاد ، فيفطن إلى أن ارتياحه له كان رهناً لأوهام دانية راودته فعرف أنها العلة التي نخرت حياته سنة بعد سنة ، هذه العلة التي كانت تسقمه بألف حجة دون ذنب اقترفه سوى أنه هجر الكأس والشادي ، لاسيما أنه لم يكن محتاطاً لذلك الدهر الذي روّع فيه جليلاً ، وقبّح في فمهِ لذيذاً ، وأحجمَ عنه متعةً سلوى ، وأعافه عن مستظرِف يلهى ، وقطع عنه ساعات بهجتهِ ، فجعله للديدان هزواً تقتتل للثأر منه ، وسخرية للنوى الذي تجرّعَه ، فأسقاه كأس لوعةٍ ليصرعَه ، وربّاه ُ كسير َ قلبِ دون أن يرضعَه ، واغتال دمعته في ظلمةِ جُبّ ، وقيّده ُ بسرابيل من قطران بحجةِ ذنب . وفم ُ الزمان نفسه ُ قد نفح على (الوسمي ) بما جعله يحتسي الألم والمضض بديلاً عن الخمرة والدِعة ، وان كان في ما مضى غرّيداً لعينَي حسنائه وقد اشرأب لها فؤاده في محرابها ، وبات يرتقب أجفانه في أجفانها ، فكان غاية مايرجو في حياته أن يفوز بلحاظها ، تنسيه الليل إذا سجى ، يخلد الى السكوت ليصدح شعراً ، ويحبس الدمع في عينيه ، وينأى بآماله به عن دائرة القدر الضيقة . إن الوسمي قد ورد شرعةَ غرامٍ تحدّر فيه ، مابين حلمٍ حلمَه ُ ، وعتاب ِ عاذلٍ لامَه ُ ، دون أن يتحرج من أن يبلَّ طرف لسانهِ من معينهِ الفيّاض ، فاتسعت ْعنده مذاهب الشوق حين هم ّ أن يبتدئ الحكاية ، وتعلّق في فضاء وجه معشوقته المشرق في ليل من تحت العباية . وخلافاً لما قيل أن أعذب الشعر أكذبه ... فقد كان شاعرنا أنموذجاً لشاعر امتهن وظيفته بصدق ، فأصبح بين فكّي الزمان بحق ، حتى لم يعد له حمل إلا أعياه ، ولا قصيدة الا روت بؤسه ، بين كلمٍ حلو ، ومعنى صادق ، أذاقه جمراً ودرباً موحشاً دون نجمٍ يهديه ، ولا حادٍ يحتديه .

 

 

****

 

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 27/ ـ28 فيفري مارس 2021 ـ

https://fr.calameo.com/read/00623359483d1f3663339
https://www.calameo.com/books/00623359483d1f3663339

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéros 27 et 28 mois (février et mars 2021
format PDF, cliquez ou copiez ces liens :
https://fr.calameo.com/read/00623359483d1f3663339
https://www.calameo.com/books/00623359483d1f3663339
*****
أرشيف صور نصوص في فيديو نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) lien الرابط
https://www.youtube.com/watch?v=B92-d7N_CK0&feature=youtu.be

‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

 

 

آخر تعديل على السبت, 06 آذار/مارس 2021

وسائط