wrapper

الجمعة 29 مارس 2024

مختصرات :

 ـ كتب:  عبدالباري المالكي

 

وذات ليلة من ليالي أعياد رأس السنة الميلادية كانت ليلى تستعد للاحتفال مع زوجها ياسر وأطفالها الثلاثة ...
كانت تبحث عن ثوب يلائم هذه المناسبة ، وهي إذ تفتش في دولاب ملابسها الخاص وجدت ذلك الفستان الأحمر الخلّاب بقبعته الحمراء الأنيقة ... وحين وقع نظرها عليه ، تذكرت أنه الفستان الذي اشتريتها لها أنا ذات يوم .


تذكرت هي كيف كنا نسير في احدى الليالي التي سبقت ليلة ميلادٍ ما ، وكيف كنا نتجول بين المحلات وفي شوارع بغداد الجميلة ، إذ وجدتُ هذا الفستان الأخاذ بقبعة حمراء زادته جمالاً ، وكان معروضاً في أحد المحلات الجميلة فتوقفتُ وقلتُ لها ...
:- مارأيكِ لو اشتريتُ لك هذا الفستان الجذّاب ؟ إنه جميل جداً عليكِ ، فهو يناسب قوامك كثيراً ، يعجبني أن اراكِ فيه .
ضحكت ليلى وقالت لي :- وكيف تراني به ؟ هل أرتديه وأسير معكَ هنا في الشارع ؟
قلت لها :- لا ... بل اريدكِ أن ترتديه في غرفتكِ وتميسي به أمام المرآة ياليلى وتخيلي أني امامكِ ، صدقيني سيراكِ قلبي وانت هناك في غرفتكِ الخاصة .
اشتريته لها ، وحينما حانت ليلة الميلاد ارتدته هي وكان شكلها مغرياً جداً به ، ووقفت ليلى أمام المرآة وهي تتمايل يمنة ويسرة ، فتارة تضع القبعة وتارة ترفعها ،وتارة تفتح الحزام وتارة تشده ، وتارة تمشي به وتارة تتغنج بأقدامها ، وتارة تشعر بالفرح وتارة تشعر بالحياء ، وتارة تروم خلعه ، وتارة تودّ لو أنها نامت به ، وتارة تتمنى أن يراها العالم كله ، وتارة تخجل من والديها ... وهكذا كانت ليلى تشعر بكل لحظات السعادة وهي تلبس ذلك الفستان الجميل في ليلة عيد الميلاد .
كانت امام المرآة أشبه بعروسة البحر ...
في تلك الساعة كنت اقف ايضاً أمام المرآة التي في غرفتي ، حيث اتفقنا على ساعة معينة للوقوف أمام مرآتينا ، كنت أنظر الى ليلى في مرآتي وابتسم لها ، لم أكن أراها حواء إنسية إعتيادية أبداً ، بل كنتُ أجدها حوراء جنيّة ...
:- ما أجملكِ ياليلى !
في تلك اللحظات جاءني الإلهام الشعري وأنا انظر اليها وهي تداعب خصلات شعرها الذهبي بأصابعها الصغيرة الناعمة ، وتبتسم لي كما لو كانت أمامي فعلاً ...
لم تكن ليلى آدمية في تلك الساعة ، بل كانت عروسة البحر .
كتبتُ فيها ماخالج وجداني تلك الساعة وهاج شعوري وأطلق لساني وقلمي ...فكتبتُ فيها هذه القصيدة ...

(وتسالني
:- أ كان عليك َ ان تعشق ْ ؟
فأخبرها :- أقول الحق ثم الحق ْ ؟
نعم ... يااجمل النسوان في عيني
وياأغلى من الأحداق والجفنِ
لزاماً كان أن أعشق ْ
وأحتسي خمرة العشاق ِ
من كفيك ِ
كي أُغدَق ْ
بذات الخمرة الحمراء مسكرة شراييني
فلا أصدَق ْ
من السُكران بين يديك ِ
من شفتيك ِ تسقيني
نداً لقصائدي ياحلوة الحلوات ْ
كنت ُ أراك في المرآة ْ
مثل عروسة البحر ِ
تغازلني ، تغني لي
تناجيني
وتغفو دونما إذنٍ على صدري
وآهٍ منك حين رأيت ُ فيك ِ رضابك السحري يحويني
فلا ألحق ْ
سوى بسفينكِ الموعود في حلمي الى منجاي في البَر ِ
وكنت ِ تصففين الشَعر في كفيك ، استمع ُ
الى صوت الهديل يبوحه سري
ويجتمع ُ
بك نهرا بلادي ، يموج في عينيك مثل غياهب الظلماء ،
تنسرح ُ
على كتفيك تلك جدائل التيه ِ
وتلتمع ُ
مثل سنابل القمح ِ
على جرحي )

نعم ... حينها كنتُ أراها بقلبي لا بعينيَّ ... أراها ببصيرتي لا ببصري ... أسمعها بوجداني لا بأذنيّ ... كنتُ أتحسسها بفؤادي لا بيديّ ... كنتُ أشم عطرها بإحساسي لا بأنفي ، ذلك العطر الذي تضعه أغلب الأوقات .
وهكذا كنتُ أعيش بها وتعيش معي في كل ساعة من ساعات يومي ... لا لذة لي إلا بها ، ولا سعادة لي إلا معها .
لم تكن المرآة حينها مجرد زجاجة ارى بها نفسي ، بل كانت آلة للانتقال الى عالم ليلى ، ذلك العالم الفسيح المليء بقهقهتها ، والمشحون بدفء ابتسامتها ...
قد لا يصدقني الكثير حين اقول أن تلك المشاهدة في المرآة كانت مشاهدة عينية ، فقد رأيتها من أم رأسها إلى أخمص قدميها أمامي ماثلة ...
كيف رأيتها ؟ ومتى ؟ وأين ؟ لا أعرف ايها السادة ، غير أن كل ما أعرفه أني رأيتها حقيقة .
لم ينتهِ الأمر الى ذلك الحد ، بل وصل الى حد اني ابتسمتُ لها فابتسمت هي لي ، و كلمتها فكلمتني ...
نعم حدث ذلك لي معها ساعة وقوفي امام المرآة ... وقد تعجبتُ جداً من ذلك ، إذ كيف حدث ذلك ؟ ومَن ذلك المجنون الذي سيصدقني ؟ لاأدري .
عرضتُ ماحدث لي على أحد أصدقائي ، وأخبرته أني وقفتُ أمام المرآة ورأيتُ حبيبتي رأيَ العين والقلب ، وبعد همسٍ وإيحاء ، ابتسمتُ لها فابتسمت هي لي ، وكلّمتها فكلمتني . فما تفسيركَ ياصديقي لتلك الحالة التي مررت بها وأظنها لن تفارقني ماحييتُ ...إذ منذ تلك الساعة وأنا أراها تبتسم لي وتكلمني كلما أخرجتُ صورتها من أوراقي ، أحياناً أهمس في أذنيها همس العاشق ، وأحياناً أعاتبها عتاب المشتاق ، وأحياناً أرمي بنفسي بين يديها كالهائم المغرَم.
أخبرتُ صديقي بذلك كله ، فأجابني بكل هدوء ورويّة وهو يتحسر عليّ بشدة وقد بان ذلك على محيّاه ...
:- مبارك لكَ ياصديقي ... فقد جُنِنت َ .
ربما كان صديقي على حق ... لقد جننت ُ أنا بها ، فقد رأيتها إذ وقعت عيناي عليها أول مرة ... وبعد ذلك أعجبت بها ، ثم أحببتها ، ثم عشقتها حد الجنون ..
إن ليلى ليست كالنساء ففيها مايميّزها عن غيرها ، فلها قلب لايستوعب العالم كله ولكنه يستوعبني أنا ، ولها طهر مارأيت مثيلاً له ، ورأيت فيها من العفة ماتنافس النبلاء لأجله عليها ، ولها من الجمال ماتزاحم الرجال عليها ، فلها من كل حسنٍ نصيب وجوهر ، ولها من كل طيبٍ مسك وعنبر .
تذكرت ليلى كل ذلك وهي تضع ذلك الفستان الأحمر بين يديها ، وقد قررت ان ترتديه هذه الليلة ...
إن مقاسه مازال يناسبها ، فهي رشيقة الجسم ، إذ لم يتغير جسمها ، ولم يزدد وزنها ، فهي تحافظ على رشاقتها مااستطاعت .


أنا متيقن أنه لو صار عمرها مئة سنة فهي ستبقى رشيقة ، لأنها تهتم كثيراً بمظهرها ، ومازلتُ أذكر أنها أخبرتني ذات يوم أنها اشترت ميزاناً لتتبّعِ وزنها خشية أن يزداد ، ولا أخفيكم كم ضحكتُ أنا حين أخبرتني أنها تزن نفسها كل يوم...
قلت لها :- حقاً ! كل يوم تزِنينَ جسمكِ !
ضحكت هي الأخرى وقالت :- بل كل يوم وكل ليلة .
قلت لها :- لذلك انتِ لاتسمنين ، وتبقين محافظة على رشاقتكِ الجميلة ، ما أوفرَ حظي بكِ ياليلى ! وما أسعدني بمعيّتكِ .
فعلاً ... لم أكن أشعر بطعمِ يومي إلا معها ، ولم أكن أعدّ ساعاته الا وهي معي ، فلا يوم أنتظره دونها ، ولا ساعة أهتم بها من غيرها .
نعم... مازالت ليلى تتذكر كل ماحدث بيننا ، كل صغيرة وكبيرة .
ارتدت ليلى ذلك الفستان الفتان والقبعة الساحرة في تلك الليلة ، وخرجت على أولادها وزوجها وقد تفاجأوا بجمالها الآسر بهذه الهيئة ...ضحك الجميع والتفّوا حولها ... وقضوا -- جميعهم -- ليلتهم سعداء مستبشرين وهم يغنون ويرقصون ويتضاحكون ... إلا ليلى .

 

****

 

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 34 جوان ـ سبتمبر 2021 ـ
https://fr.calameo.com/read/0062335949afd29057ca7

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 34’ mois (juin - septembre 2021)
format PDF, cliquez ou copiez ces liens:
https://fr.calameo.com/read/0062335949afd29057ca7

*****
أرشيف صور نصوص ـ في فيديوهات ـ نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) liens روابط
https://www.youtube.com/watch?v=M5PgTb0L3Ew

‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

 

 

آخر تعديل على الأربعاء, 13 تشرين1/أكتوير 2021

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :