طباعة

جهاد مقلد | سوريا

 

يومياً تجلس فوق شرفتها كئيبة لا ترى من دنياها سوى حركة المارة فوق الرصيف المقابل، وتتسلى أحياناً... بإحصاء السيارات التي يعج الشارع فيها في أوقات الذروة، ليست مكلفة بهذا؛ لكنها تحاول تسلية نفسها...
قبيل الثامنة صباحاً سيل لا ينقطع من السيارات بأصوات ضجيجها وأبواقها المزعجة، ومثله بعيد الثانية ظهراً... تسلية اتخذتها منذ سنوات... منذ قدر الله لها أن تتضيق ساحة حياتها إلى ما بين داخل الشقة وشرفتها...


لا يعلم سواها وسوى الله بما تفكر به تلك اللحظة... فيوحي للسامع صوت أمها المشفق الحنون الآن للسامع بأن الصبية مدللة فوق المعتاد:
_ ادخلي يا بنتي الشمس لاذعة، وقد تؤذيك... وتسمع الفتاة نصائح أمها ولا تعترض، بل تستدير لتدخل... تتنهد وىطفر الدمع من عينيها، وهي تشعر بقسوة الحياة الرتيبة التي تعيشها كل يوم... وقبل أن يتخلى نظرها عن المارين فوق رصيف الشارع المقابل... تتفاجئ به... يلفت نظرها شاب يختلس نظرات حيية نحو شرفتها... بل يحولها ويرمقها نحوها مباشرة...
تتأنى في الدخول وتقف مكانها... نعم رأته... ها هو بدأ يرفع بخجل شديد رأسه، وها هو أخذ يتظاهر أنه يليّن رقبته ليوحي لمن حوله أنها متيبسة...
يدور برأسه فوقها إلى جميع الاتجاهات... ويصطدم نظرها بشبح ابتسامة ارتسمت على وجهه...
أما لفتاة التي تلقت السهم مباشرة، فقد افتر ثغرها مباشرة عن مثلها... ومع كل هذا أكملت الفتاة استدارتها ودخلت شقتها وتركته في حيرة، يتساءل هل أصاب سهمه منها ما أراده، وفي الداخل ظلت تفكر وهي تذوب خجلاً من تصرف لم تعتد عليه... فكلاهما لم ينتظر كي يرصد نتيجة رميته... نعم هي دخلت شقتها، وهو تابع طريقه عائداً إلى بيته من مدرسته!
هو الطالب الثانوي المهتم بدراسته، هذا الذي لم يطرق الحب بابه من قبل! ولكن اليوم واربه قليلاً...
ومنذ الساعة تغير طريق المدرسة، ففي الذهاب والأياب أصبح من هذا المكان، وباتت جلسات الفتاة على الشرفة تتقارب مع مروره قبيل ذهابه وإيابه... واليوم ومنذ اللحظة لم يعد يهمها عدد السيارات المارة... ولا سيل المشاة الذي لا ينقطع... بل شبت النار تحت مرجلها، فبات يغلي لتتصاعد فقاعاته تنهدات وحسرات...
الشاب اليوم لم يعد همه المرور من أمام شرفتها فقط، بل بات همه الأوحد التفكير بكيفية الوصول إليها... بعد أن فُتح قلبه لها على وسعه... نحو ذلك الوجه الذي كان يرى من البعيد في معالمه جمالاً ورقة، وبالمقابل أغلق مصراعاً منه على دراسته، بعد أن شغلت باله وألهته عن دراسته إلى حد ما...
وها هو اليوم أخذ يؤرق ليله بين أكلم أبي وأكلم أمي عن فتاة أحلامي... يتردد ويخرج في كل مرة بالنتيجة نفسها: لا لن أفعل... أعلم أن ردهما جاهز وسيغلقان علي الطريق
أبي سيقول:
_ اخجل ياولد... ألا يكفيني الصرف عليك وحدك؟! ثم سيتمتم ساخراً... دلع شباب... ما زلت صغيراً... هل كيف ستستطيع إعالة أسرة؟ من أين ستصرف عليها وأنت لا تستطيع الصرف على نفسك؟! لا تفكر وانتظر حتى تتخرج من الجامعة وتعمل... ويرد في عقله على والديه قبل الطلب... أريدها خطبة فقط... فقط كلام أربطها به... وكأنه يعود إلى الواقع، فيتساءل مع نفسه:
_ لكنني لم أرها عن قرب! علي أن أتصرف أولاً... أقابلها، أكلمها... ثم سأتدبر الأمر مع أمي، فهي تدعو لي دائماً أن يرزقني ابنة حلال تسعدني...
ويفشل في إقناع نفسه... حيث لم ولن يجرؤ هذا المغرم بمن لم يقابل أن يطلب من والديه، ولا بانتظار السنوات الطويلة، ولا الصبر على جهله بحالها... لكنه قرر على الأقل أن يحسم الأمر بنفسه، وله الحق بذلك... قرر، وعزم، وخاطب نفسه:
_ وهل تبادل البسمات تعني موافقة حتمية؟، سأجرب أن آخذ وعداً منها... لكن كيف؟ ربما تصادف نزولها مع مروري؟ وهذا ما لن أصبر وانتظر حدوثه...
وبعد تفكير وأخذ ورد قرر أن يصعد إلى شقتها؟ وبدأ البحث عن حجة... أخيراً هداه تفكيره... وضع بجيب قميصه العلوي مفكاً من النوع الذي يستخدم للكشف عن التيار الكهربائي، ووضع بشكل بارز في جيب بنطلونه الخلفي كلابة، وحمل في يده بعض أسلاك الهاتف... وفي ساعة غير متوقعة، قرع الباب بجرأة مفتعلة...
وجاء الصوت النسوي الناعم ليخترق فؤاده قبل أن يُفتح الباب... من أنت؟ وتعدت جرأته المألوف لديه...
_ أنا عامل الهاتف... ومن جديد:
_ هاتفنا يعمل ولم نسجله في الأعطال، وقبل قليل كنا نتكلم منه!
ابتلع ريقه... وازدادت دقات قلبه... إنه لم يعمل حساباً لمثل هذا الرد! على الأقل كان يأمل أن يفتح الباب ويراها... يكلمها... لا يطمح في البداية بأكثر من ذلك... ويهديه عقله... فالحاجة أم الاختراع... وببديهة عملت بأسرع ما كان يتوقعها أجاب:
_ نعلم هذا... الشكوى جاءت من رقم آخر... من رقم جاركم، يقول: أنه يسمع مكالماتكم... يوجد تشابك خطوط!
ولم يرد الواقف خلف الباب بفمه، بل بفتحه بقوة غير متوقعة... لقد شعر أن ضلفة الباب اصطدمت بعائق للحظة عندما ارتد قليلاً لكنه عاد وفُتح... وخلف الباب فتاته تجلس على كرسي متحرك، وعين في وجهها يلمع بريقها مع أشعة الشمس المتسربة من فتحة السلم... يسعف لمعانها نقاوة الكريستال المصنوعة منه.
ويد تمسك بضلفة الباب وأخرى بالعجلة البلاستيكية الرمادية.

 

 

****

 

 

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html

رابط تصفح و تحميل الديوان الثاني للفيصل: شيء من الحب قبل زوال العالم

https://fr.calameo.com/read/006233594b458f75b1b79

*****
أرشيف صور نصوص ـ في فيديوهات ـ نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) liens روابط
https://www.youtube.com/watch?v=M5PgTb0L3Ew

‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

 

آخر تعديل على الإثنين, 20 حزيران/يونيو 2022

وسائط