و التاريخ يشهد دائما منذ العهد البورقيبي الذي تكرس فيه الفكر التحرري و إيهام المرأة بالحرية البغيضة على المقاس الغربي، و توصلت الفكر البورقيبي إلى " تحريم و منع" تعدد الزوجات و تجريمه و معاقبة مرتكبيه و منح المرأة أحقية ـ تطليق ـ زوجها كلما سمحت لها أهواء نفسها، باسم " المساوة و العدل و التحضر و الثقافة". و تواصل فعل مسخ المقومات الشرعية و الثقافية للموروث العربي و الإسلامي في المجتمع التونسي إذ توصلت منظمات تعتقد بالثقافة الغربية قلبا و قالبا و رفعت دعوى لإلغاء المادة 73 التي تحظر زواج التونسيات ـ المفترض ـ أنها مسلمات من الزواج بغير المسلمين.
بل كان في العهد البورقيبي فكر تغريبي رهيب يحشر نفسه في المسائل العقائدية لمواطنيه؛ و توصل بورقيبة شخصيا إلى الافتاء بأن صوم رمضان ليس ضرورة و بإمكان كل من يرى عدم قدرته و انزعاجه من الصوم أن يفطر!
فكانت دائمة مسألة الدين و الشريعة تشكل هاجس النظام المتحكم في أنفاس الأفراد منذ الخمسينيات إلى غاية هروب بن علي، حيث كان ينظر للحجاب و اللباس الإسلامي تهديدا لثقافة الجمهورية البوليسية بالنيابة عن فكر غربي مؤيد لكل سياسات قمع الحريات الدينية و بالأخص الدين الإسلامي، و في ذات الوقت تحمي و تعمل على راحة بال تابعي الديانة اليهودية و المسيحية المقيمة في تونس منذ زمن بعيد! كان في عهد بورقيبة أو بن علي خصوصا ارتداء الحجاب و اللحية بالنسبة للرجال من الأمور التي تفتح أبواب جهنم على أصحابها، و المساجد كانت خاوية و مقتصرة إلا على كبار السن ! اعتقالات و مضايقات و إلى غير ذلك من الممارسات التضييقية التي مورست على كل من اختار إراديا طريق الالتزام و تطبيق السنة الشريفة و السلف الصالح في منهج حياته! توصل بالنظام البوليسي التقليدي في تونس فيما مضى أن منع آذان الفجر ؛ لأنه يزعج ـ مرقد و نوم السواح ـ الضيوف الكرام داخل ما يسمى عاصمة ـ الثقافة العربية ـ تونس سليلة فكر "الزيتونة" و العلماء و ريح الخلافة الإسلامية و قلعة الفكر الإسلامي التنويري ، و التقدمي !
فليس غريبا على " قايد السبسي " و هو امتداد لنظام " بورقيبة و بن علي" أن يرى هو أيضا في الدين الإسلامي و الشريعة ما توهمه نفسه الضالة بـ " عوج و عدم صلاحية" الأمور الشرعية الإلهية! و عليه يرى وجوب تقويم الشرع الإلهي حتى يتلاءم و أهواء و نزوات بعض المنظمات و الأفراد الممسوخين بالثقافة الاستعمارية الاستدمارية للهوية الحقيقية للتوانسة، فرأى وجوب المواساة في الميراث بين الجنسين و إعطاء الحرية الكاملة للمرأة في الزواج من غير المسلم! و لأنه لا يعرف جيدا هذه المسألة الفقهية فيما يتعلق بالميراث و يجهل تماما أنه ثبت أن "المرأة ترث أكثر من الرجل ، عكس الفهم السطحي للنص القرآني ؛ إذ ترث المرأة نصف ما يرث الرجل و في 30 حالة ترث فيها مثل الرجل أو أكثر منه" حسب المفكّر و الدكتور د/محمد عمارة .. و لأن السياسي و الحاكم في البلدان العربية معظمهم متعجرفون و يدينون بالولاء للغرب و لثقافاتهم حفظا على مصالحهم يفعلون أشياء لا تصدق و لا تطبق حتى في البلدان الغربية ، حيث يتمتع المسلم( و الحمد لله ) بكامل حقوقه في المواطنة و الحق في الاعتقاد و لا يُرمى إلى السجن و ينكل به لمجرد انتمائه لحزب ما أو ارتدائه لحجاب أو قميص أو ملتحٍ! و لأن الحكام أمثال " السبسي " و كل ما " يشبهه في البلاد العربية علي تقصير تام و مجحفين في حقوق مواطنيهم و شعوبهم فأخذوا يفرقون شعوبهم إلى طوائف و أحزاب و شيع و تيارات متضادة متناحرة للاستمرار في البقاء !
لا أريد أن أرتكز على رأي " الأزهر" في هذا الإشكال العميق و الخطير الذي أثاره " ـ قائد الحملات الصليبية الجديد " المسمى "السبسي" في تونس، إذ يقول " الأزهر الشريف ردا عليه:" آيات المواريث بالقرآن لا تقبل الاجتهاد" ؛ رغم أني مع هذا الرأي و لأنني شخصيا لا أثق في فتاوى و آراء " الأزهر" في العصر الحديث حتى لو أصاب؛ هذا " المجمع التاريخي " الذي كان مرجعية الأمة الإسلامية جمعاء ، حيث صار ورقة و مؤسسة سياسية تحت سلطة الحاكم، أكثر منها دينية محايدة ، إذ تصدر الفتاوى حسب أو تحت طلب " النظام القائم و ليس طبقا للشرع الإلهي دون شريك ! مثل الأزهر مثل " دار الإفتاء التونسية" و هذا موضوع آخر الحديث فيه له شجون!!!
*
لا تتوقف تونس في مفاجأة العالم العربي و الإسلامي من خلال بعض المتنصلين عن هويتها بإذكاء نار المسخ و الإنحلال المطلق ، بل تزامنا مع " هراءات" السبسي و مؤيديه جاءتنا تونس من خلال بعض المنظمات الممسوخة العقيدة و الأخلاق حيث أتت بـ " منكر و فاحشة النية و القول " ـ ما سبقهم به من أحد من العالمين !! حيث طالبت هذه الأشكال المحسوبة على تونس الأصيلة و على لسان " الناشطة " عبير بنت سلطان" بأحقية تعدد " الأزواج، و أن للمرأة التونسية القدرة الجنسية لتحمل أكثر من رجل ، و أن هناك الكثيرات من التونسيات تواقات و مؤيدات لهذا المشروع العظيم الذي يكرس و يدعم بصفة ملموسة مسألة المساواة بين الرجل و المرأة و تحقيق العدالة !!
حتى في الدول الغربية المعروفة لا توجد قوانين إطلاقا تشجع على أحقية المرأة في تعدد الأزواج ، بل القانون فيها يعاقب كل تعدد بين الطرفين ليس فقط على الرجل!!!
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تونس من خلال هذه المنظمات تسير بل تتسارع إلى مسخ كلي للهوية التونسية الحقيقية ؟ و لماذا تطرح هكذا مسائل لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي و الاجتماعي الكارثي الذي تعاني منه البلاد، فإذا كانت بعض الناشطات و أتباعهن عندهم مشكلة عدم إشباع جنسي، فلماذا التنديد و المطالبة دستوريا و قانونيا بأحقية تعدد " البعول و الذكور" ، مثلهن مثل اللواتي ذهبن إلى سوريا باسم " جهاد النكاح" كان عليهن ـ هن أيضا ـ باسم " حرية النكاح و المساواة " طلب ترخيص من السبسي و أعوانه من المحسوبين على العلمانية بتنظيم "تجمعات إشباع جنسي واسع النطاق و شامل " على مستويات ملاعب كرة القدم في مقابلات الترجي أو النجم الإفريقي و هكذا ننتهي من وجع هذه الأصناف و هذه الأشكال من الناشطات باسم الحرية و المساواة ، لأن المرأة التونسية لحسن الحظ موجودة في أعماق التراب التونسي تكدح في الحقول و المعامل و في كل قطاع إلى جنب زوجها و أخيها اليد في اليد من أجل التغلب على صعوبة العيش و النظر في حاجيات أطفالها و أبنائها و بناء مستقبل أفضل ، المرأة الحقيقية التونسية ليست تلك التي تحج إليها وسائل الإعلام و كاميرات القنوات الغربية من كل حدب و صوب لتغليط الرأي العام الوطني و الدولي بالحديث عن واقع هامشي لا يمت الصلة بالانشغالات الحقيقية للشعب التونسي برمته، و كأن الشعب التونسي همه الوحيد الرئيسي القدرة الجنسية لناشطاته أو العطش " القحبوي" الذي يعشش في مخيلة كل واحدة منهن ! تذكرني هذه التطورات المخزية في المجتمع التونسي بمزحة صديق لي فيما مضى ، لما كنت أجادله في أمور و ممارسات لا تمت الصلة بالثقافة العربية الإسلامية تحدث في تونس ، فيرد عليّ: " يا صديقي لا عليك .. نحن بحاجة إلى فتوحات إسلامية جديدة!" .. الديمقراطية كمفهوم سام لتنمية البشر و المجتمعات هو تحسين ظروف معيشتهم بالنسبة لبعض الدول العربية يعد للأسف بمثابة الوباء الفتاك، مثل بعض التنظيمات و التشكيلات المغرضة فيها كمثل " الحمار" الذي أهدوه وردة فأكلها! الله يرحم بعض الديكتاتوريات !! . خلاصة الحديث اليوم : "يا توانسة كونوا دايما رجال ، و حافظوا على بلادكم من " القحاب و من الدواعش، لا تتركوا تونس تصبح " ماخورا كبيرا باسم التفتح و العدالة و الديمقراطية و المساواة !
رئيس التحرير (ل .خ ) | باريس*
آخر تعديل على الإثنين, 21 آب/أغسطس 2017