طباعة

*بقلم: لخضر خلفاوي | الفيصل

أُسدل الستار على مؤتمر " الآستانا" ، الذي ضمّ  كل من الوفد الرسمي السوري و الوفد المعارض المسلّح و الثنائي (التركي الروسي ) و بحضور المبعوث  الأممي "ستيفان دي ميستورا" .. و كان هذا المؤتمر بدافع إيجاد حلول جدية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار و الاستمرار في المساعي التشاورية و الحوار من أجل التوصّل إلى حل يرضي جميع أطراف النزاع في سورية. و الجديد في هذا المؤتمر هو إظهار طرف إلى عَلَنِ المفاوضات رسميا و اعتباره شريكا ـ دون الإجهار رسميا بذلك ـ و هو الطرف الإيراني ، الذي أوكلت إليه مهمة رئيسية لضمان تطبيق بنود المؤتمر المتعلّقة بوقف إطلاق النار.
و بدت كل من تركيا و روسيا في هذا المؤتمر بصفة الوسيط ، " المفاوض" و المحايد في هذه الحرب التي أتت على الأخضر و اليابس و تحوّلت روسيا من " قوة " أجنبية محتلة لسوريا و فاعلة عن قرب ميدانيا و جويا و سياسيا في تقتيل الشعب السوري و تدمير البنية التحتية لسورية من أجل الحفاظ على كرسي العرش التابع للأسد ؛ إلى قوة وسيطة ، محايدة راعية للسلام و هادفة لاستقرار فرقاء سوريا " ساسة و مسلّحين" ، ممثلة في الوفد الروسي " أكسندر لافرنتييف" .
و تذكر المصادر الإعلامية و تلك المتقصية لأخبار هذا المؤتمر أن السيد " محمد علوش" كبير المفاوضين ـ مثلما يطلق عليه ـ و رئيس الوفد المفاوض باسم المعارضة قد تطرّق إلى" روسيا"  بشكل من " اللطافة" و الاحترام و أبدى إيداع ثقته الكاملة في التمثيلية الروسية المتعلقة بهذه اللقاءات التفاوضية.
في هذا المؤتمر لم يتم بعد وضع النقاط على الحروف بشكل تام حول مسألة الفصائل و المنظمات المسلحة و تصنيفها ؛ إما ضمن المنظمات المشددة و ضمها إلى قائمة " الدولة الداعشية" أو ضمن تلك التي يُعتقدُ أنها معتدلة و ليست لها أيّ علاقة مع التنظيمات المتشددة و المتطرفة و الدموية منها جماعة " النصرة" .
الملفت في هذا المؤتمر الذي طبخته روسيا بإحكام لغاية في نفس "بوتين" و ربما في نفس تركيا" أردوغان" أو " روحاني" إيران ، هو تغييب " الأطراف العربية" ، و الأوروبية أيضا خصوصا التي كانت وراء تسليح و تمويل و مساندة المعارضة السورية بكل فصائلها منذ أكثر من أربع سنوات، أما الطرف الأمريكي مشغول برحيل إدارة و مجيئ أخرى!
 ‪*‬
ـ حضور الأطراف العربية في هذه المفاوضات ليس له أيّ تأثير في مجرى أو منحى المساعي الرامية إلى إيجاد أرضية اتفاق مشتركة لحل النزاع نهائيا و بشكل  دائم! فمنذ متى توجد بحوزة الأنظمة العربية حلولا من شأنها فك أيّ نزاع مصيري مشترك  ؟! التاريخ أثبت بأنهم كانوا و لا يزالون حقولا لكل التجارب الأمريكية الغربية الممكنة من أجل حماية " المصالح الأجنبية"!
و تُشير الأخبار أن الوفد  الروسي ـ قيل عنه وسيطا محايدا ! ـ قد سلّم للوفد المعارض السوري نسخة من اقتراح مشروع " دستور " سوري جديد من إنجاز ـ خبراء روس ـ  تُجهل مواده !؟. يا عيني على الدساتير العربية ؟!.
أما الإدارة الأمريكية الجديدة ، يؤكد " دونالد ترامب" باستعداده الكامل ليكون جنبا إلى جنب مع نظيره " الروسي" لمواصلة الحرب في سوريا ، طبعا بحجة " فزاعة الإرهاب و وجود التنظيم الداعشي و القاعدي " الذي اختلقوه في المنطقة ، على لسان الناطق الرسمي " سبيسر" مدير الاتصال في مؤتمر صحفي : "إذا كانت هناك إمكانية لمحاربة داعش مع أي بلد، سواء كانت روسيا أم غيرها، وكانت لنا مصلحة وطنية مشتركة في ذلك، سنفعل بالطبع ذلك". و طبعا كما يعلم الجميع أن مصالح أمريكا و روسيا في المنطقة ككل تصعّب من فرضية  القول أنها انتهت  .. بل هي تتجدد في كل عهدة!!!
 ‪*‬
لا اعتقد أن هذا المؤتمر سيصل  بسورية ـ للأسف الشديد ـ إلى استقرار حقيقي و عادل بين كل الأطراف، قد يحدث استقرارا هشا؛ ما دامت الأطراف التي كانت وراء كل هذا " الحريق " و هذه الحرب القذرة  و بتواطؤ داخلي أكيد ، هي التي برمجت هذا المؤتمر بحجة إيجاد فرص سلام حقيقية و هدنة دائمة!
يتحقق السلام الحقيقي و الهدنة التامة و تبنى سورية من جديد على أسس متينة و آمنة ، إذا خلصنا إلى فهم حقيقي عن " ماهية العدو " الفعلي لسوريا و لجميع الأوطان العربية و الإسلامية! مع هؤلاء سنضيع الوقت أكثر ، و نهدر الأرواح بلا حساب .. و لا ندرى إلى متى يستمرّ هذا العبث في المنطقة؟!
استقرا سورية ليس مربوطا بفصائل و معارضات داخلية متناحرة ، متنافرة فحسب، بل مربوط بكل المنطقة.. استقرار كل الشام  و عودته إلى الحياة الطبيعية مرهون بعودة الاستقرار في العراق ، في  اليمن ، في لبنان ، في ليبيا و غيرها من الدول العربية التي تعيش على " هشاشة " سياسية و انحطاط اقتصادي و اجتماعي كانت وراءه الإدارة الأمريكية و أتباعها!

وسائط