طباعة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي


رغم أنه لا فوارق حقيقية بين الإسرائيليين، حكومةً ومعارضةً، قادةً وأحزاباً، يمينيين ويساريين، معتدلين ووسطيين، متدينيين وعلمانيين، شرقيين وغربيين، في كل ما يتعلق بالشأن القومي العام، إذ أنهم جميعاً يتفقون في الأهداف الصهيونية والحقوق اليهودية في الأرض الفلسطينية، التي يعتبرونها جميعاً أرضهم ووطنهم، ومستقرهم ومستودعهم، وأنها تمثل أحلامهم القديمة وممالكهم البائدة، التي يعتقدون أنها بلادهم إلى الأبد، ووطنهم الذي وعدهم به الرب، وساقهم إليه وأمرهم بالإقامة فيه.

 


 
إلا أنهم يختلفون فيما بينهم أحياناً ويتصارعون في التكتيك وليس في الاستراتيجيا، وفي الشكل لا في الجوهر، وفي طريقة التنفيذ لا في مبدأ التطبيق، وفي التوقيت المناسب والظرف الدولي الملائم، وفي المكاسب الحزبية والمنافع الفردية والخاصة، وهي اختلافاتٌ قد تكبر وتشتد وتزداد وتحتدم طالما أنهم لا يواجهون عدواً، ولا يتحدون خطراً، ولكنهم يتفقون فيما بينهم، وينسون خلافاتهم إذا كان الأمر يتعلق بأمن كيانهم وسلامة مستوطنيهم ومستقبل وجودهم.
 
على هذه القاعدة من الاختلافات الشكلية تطفو حول خارطة ضم الأراضي، وشكل التعامل مع مقترحات ترامب وخطته، الخلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم الثلاثة، نتنياهو وغانتس والأحزاب الدينية اليمينية، ومعهم قادة المستوطنات وتجمعاتهم، فهم ثلاثتهم الذين يقودون الكيان ويترأسون الحكومة، ويحددون مساراتها ويتحكمون في قراراتها.  
 
لكن الخلافات الأبرز والأكثر وضوحاً وتأثيراً هي بين نتنياهو وغانتس، فهما الشريكان الأساسيان في الائتلاف الحاكم، والشخصيتان الأكثر تأثيراً في قرارات الحكومة وسياستها، إلا أن خلافاتهما الحقيقية شخصية وتنافسية.
 
فرض غانتس على نتنياهو خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، إرجاء المباشرة في تنفيذ خرائط الضم إلى بداية شهر يوليو/تموز 2020، وتخصيص الأشهر الأولى من عمر الحكومة لمواجهة وباء كورونا، ولعل هذا الاتفاق بينهما يشير إلى أنهما متفقان على الأصول، ولكنهما يختلفان في الأولية والتوقيت، وربما في الحجم والمساحة، حيث أنه بصفته وزيراً للحرب والأمن سيكون مسؤولاً عن كل عمليات الضم، وسيقوم جيشه بحماية المناطق وتوفير الأمن وضمان جدية التنفيذ.
 
يعلم فريق التفاوض الأمريكي الذي يرأسه صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير، حجم الخلافات بين نتنياهو وغانتس، ولهذا قام ديفيد فريدمان أكثر من مرة بمحاولة التوسط بين الرجلين، رغم أن الجميع يعلم أن فريدمان أقرب إلى نتنياهو، ويدعم مواقفه ويؤيده في سياسته، ولهذا يفهم الإسرائيليون محاولات توسط فريدمان أنها محاولة مكشوفة منه للضغط على غانتس، ودفعه للانسجام التام مع نتنياهو، حيث يعتبر فريدمان من أشد المتحمسين لتنفيذ عملية الضم في ظل ولاية ترامب الحالية.
 
غانتس مثل نتنياهو يتطلع إلى دولة يهودية نقية خالية من غير اليهود، ولهذا فهو يخشى من الوجود الفلسطيني في المناطق التي سيشملها الضم، ويتساءل ماذا ستفعل بهم الحكومة وهم عشرات الآلاف، هل ستطردهم خارج مناطق سكناهم، أم ستجري تبادلاً سكانياً مع السلطة الفلسطينية وتنقلهم إلى مناطقها، أم ستقوم بمنحهم الجنسية الإسرائيلية، وتحولهم إلى مواطنين إسرائيليين شأنهم شأن "عرب إسرائيل"، الذين يشكلون قنبلة شديدة الانفجار داخل الدولة العبرية.
 
ويتساءل غانتس وفريقه عن القانون الذي ستعتمد عليه عملية الضم، وما إذا كان سيتوافق مع القوانين الدولية، أم أنه سيدخل الكيان في خلافٍ وصدامٍ كبيرٍ مع مؤسسات المجتمع الدولي القانونية، ومع الهيئات الأممية التي ستكون مضطرة لإصدار قراراتٍ جديدةٍ من شأنها عزل إسرائيل والتضييق عليها، وفرض عقوباتٍ اقتصادية وربما غيرها عليها. أكثر مما هي مفروضة على المستوطنات.
 
يصر غانتس على ربط المباشرة في عمليات الضم بالاتفاق مع الحكومة الأردنية ونيل موافقتها، ويعتبر أن أي خطوة من شأنها إغضاب الملك الأردني أو تهديد اتفاقيات السلام الموقعة مع بلاده، ستضر بالأمن والاستقرار الداخلي الإسرائيلي، وستعرض الهدوء الذي ساد الحدود الشرقية لأخطارٍ حقيقية.
 
يفضل غانتس الاستعاضة عن خطة ترامب بضم الكتل الاستيطانية الكبرى، التي قد لا تغضب الأوروبيين، ولا تؤلب المجتمع الدولي كله ضد بلاده، كما أنها قد تخفف من غضب السلطة الفلسطينية التي سبق لها أن درست مع الحكومة الإسرائيلية احتمالات ضم المستوطنات الكبرى، ومحاولة إيجاد حلولٍ وتسوياتٍ لهذه الخطوة كإجراء تبادلٍ رضائي في الأراضي، فتكون بذلك خطوة أولى وجادة نحو إعادة السلطة الفلسطينية إلى طاولة الحوار والمفاوضات، وهو ما وعد به غانتس أعضاء حزبه وحلفائه.
 
أما مواقف قادة المستوطنين وتجمعاتهم فهي موحدة لجهة استكمال إجراءات الضم، والتسريع في خطواتها وزيادة مساحاتها، علماً أنهم يبنون تصوراتهم على عقائدهم الدينية ورؤيتهم التوارتية، ويرفضون مبادئ ترامب وصفقته، الذي يصفونه بأنه "أحمق مفيدٌ"، ويرون أن صفقته تخدمهم لجهة الغطاء السياسي والتأييد الدولي، إلا أنها تضر بهم وتفرط في حقوقهم، فهو يعطي الفلسطينيين دون وجه حقٍ، الحق بإقامة دولة فلسطينية على 70% من أرض إسرائيل التاريخية، ولو أنها أراضي متفرقة ومبعثرة، إلا أنها مقتطعة من أرض دولة إسرائيل التاريخية، التي لا يجوز التفريط فيها أو التنازل عنها.
 
هي خلافاتٌ شكليةٌ بين الأطراف الثلاثة المشكلة للحكومة وإن بدت حادةً وبرزت على السطح، لن تعيق تنفيذ المخططات، ومن المؤكد أن نتنياهو وفريقه هو المنتصر فيها، وأن غانتس الذي يبدي معارضةً شكليةً للمشروع سيقبل به في النهاية، وسيشرف على تطبيقه، وسيلزم جيشه برعايته وضبط الأمن في المناطق، فلا تصدقوه إن وعد الأوروبيين بلجم نتنياهو، أو طمأن الأحزاب العربية بوقف مخططات الضم، أو لَمَّحَ إلى السلطة الفلسطينية أنه لن يمس حلمها في دولتها المستقلة، بل سيكون أول من ينزل إلى الميدان لتنفيذ الخطة، وأكثر المحتفلين بنجاحها والسعداء بتطبيقها، فهو صهيونيٌ مخلصٌ، وسياسيٌ كاذبٌ، وانتهازيٌ وضيعٌ، وعسكريٌ قاتلٌ، وعدوٌ حاقدٌ.

عوائقٌ وعقباتٌ أمامَ مخططاتِ الضمِ الإسرائيلية  المواقف الأوروبية خاصةً والدولية عامةً

 

لا يبدو أن الإجراءات الإسرائيلية الجديدة تلقى هوىً وقبولاً من المجتمع الدولي عامةً، ومن دول أوروبا على وجه الخصوص، التي أعلن قادتها وزعماؤها، فضلاً عن رئاسة الاتحاد الأوروبي، رفضهم أي إجراء إسرائيلي من شأنه أن يمس الحقوق الفلسطينية، ويضر بكيانهم العتيد أو يعيق تشكيله، حيث تصر أغلب الدول الأوروبية على حل الدولتين، وتطالب بعدم المساس بالأراضي الفلسطينية التي من الممكن أن تشكل دولةً فلسطينية قابلة للحياة، ولهذا فإنهم يرون أن المخططات الإسرائيلية تقضي على حل الدولتين، وتنهي فرص السلام بين الشعبين، وتؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار.

ترفض الدول الأوروبية ومعها العديد من دول العالم الاعتراف بشرعية المستوطنات في الضفة الغربية، حيث تنظر إلى الأرض المحتلة عام 1967 على أنها أراضي الدولة الفلسطينية، وترفض قيام إسرائيل بإجراء أي تغيير جوهري في المنطقة بما يؤثر على الحل النهائي، أقله دون التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وعليه فإنها تعتبر المستوطنات الإسرائيلية المشادة في الضفة الغربية مستوطناتٌ غير شرعية، وترفض الاعتراف بها، وأخيراً فرضت عليها نوع من المقاطعة الاقتصادية، فلا تستورد منتجاتها الزراعية، ولا تتعاون معها ثقافياً وتنموياً، وترفض تقديم أي شكل من أشكال الدعم أو التمويل لها، وتعتبر أي محاولة إسرائيلية لضمها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، علماً أنه يوجد في الضفة الغربية 130 مستوطنة، تشكل 10% من مساحتها.

لا تتوقف معارضة الدول الأوروبين عند إشكالية المستوطنات في الضفة الغربية، بل تعارض أي مساس بالأراضي الفلسطينية في المناطق الثلاث A+B+C، وتصر على أن تغيير في الواقع الحالي يجب أن يخضع لحوارٍ وتفاوضٍ مع السلطة الفلسطينية، ولا تخفي دول أوروبا مواقفها، بل تعلنها وتجاهر بها، وتحاول أن تخلق مناخاً إسرائيلياً سياسياً داعماً لرؤيتها ومؤيداً لحل الدولتين، الذي يقوم أساساً على مقررات الرباعية التي كان لدول أوروبا دورٌ كبير ومساهمة عالية في تشكيل بنودها، ولهذا كثفت الدبلوماسية الأوروبية اتصالاتها بشريك نتنياهو في الحكومة بيني غانتس، تحثه على رفض خطط الضم، والإصرار على حلولٍ منطقية مقبولة من الطرفين، تكون قابلة للحياة والصمود والاستمرار.

إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت بشدةٍ الإصغاء إلى التحذيرات الأوروبية، واعتبرت أن دبلوماسية الفضاء غير مقبولة، وأن التصريحات العلنية والتهديدات الأحادية المنحازة لا تخدم الشعبين، وتضر بمسارات الحل النهائي، وطالبت الحكومات الأوروبية أن تسلك السبل الدبلوماسية الرسمية في التعبير عن مواقفها، كما حذرتها من مغبة التدخل في الشؤون الإسرائيلية، وذلك في معرض ردها على محاولات بعضها التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، خاصة التيارات العلمانية واليسارية، ويمين الوسط الذي ينتمي إليه ويمثله بيني غانتس.

يدرك نتنياهو أن الحكومات الأوروبية تحاول التقرب من بيني غانتس ودعم مواقفه السياسية، والوقوف إلى جانبه في تطلعه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، لدفعه لممارسة المزيد من الضغط عليه، للتراجع عن فكرة الضم، ربطاً بقيامه بالتفاوض المباشر مع السلطة الفلسطينية، لتحديد شكل الحل النهائي للصراع القائم بينهما، وهو ما قد يؤثر عليه في الانتخابات القادمة في حال قرر إجراء انتخاباتٍ مبكرةٍ، إذ لا يخفي المقربون منه والعالمون ببواطن الأمور الإسرائيلية، أنه لن يسلم شريكه رئاسة الحكومة، وسيحرمه منه قبل الاستحقاق المتفق عليه.

الأوروبيون عموماً ومعهم بريطانيا التي تعتبر أساس نكبة الشعب الفلسطيني، والمسؤولة الأولى عن القضية الفلسطينية، يؤمنون بحل الدولتين، ويعتقدون أن الضفة الغربية هي أرض الدولة الفلسطينية، وأنه ينبغي أن تكون خالية من المستوطنات الإسرائيلية، إلا أن يصار إلى التفاوض بشأنها، وإجراء تبادل في الأراضي بالتوافق بين الطرفين، وقد صرح رئيس الحكومة البريطانية جونسون، أنه آن الآوان لأن تكون لحكومة بريطانيا كلمة، وقد اعتبر البعض تصريحات جونسون محاولة من بلاده لتصحيح ما بدأته من وعد بلفور، وهو الأمر الذي أغاظ الحكومة الإسرائيلية، التي طلبت تفسيراً لتصريحاته.

تحتفظ بعض الدول الأوروبية بورقةٍ رابحةٍ في جيبها، قد تضطر إلى سحبها واستخدامها في اللحظة الأخيرة، وهي التي تخشى منها الحكومة الإسرائيلية، وتحذر الحكومات الأوروبية من مغبة الإقدام عليها، إذ تهدد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1976، مما سيشكل لها عقبة كبيرةً، سياسية وقانونية، فيما يتعلق بالاعتراف بالأراضي التي تنوي ضمها، وسبل التعامل معها، فضلاً عن أنها ستقوي الموقف السياسي الفلسطيني على حساب الرؤية الإسرائيلية الأمريكية للسلام بين الشعبين، وقد تكون سبباً في انهيارها كلياً.

إنه لأمرٌ مثيرٌ للاستغراب والعجب، عندما نجد توافقاً أوروبياً غربياً موحداً ضد خطط الضم، ورفضاً لمقترحات ترامب ومشاريع نتنياهو، بغض النظر عن الأهداف التي تقف وراء المواقف الأوروبية، ولكنها بلا شك مواقف تثير غضب الإسرائيليين وتزعجهم، وتقلقهم وتربكهم، وتخلق واقعاً في كيانهم قد يكبر ويقوى. 

وفي المقابل نجد تشرذماً عربياً رسمياً، وضياعاً في الرؤية والقرار، وعدم مسؤولية في الأمانة والواجب، إذ لم نجد حتى اليوم مواقف عربية ترقى إلى مستوى المسؤولية، وتتناسب مع خطورة ما يحدث، بل على العكس من ذلك، نجد تساوقاً عربياً فاضحاً مع المخططات الإسرائيلية، وانسجاماً معها، إن لم يكن تأييداً ومباركةً ورعايةً، أليس هذا هو العجب العجاب والصادم الصاعق الغريب، الذي يشيب لهوله الولدان، ويحار أمامه أحكم الحكماء وأجل العقلاء.

****

عوائقٌ وعقباتٌ أمامَ مخططاتِ الضمِ الإسرائيلية المواقف العربية عامةً والأردنية خاصةً


يبدو أن موقف الحكومة الأردنية ملكاً وحكومةً وشعباً موحدٌ تجاه صفقة القرن، وتجاه مخططات الضم الإسرائيلية، فقد أعلنت الحكومة الأردنية على لسان أكثر من مسؤولٍ فيها، رفضها لمخططات ضم الأراضي، وحذرت الحكومة الإسرائيلية من أبعاد ومخاطر هذه المخططات على السلم والأمن والاستقرار في المنطقة، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالكف عن إطلاق مثل هذه التهديدات، والامتناع عن القيام بأي خطواتٍ من شأنها الإضرار بالأمن العام في المنطقة، وأشارت في سياق تحذيراتها، التي وجهتها إلى الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، إلى أن هذه الاجراءات ستقوض الاستقرار، وستنهي حالة الهدوء القائمة منذ سنواتٍ على جانبي الحدود، وستقود حتماً إلى إنهيار اتفاقيات السلام الموقعة بين الطرفين وإلغائها.
 
وكانت الحكومة الأردنية قد وجهت خطابها إلى غانتس، وطالبته بعدم الانجرار إلى مخططات نتنياهو، الذي قد يتهور ويعيد المنطقة كلها إلى مربعات الصراع الأولى، ويبدو أن الرسائل الأردنية قد لاقت قبولاً وآذاناً صاغية عند غانتس، الذي اشترط على نتنياهو عدم المضي قدماً في تنفيذ عملية الضم ما لم توافق الحكومة الأردنية، وتقبل بالاجراءات الجديدة، بما يحافظ على اتفاقية السلام الموقعة معها، وبما يحفظ الأمن العام والاستقرار في المنطقة، وكان الملك الأردني عبد الله الثاني قد حذر من صراعٍ كبيرٍ قد تشهده المنطقة كلها، في حال الإصرار على تنفيذ عمليات الضم.
 
يبدو أن الموقف الأردني يتميز كلياً عن مواقف بقية الدول العربية، ويختلف عنها دبلوماسيةً وحراكاً، وشعباً وحكومةً، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية التي تدفع حكومة المملكة الأردنية لمعارضة عملية الضم عامةً، أو معارضة ضم الأغوار فقط، فإن لموقفها تأثير كبير على القرار الإسرائيلي، ليس فقط على قرار غانتس وفريقٍ آخر من المسؤولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين، الذين يشترطون الحصول على الموافقة الأردنية قبل المباشرة في عملية الضم، بل على نتنياهو شخصياً وحزب الليكود الذي يرأسه، إذ أن إغضاب الأردن وإرغامه، والتضييق عليه وإحراجه، سينعكس سلباً إلى درجة كبيرة على اتفاقيات السلام الموقعة معه، وسيؤثر على التفاهمات الأمنية القديمة التي سادت معه لعقودٍ مضت أثبت خلالها فاعليتها وجدواها.
 
أما بالنسبة لبقية الدول العربية بما فيها مصر والسعودية ودول الخليج العربي، فإن مواقفها تتفاوت بين الصمت المريب وعدم المبالاة السلبية، وبين التشجيع العلني والموافقة السرية الضمنية، وبلغ الأمر بنتنياهو أن يعلن في ظل معمعة الضم وصخب الاختلاف، أن كيانه بصدد التوقيع على اتفاقيات تعاون وشراكة مع بعض الدول الخليجية، لمواجهة وباء كورونا، وتطوير التقنيات التكنولوجية والمعلوماتية المختلفة، وكأن موضوع الضم لا يشكل عقبةً أمامه تحول دون تعاونه مع الدول العربية، وأيضاً لا يحرج شركاءه في الاتفاقيات المقترحة، ولا يسبب لهم مشاكل داخلية واضطراباتٍ شعبيةٍ.
 
وكانت الإدارة الأمريكية وبالتزامن مع إطلاق خطة ترامب للسلام، قد سعت بصمتٍ وفي الخفاء طوال السنوات القليلة الماضية، لإنضاج اتفاقية "عدم اعتداء"، بين إسرائيل وأربعة دول خليجية هي عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، وقد تتوسع لتشمل دولاً عربيةً أخرى، وكان من المخطط أن يتم الإعلان عن هذه الاتفاقية قبل أشهرٍ، إلا أن تداعيات وباء كورونا، وحالة الاستعصاء العالمي على كل المستويات، بما فيها الاستعصاء السياسي، أدت إلى إرجاء الإعلان عن التوصل إلى هذه الاتفاقية، وجاءت أزمات أمريكا الداخلية والاضطرابات الشعبية التي سادت مدنها المختلفة، لتعزز الإرجاء إلى وقتٍ آخر، ويبدو أن الإرجاء سيؤخرها بعض الوقت، لكنه لن يلغيها، لأنها تأتي ضمن مخططات الضم وتسويات المنطقة القادمة.
 
ولأن مواقف الدول العربية مختلفة ومتباينة، فقد قام رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين بجولةٍ على بعضها، والتقى بنظرائه والمسؤولين فيها، للوقوف على رأيهم فيما يتعلق بمخططات الضم، ومعرفة ردود فعلهم في حال تنفيذها، ورغم أنه يولي أهمية خاصة للموقف الأردني، ويدرك حساسية شارعه، خاصةً فيما يتعلق بخرائط الغور، إلا أنه خلُصَ إلى توصياتٍ قدمها إلى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، قلل فيها من حجم ردود الفعل العربية، وأشار إلى أن الطريق إلى تطبيق بعض الخطط، إن لم يلقَ قبولاً عربياً فإنه لن يواجه عقباتٍ حقيقية أو تحدياتٍ خطيرةٍ، وقد عارض في موقفه توصيات كلٍ من رئيس الشاباك نداف أرجمان، ورئيس الاستخبارات العسكرية تامير هيمان، اللذين حذرا الحكومة من مخاطر الضم الكلي، ونصحاها بالاكتفاء بضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وإرجاء مناطق الغور إلى وقتٍ آخر.
 
لا يبدو في الأفق السياسي -للأسف الشديد- إجماعٌ عربي على مخاطر ما تواجهه القضية الفلسطينية، بل بات في الخطاب الرسمي العربي مفرداتٌ ومفاهيمٌ تتقبل الوضع الراهن، وتستجيب للشروط الإسرائيلية، وتتفهم حاجتهم وتعتقد بعدالة مطالبهم، وتؤمن بأن حل القضية الفلسطينية ليس على حساب المصالح الإسرائيلية والمعتقدات اليهودية، ، وهو ما باتت تؤمن به أنظمتها وتعمل بمقتضاه حكوماتها، وعلى الفلسطينيين أن يتقبلوا ذلك، وعليهم أن يتحملوا أوزار خلافاتهم الداخلية، ونتائج قراراتهم السلبية، وسوء القبول بقياداتهم التاريخية التي أوردتهم بسياستها موارد الهلاك.
 
لهذا فلا نستغرب أن تكون بعض المواقف العربية باهتة وأصواتها خافتة، فهي شريكٌ في الصفقة وأساسٌ في الخطة، اعتقاداً منها أن إسرائيل هي الأبقى وهي الأقوى، وأن المستقبل هو لها وللإدارة الأمريكية التي تستهوي جلدهم وتستعذب عذابهم، ويروق لها حلبهم وسوقهم، ونهب أموالهم واستباحة بلادهم وسرقة خيراتهم، وما علموا أن الحق أبقى وأقوى، وأن المقاومة أعلى وأسمى، وأن الحقوق حتماً ستعود وهي أبداً لن تموت.
يتبع ...
 
بيروت في 27/6/2020

****

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العدد 18 أفريل ـ ماي 2020
https://fr.calameo.com/books/0062335944f419a9f59a7
‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 18 en 
format PDF, cliquez ou copiez ce lien :
https://fr.calameo.com/read/0062335941cea7efc8cef

*****
‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

آخر تعديل على الأحد, 28 حزيران/يونيو 2020

وسائط