wrapper

الخميس 28 مارس 2024

مختصرات :

فراس حج محمد  |  فلسطين

 


قطّتنا الصديقة تنام على الأريكة. هذه القطّة كسولة، طفيليّة، لا تعتمد على ذاتها في توفير طعامها، تظلّ تموء وتنوء واقفة على الشبّاك وفي الأبواب تستفتحنا كي نفتح لها أو نطعمها. هذه القطّة فيها من صفاتنا نحن البشر الشيء الكثير، تتقن المسكنة بكثير من التقنيات، بارعة في سرد إلحاحها علينا بموائها المتغير في نبرته في كلّ مرّة. أشكّ أحياناً في أنّه يسكنها روح متسوّل عبقريّ كرّس كلّ حياته ليكون متسوّلاً بارعاً. قطّتنا هي كذلك بالفعل. كلّما حضرتُ هذا المشهد تذكرت بعض

الأطفال اللحوحين الذين يقفون على الإشارات الضوئيّة وعلى مفارق الطرق ليبيعوا علب المحارم وعلب عطور السيارات. لا يكفّون عن دفع السائق أو الركاب لأن يشتروا منهم شيئاً، ولا يتوقّفون عن توسّلاتهم مهما عاملوهم بجفاء.
لا تملّ قطّتنا من عدم استجابتنا لها، تقف مرة على الباب ومرة على الشبّاك، تحاول بيدها فتحه، تنجح مرات في ذلك. لتلتقي هي واللصوص البشريّة، أفسدت علينا مرّة طبختنا الأسبوعيّة، فلعقت اللبن المعد لتلك الحفلة الأسريّة المتواضعة. عندما تسلّلت إلى المطبخ من شبّاكه. تعسكر عند أحد الأبواب، وتدرك أنّ باباً آخر قد فتح، فتسرع في لمح البصر، لعلّ أحدنا قد أخرج إليها طعاماً. إنّها تستثمر بوعي وبراعة "نظرية ماسلو" .
هذه القطّة جميلة، ولست أدري هل هي قطّ أو قطّة، ولكنّ جمالها يشي أنّها قطّة. هكذا أقدّر. في العادة نحن نؤنّث القطط في الريف، ونذكّر الكلاب، ونحبّ القطط جميعها، ونكره الكلاب حتّى الإناث منها أيضاً.
وبعيداً عن هذه المسألة الطبيعيّة في القرية، فإنّنا من باب آخر، فإنّنا محظوظون بهذه القطّة الشقراء النقية ذات الصوت الجميل والمواء الناعم اللطيف. هذه القطّة صديقة لطفلي الصغير، ترافقه أينما ذهب، إذا ركض ركضت، وإذا أبطأ أبطأت، وإذا مدّ يده إليها مدّت إليه يداً. أدرك الصغير هذه اللعبة، فصار يختبرها ليتحقّق من المسألة، فيركض لتركض معه ويمدّ يده لتمدّ يدها، تعجبه اللعبة كثيراً، وينفق وقتاً طويلاً وهو يمازح هذه القطّة الصديقة. أجرّب اللعب معهما فلا تسمح لي القطّة بذلك، فتضربني، يضحك الصغير من فعلتي، فأكفّ عن العبث معها، وأتابع بصمت لعبتهما.
في الحقيقة أنا أحب القطط كثيراً، وأكره الكلاب جدّاً، على الرغم من أنّني في طفولتي قتلت بعنف قطّاً صغيراً، ما زلت إلى الآن وقد مضى أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على الحادثة أتذكّر تلك الصورة التي صار عليها، انشقّ جسمه نصفين بفعل الضربة. أيّ طفل شقيّ كنت في تلك اللحظة؟
عندما قتلت القطّ، لم أكن قد تعلّقت بالكتب كثيراً أو الالتزام بالطقوس الدينيّة، لم يكن شائعاً أيّام طفولتي الأولى في الثمانينيّات مفاهيم الرفق بالحيوان مثلما هي شائعة هذه الأيّام، ولم يكن لها ذكر في المدارس، لذلك لم أتأثّر بعد قتلي القطّ، ولم أندم على فعلتي إلّا عندما كبرت، ولم أتذكّر أنّ أحداً من المحيطين بي أنكر ذلك عليّ أو عنّفني. مرّ الأمر ببساطة، مع أنّنا لم نكن نقتل قطّاً كلّ يوم. إنّما يحدث الأمر صدفة أو خطأ ليس أكثر. لم يكن أحد من قريتنا يتعمّد قتل القطط. كانت أكثر عدداً وحضوراً من اليوم. اختلف الوضع اليوم، ومالت الكفّة لصالح الكلاب للأسف. كلّ صباح عندما أتوجّه إلى العمل تصادفني كلاب ضالّة كثيرة، بل إنّني أجدها أحياناً تحوم حول بيتي قطيعاً كبير العدد ومتعدّد الألوان. أفكّر أحياناً أنّها تحاول احتلال البيت أو ما جاوره من الأرض.
بعد هذين الأمرين، الكتب والدين، صرت أرى القطط والحيوانات جميعها كائنات لا بدّ من أن تعيش، وحرام علينا أن نمسها بسوء. كنت أخجل من نفسي كثيراً وأنا أقرأ حديث القطّة وحديث الكلب وحديث القبرة المفجوعة بفراخها، وصرت دائماً ما أنبّه صغيري إلى أنّه لا يجوز إيذاء القطّة، فلا يخزها في بطنها بإصبعه، لأنّ ذلك يؤذيها.
المهمّ في المسألة أنّ قطّتنا الصديقة كائن جميل وذكي ولم يعد يزعجني، حتّى عندما وجدتها قد تسلّلت من شباك غرفة الجلوس لتنام على الأريكة. ضحكت من فعلها، ولم أنهرها، كانت متيقّظة، فأسرعت للخروج من حيث دخلت.
في ظلّ هذه الريح الشديدة التي طيّرت أشياءنا، أين ذهبت قطّتنا الصديقة الكسولة الملحاحة؟ أفتقدها في هذا الجوّ العاصف، لا أخشى عليها، بالتأكيد، ولا أفكّر فيها بإنسانيّة زائدة عن الحدّ؛ كأنّها لاجئ يعاني الأمرّين: الجوع والبرد، لكنْ أفكّر فقط، كيف أنّ تلك القطّة الكسولة التي لم تفارقنا في الأيّام المشمسة لتحصل على طعامها ومبيتها تختفي فجأة.
يبدو لي أنّ عالم القطط عالم غير مفهوم الطبائع، وعليك أن تكون قطّاً لتفهم هذا السلوك المتناقض لقطّة كسولة وذكية في الآن ذاته.

 

******

 

 

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 34 جوان ـ سبتمبر 2021 ـ
https://fr.calameo.com/read/0062335949afd29057ca7

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 34’ mois (juin - septembre 2021)
format PDF, cliquez ou copiez ces liens:
https://fr.calameo.com/read/0062335949afd29057ca7

*****
أرشيف صور نصوص ـ في فيديوهات ـ نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) liens روابط
https://www.youtube.com/watch?v=M5PgTb0L3Ew

‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

 

آخر تعديل على الخميس, 23 كانون1/ديسمبر 2021

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :