wrapper

السبت 20 أبريل 2024

مختصرات :

 بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

 

الحنينُ إلى المساجدِ وصلاةِ الجمعةِ والجماعةِ: كثيرةٌ هي الأشياء العزيزة الجميلة المحببة إلى قلوبنا التي حرمنا منها فيروس كورونا، وأجبرنا بخطورته وعدوانيته المفرطة وسرعة انتشاره وقوة فتكه، على التخلي عنها والتفريط فيها وعدم التمسك بها، والتنازل عنها كرهاً لا طوعاً، وجبراً لا اختياراً، رغم أن النفس تشتاق إليها وتحن، والقلب يتعلق بها ويحب، والروح تهواها وتتطلع إليها، لكن الوباء لا يرق له قلبٌ ولا يرحم، ولا تلين له عزيمةٌ ولا يفتر، ولا تنكسر له شوكةٌ ولا يتعب، فهو يصيب الجميع بدائه، ويخنق الأنفاس بضراوةٍ، ويوزع الموت على البشرية بلا هوادة، ويتربص بها بلا رحمة، فأجبر سكان الأرض جميعاً على الخوف منه والرهبة، وتجنب مسالكه والهروب من معابره، لئلا يطالهم غضبه، أو يعضهم بنابه ويحل عليهم سخطه.


قد يتفاوتُ الناس الذين أجبرتهم كورونا على البقاء في بيوتهم، والالتزام فيها وعدم مغادرتها، واحترام حالة الطوارئ وقوانين منع التجوال، والانضباط التام بلا خرقٍ أو مخالفةٍ، في تقدير حجم خسارتهم وعمق مأساتهم، وذلك فيما يتعلق بالتخلي عن متع الحياة ومباهجها، والابتعاد عن زخرفها وزينتها، والإقلاع عن العادات التي أحبوها، والتقاليد التي ورثوها، والاكتفاء بالبيت سكناً وبسكانه أهلاً وخلاناً، وفي هذا الشأن لا يتساوى الناس ولا يتشابهون، فهم مشاربٌ شتى وأذواقٌ مختلفةٌ، ولهم أهواءٌ متباينةٌ ورغباتٌ متعددةٌ، وكلٌ منهم حرٌ في تقدير خسارته، وتقييم حالته، والحسرة على ما فقد، والندامة على ما حُرِمَ.
لعل عمارة المساجد وارتيادها، وصلاة الجمعة والجماعة فيها، وشد الرحال إليها وأخذ الزينة فيها، هي أكثر ما افتقده المسلمون وخسروه في ظل جائحة كورونا، التي أجبرتهم بفتوى علمائية شبه جامعةٍ، وإجازة دينية من أعلى المراجع الفقهية، ومن جميع المذاهب في مختلف البلاد الإسلامية، على الانقطاع عن المساجد وعدم الدخول إليها والصلاة جماعة فيها، والاكتفاء بالصلاة في البيوت والمنازل، فرادى أو جماعةً مع الأهل والأولاد، واعتبروا ذلك يفي ويجزئ، ويسقط بها الواجب وينوب عن الفرض في ظل مثل هذه المصائب والنوائب، فأغلقت بهذه الفتوى أبواب المساجد، وطُويَ سجادُها ورفع فراشها، وتعطلت فيها الصلاة الجامعة، رغم رغبة البعض بالحفاظ عليها ضمن ضوابط سليمة ومحاذير مدروسة، وتدابير وقائية واحتياطاتٍ صحيةٍ، إلا أن الخوف من الفيروس كان أكبر، وأخبار اجتياحاته للبلدان والساحات كانت أسرع، وأعداد ضحاياه إصابةً ووفاةً كانت في ازديادٍ دائمٍ مضطردٍ.
ها هي جُمَعٌ خمسة متواليةٌ مضت على المسلمين في أغلب بقاع الدنيا، لم يسعوا فيها إلى ذكر الله عزَّ وجلَّ في بيوته، وتعظيم شعائره في مساجده، فلم يُرفعْ فيها اسمه ويُذكرُ، رغم أن النداء إلى الصلاة من يوم الجمعة بقي يُرفَعُ، والأذان من فوق المآذن لم ينقطع، وحنين المسلمين إلى مساجدهم لم يتوقف، إلا أن أبوابها قد أغلقت كَرهاً، وباحاتها من المصلين قد فرغت قسراً، ومصاطبها من طلاب العلم قد خلت خوفاً، وأركانها من العُبّادِ والحُفَّاظ قد حُرِمَت وقايةً، وغدت زواياه خاويةً على عروشها، يتردد في جنباتها صدى صوت المؤذنين ودعاء من سكنوا فيها ولجأوا في ظل الجائحة إليها، وهم قلةٌ من جيرانها أو بعض سدنتها، القائمين على حراستها ونظافتها، والمكلفين بالحفاظ عليها ورعايتها.
يعلم المسلمون أكثر من غيرهم أن عليهم في ظل الأوبئة والأمراض الالتزام بالتعليمات والأخذ بالإرشادات وتنفيذ التوصيات، وعدم المخاطرة بالحياة والاستخفاف بالمرض، ولا الإهمال في الوقاية أو التفريط في الحماية، فرسول الله صلي الله عليه وسلم قد أمرنا بالحيطة والحذر، وأوصانا بالوقاية وتجنب التعرض للإصابة، إذ أمر المسلمين في حال نزل الطاعون بأرضٍ ألا يدخلوها، وإذا وقع في أرضٍ وهم فيها فلا يخرجوا منها، مخافة أن ينتشر الوباء ويَعُمَّ المرض، الذي ينتقل بالاختلاط والتماس المباشر، وينتقل بين الناس بسهولةٍ ويسرٍ.
ولهذا فإنهم يقبلون بحزنٍ وألمٍ الامتناع عن الاجتماع في المساجد، والتوقف عن الاحتشاد فيها لصلاة الجمعة أو الجماعة، ويلتزمون بالفتوى ويحترمون القرارات الحكومية، ذلك أنهم يعلمون أن هذا الحظر لفترةٍ قصيرةٍ ومدةٍ محدودةٍ، وبعدها سيزول المرض وسينتهي الوباء وسيعودون إلى مساجدهم فيعمروها، وإلا صلاتهم الجامعة فيها فيقيموها، وإلى شعائرهم الدينية المختلفة فيحيوها.
لا شيء يعدل المساجد وبيوت الله عز وجل لدى المسلمين جميعاً، فصلاة الجماعة فيها تفوق صلاة الفرد ببضعٍ وعشرين درجة، وكل خطوةٍ إليها بأجرٍ، وكل سعيٍ نحوها بمثوبة، والمكوث فيها عبادة، والانتظار فيها اعتكافٌ، والصلاة فيها لجارها ومن يسمع النداء واجبة، إذ لا صلاة لجار المسجد ولمن سمع النداء إلا فيه، ولو كان أعمى بلا دليلٍ، أو ضعيفاً بلا عونٍ أو سندٍ، والمشاؤون إليها في الظُلَمِ مبشرون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة والنور التام يوم القيامة، والمتعلقون فيها والمحبون لها صنفٌ من سبعةِ أصنافٍ من الخلق يظلهم الله عز وجل  في ظله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، ولا رحمة مرجوة إلا منه وحده سبحانه وتعالى.
فاللهم أعد إلينا طمأنينتنا وسلامتنا، وعافيتنا وصحتنا، وارفع من بيننا هذا الوباء، واكشف هذه الغمة، وأعدنا إلى بيوتنا ودورنا، وإلى مساجدنا وجامعاتنا، وجمعتنا وجماعتنا، وإلى أعمالنا ومرافقنا، فاللهم ليس لنا إلا أنت منقذاً، ولا كاشف لهذا البلاء سواك، فإليك سبحانك وحدك نرفع أكف الضراعة، وتبتهل ألستنا بالدعاء، فعجل اللهم لنا بالفرج، إنك على ذلك قديرٌ وبالإجابة جديرٌ.  
 
بيروت في 12/4/2020

 

فجرُ إسراء جعابيص ينبلجُ وصبحُها يقتربُ



لو لم يكن من أملٍ في صفقة تبادل الأسرى القادمة، بين المقاومة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، سوى الإفراج عن الأسيرة المناضلة الجريحة المصابة الصابرة المحتسبة إسراء جعابيص لأكفتنا، وكنا بها سعداء وعنها راضين، وإلى إتمامها مؤيدين، وإلى وجوب عقدها داعين، فالإفراج عن إسراء جعابيص حلمٌ وأملٌ، ورجاءٌ ودعاءٌ، وهدفٌ وغايةٌ، والإفراجُ عنها نصرٌ، وحريتُها عيدٌ، وعودتُها إلى بيتها فتحٌ، واجتماعُها بعائلتها وأولادها عرسٌ، فقد والله أدمت قلوبَنا معانتُها، وآلمت نفوسَنَا جراحُها، وعذبت أرواحَنا حروقُها، وفَتَّتْ أكبادَنا نظراتُ عيونها، والجروحُ البادية في وجهها، وأشعرتنا بالحياء والخجل يداها المحروقتان، وأصابعُها التي تفتت عظامها وذاب لحمها، والتصقت ببعضها والتحمت.
 
لكن فرحة إسراء جعابيص لن تكتمل إلا بخروج أخواتها معها، وتمام حرية الأسيرات اللاتي يشاركنها السجن والمعتقل، والزنزانة والعزل، والقيد والأسر، فقد تعاهدت معهن على الحرية، وأقسمت وإياهن على اللقاء خارج أسوار المعتقل وبوابات السجن، والتزمت تجاههن بالصلاة معاً في المسجد الأقصى، والرباط يداً بيدٍ في رحابه وباحاته، واتفقن على اللقاء والزيارة، وعلى الاجتماع والمواصلة، وسيلبسن الأثواب الفلسطينية الزاهية، وسيحملن معاً علم بلادهن، وسيعبرن على الحواجز الإسرائيلية ورؤوسهن مرفوعة، وكرامتهن موفورة، وسيجبرن العدو على فتح الأبواب لهن، وإزالة الحواجز من طريقهن، فهن جميعاً على ثقةٍ بالفرج، وعلى يقينٍ بالنصر، وعلى موعدٍ مع ساعة الحرية، فقد وعدتهم المقاومة، وسبق لها أن وعدت وأوفت بوعودها ونفذت عهودها.
 
لكن المقاومة التي أصرت على طرق أبواب السجون بكل يدٍ مضرجةٍ بالدماء لتفتحها، لن تقبل فقط بحرية إسراء وأخواتها، رغم أنها حرية ٌكبيرة، وكسبٌ عظيم، وبيعٌ رابح، وإنجازٌ هائلٌ، بل ستصر على الكثير لتحققه، وستتمسك بالقديم الذي أعلنت عنه، وستضيف إليها الجديد الذي راكمته، والعدو يعلم أن المقاومة قادرة، وهي بالفعل صادقة وواثقة، وأنه لن يقوَ على منازلتها، ولن يستطيع كسر عنادها وثني إرادتها، فهي قد قالت أنها تريد بين يدي الصفقة أن ترى الأخوات الأسيرات حرائر عزيزاتٍ، وأن يستقبل شعبنا في الوطن شيوخ المعتقلين، وجنرالات الصبر وأبطال الصمود، وأن يحتضن الأسرى الأشبال والمعتقلين الأطفال، وأن يفرج عن الأسرى المرضى والمصابين، وأن يسبقهم جميعاً أحرارُ صفقة وفاء الأحرار، الذين غدر بهم العدو وعاد وأسرهم، ونكث اتفاقه مع المقاومة واعتقلهم، ونكص على عقبيه واحتجزهم رهائن من جديدٍ عنده.
 
أما متن الصفقة وقلبها، وأساسها الذي ستبني عليه موافقتها، وستحدد بموجبه موقفها، فهي لم تعلن عنه بعد، ولم تكشف للعدو عن مضمونه، ولكنه بالتأكيد يعرف أن الثمن الذي تتطلع إليه المقاومة كبير، والبديل الذي يجب أن يقابلها به غير قليلٍ، وتاريخ صفقات التبادل السابقة يشهد على عناد المقاومة وإصرار قيادتها، فلا يَظُنَّنَ العدو أنه سيفوز في هذه الصفقة، أو أنه سيغبن المقاومة وسيخدعها، وسيأخذ منها في زمن الكورونا ما عجز عن أخذه منها في ظل الحروب والمعارك، أو من خلال الاستخبارات والمتابعة ومحاولات الوصول إلى معلوماتٍ عن جنوده ومستوطنيه ورفاتهم وبقايا أجسادهم، فالمقاومة لن تهدأ ولن تستكين حتى تستعيد جميع رجالها، وتحرر كل أبطالها، وتهدم سجون العدو وتدمر زنازينه.
 
المقاومة الفلسطينية التي تحفظ العهد وتفي بالوعد، وتحرص على أسراها وتصر على حريتهم، وتواصل العمل من أجلهم، وتُذَّكرَ بهم ولا تنساهم في سجونها، أحسنت اقتناص الفرصة واختيار اللحظة المناسبة لطرح مبادرتها، وعرض حسن نواياها، فهي تخاف على الأسرى والمعتقلين في سجون العدو، وتخشى عليهم في ظل جائحة كورونا، أن يطالهم الفيروس، أو تسرب إليهم سلطات السجون العدوى لإصابتهم، وهم في سجونهم الضيقة، وفي معتقلاتهم البعيدة القاسية، يتعرضون لأشد أنواع التعذيب والتنكيل، والتضييق والإساءة، والحرمان وسوء المعاملة، مما قد يجعل إصابتهم بفيروس كورونا سهلاً، وهو المرض الذي يفتك بضحاياه بسرعة، ويقضي على المرضى والضعاف منهم بسهولة، ولهذا وجب التحرك السريع، وطرح المبادرة بقوة لإنقاذ الأسرى جميعاً، وعلى الأخص منهم إلى جانب المرأة والطفل، الشيوخ الكبار والأسرى المرضى، الذين تسهل إصابتهم وتقل مناعتهم، بسبب الأمراض المزمنة، ونقص الدواء وقلة العلاج وانعدام الرعاية والمتابعة.
 
لاحت تباشير الفجر، واقترب الفرج، وتسلل النور من بين عتمة الليل وظلم السجان، وسيتحقق الوعد الحق وسيفي الرجال بالعهد، وستعود عما قريب إسراء جعابيص إلى بيتها وعائلتها، وستفرح بحريتها وشعبها، وستجري العمليات الجراحية التي حرمها منها العدو، وستشفى من آثار الحروق وبقايا الظلم، وستبرأ من جراحها وستنتقم من جلادها، ولن تتألم من جديدٍ ولن تشكو من سخونةٍ أو وجعٍ، وستعود بإذن كما كانت قبل أسرها بهية الطلعة سنية الهيئة، منيرة الوجه باسمة المحيا، حيوية مجدة قادرة، تخدم نفسها وتقوم على تربية أولادها، وستجدُ من شعبها كل الوفاء، ومن أهلها كل الحب، الذين ينتظرونها وأخواتها بكل الشوق، ويتهيأون لاستقبالها واخوانها بكل الفرح، فحتى هذا اليوم الموعود والعرس المشهود، ستبقى مشاعلنا متقدة، وهممنا عالية، وبيارقنا مرفوعة، وصوتنا مجلل وكلمتنا مدوية، فنحن جيل النصر وأبناء المقاومة.
 
بيروت في 14/4/2020

****

رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العدد 17 مارس 2020
https://fr.calameo.com/books/0062335944f419a9f59a7
‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 17 en 
format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :
https://fr.calameo.com/books/0062335944f419a9f59a7

*****
‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على الجمعة, 17 نيسان/أبريل 2020

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :