طباعة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

 

في ظل الأجواء الاحتفالية الإسرائيلية الكبرى بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن صفقة القرن، جال وزير حرب العدو نفتالي بينت على مسؤولي البنتاغون، والتقى كبار القادة العسكريين والأمنيين الأمريكيين المعنيين بمنطقة الشرق الأوسط، والمكلفين بمهامٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ فيها، وكان قد قرر زيارة واشنطن لتعزيز سياساته اليمينية والحصول على التأييد والمباركة الأمريكية لخطواته القادمة، المتعلقة بتطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن، والتجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، وتنفيذ أكبر وأوسع عملية هدم للمساكن والمنشآت الفلسطينية في المنطقة الثالثة المصنفة "C" وفق اتفاقيات أوسلو.

 

لكن وزير حرب العدو خصص جزءاً كبيراً من محادثاته مع المسؤولين الأمريكيين عن قطاع غزة، وسبل التعامل مع هذه المنطقة الملتهبة، في ظل تطوير البالونات الحارقة إلى بالوناتٍ مفخخةٍ، وعبواتٍ متفجرةٍ، ومسيراتٍ هوائيةٍ خطرةٍ، تزداد عدداً وتتنوع شكلاً، وتمتد شريطاً وتتغول عمقاً، مما شكل له تحدياً كبيراً مع مستوطني البلدات الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة، وألقى على كاهله عبئاً كبيراً وجديداً، لم يكن سابقوه في الكرياه يعانون منه، وهو الذي جاء إلى وزارة الحرب ليتخذ منها منصةً للانطلاق انتخابياً نحو ما هو أفضل له شخصياً ولتكتله اليميني الجديد، ولكن الواقع خيب آماله، والنتائج على الأرض قد صدمته وأفزعته.

لا يتمتع بينت بعلاقاتٍ خارجية جيدة، وليس له اتصالاتٌ دولية لافتة، منذ أن كان وزيراً للتعليم وحتى أصبح وزيراً للحرب، إلا أنه اعتمد على اللوبي الصهيوني في أمريكا لفتح قنوات اتصالٍ مع صناع القرار الأمريكي، ولقاء بعض المسؤولين المؤثرين في الإدارة الأمريكية، وكان قد حصل قبل زيارته على مباركة نتنياهو لجهوده الشخصية ونشاطه العام، بعد أن اطمئن الأخير إلى متانة التكتل اليميني الذي يرأسه بينت، وأنه سيكون قادراً على المنافسة ونيل أصواتٍ جديدةٍ في الانتخابات القادمة، ولهذا أطلق يد وزير حربه وسمح له بحرية التجوال واللقاء، آملاً منه بعض الحصاد الأمريكي الذي سيعود  فيئُه إليه شخصياً وحزبياً.

استجدى بينت من البنتاغون الأمريكي إلى جانب الاطمئنان على سياسته مع قطاع غزة، ومشاريعه في الضفة الغربية، مجموعةً من الطلبات والأماني، كان في مقدمتها السماح لوزارته ببيع المملكة العربية السعودية أسلحة ومعداتٍ عسكريةٍ، بما فيها صواريخ متطورة ومضادات صواريخ حديثة، والموافقة على مشاركة كيانه في أي مناوراتٍ أو تحالفاتٍ عسكرية مع دول المنطقة، وحث قيادة عمليات الجيش الأمريكي على مزيدٍ من التعاون الأمني والاستخباراتي مع السعودية في عملياتها العسكرية في اليمن، والتصدي لحملات منع تزويدها أو تحميل سفنها بمعداتٍ عسكرية في مرافئ ومدن عددٍ من الدول الأوروبية.

كما قدم إلى وزارة الدفاع الأمريكية طلباً بمواصلة تزويدها بقاذفات F35 المتطورة، وتعويضها عن الأضرار التي لحقت بالطائرات الحربية جراء العواصف القاسية التي شهدتها المنطقة، ومساعدة الجيش الإسرائيلي في توفير الميزانيات اللازمة لتطويره وتحسين أدائه، وتمويل مشترياته وتجهيز احتياجاته، وذلك في ظل الجمود الحكومي الذي أثر على عجلة الاقتصاد، وعطل إقرار الموازنة وصرف الأموال اللازمة للقطاعين العسكري والأمني، رغم التهديدات الخطيرة التي يخشى منها الجيش في الجبهة الشمالية، فضلاً عن التوتر الدائم في الجنوب مع حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية في القطاع.

أما إيران فإنها لم تغب عن محادثاته مع نظيره الأمريكي، فهي بالنسبة له ولكيانه الخطر الأكبر والعدو الأول، وهي التحدي الأشد والمواجهة الأقسى، لهذا كان طلبه المباشر ألا تعود الإدارة الأمريكية للتفاوض معها، وألا تتراجع أو تتهاون في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضدها، وأن تواصل سياستها المتشددة ضدها، وإلا فإنها ستتمكن في عضون أشهر معدودة من امتلاك القنبلة النووية، وأكد على أهمية تناسق العمليات العسكرية الأمريكية ضد الوجود الإيراني وأذرعه في العراق، على أن يتكفل جيشه بالأهداف نفسها في سوريا.

لم تحسن زيارة البنتاغون صورة نفتالي بينت بين قادة أركان الجيش في الكرياه، كما لم تجلب له الاحترام والتقدير الذي كان يتمناه لدى العديد من الشخصيات والقيادات الحزبية الإسرائيلية، وقد لا يتمكن من حصاد غراس زيارته وجنى محادثاته بيديه، فقد يخلفه آخر غيره وهو المتوقع أياً كان رئيس الحكومة، إذ لا تزال النخبة الإسرائيلية بكل مستوياتها السياسية والأمنية والعسكرية، والشعبية والإعلامية، ترى أن بينت وصولي متسلق، وكذابٌ متعود، ومهزوزٌ غير واثق، وأنانيٌ متكبر، ومغرورٌ متبختر، قليل الخبرة عديم الكفاءة، جاهلٌ في العسكر ومغمورٌ في الجيش، وأنه لولا حاجة نتنياهو إليه ما كان ليعينه وزيراً للحرب أو لغيرها، إذ لن تنسَ له سارة تطاوله عليها وإساءته إليها، ولكن الحاجة ألجأتهم إليه،  والمصلحة المشتركة جمعتهم به.

****

و كوشنير يعلنُ الحربَ ويقودُ المعركةَ 

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

هاله كثيراً ما تعرضت له صفقته المشينة من نقدٍ ومعارضة، وصدمه جداً الموقفُ الفلسطيني الموحدُ الرافضُ لها، وأخرجه عن طوره وسمته الهادئ الرقيق ثورةُ الشعب وعنفوانُ الأمة، فاحمرت حدُق عينيه واتسعت، وارتفع صوته واضطربت ملامحه، وتعثرت كلماته واختلطت عباراته، واهتز طوله وارتعش جسده، وبدا يترنح وكاد على الأرض يسقط، وهو الذي كان يتوقع أن تسير صفقته بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين كما تسير السكين في الزبد الطري، فلا تلقى معارضة ولا تتعرض لمقاومة، بل يَقبَلُ بها الفلسطينيون ويُقْبِلون عليها، بعد أن أضناهم التعبُ وأسهدهم الصبرُ، وأقنطهم الانتظارُ وأفقدهم العجزُ الأملَ، وعضهم الجوعُ بنابه، وعَلَّمَ على أجسادهم الحصارُ بسوطه، وأشعرتهم المواقفُ الرسميةُ العربية بالغربة والوحدة، وبالخوف والوحشة.

إلا أن حسابات كبير مستشاري الرئيس الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، والمهندس الأول لصفقة القرن، اليهودي جاريد كوشنير، قد أخطأت التقدير وجانبت الصواب، فخاب أمله وطاش سهمه ووقع في شر عمله، واصطدم بصخرة الشعب الفلسطيني الصماء وعزمه المضاء، الذي أعلن بكل أطيافه السياسية ومعتقداته الفكرية وانتماءاته الحزبية، ومن كل مناطق تواجده في الوطن والشتات، أنه يرفض صفقة القرن ولا يقبل بها، بل لا يعترف بوجودها ولا يسمح لنفسه بالتفكير فيها، ولا يرى أنها أساساً للحل أو منطلقاً للحوار وقاعدةً للتفاهم واللقاء، بل يعتبر أنها ولدت ميتةً ولن يكتب لها الحياةُ، شأنها شأن كل المبادرات السابقة والمشاريع المشابهة، التي طرحت لخدمة الكيان الصهيوني ومساعدته وتحقيق أهدافه وإنقاذه من أزماته، وتجاوزت حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه.

صدمت صلاةُ الفجرِ والحشودُ الشعبيةُ والعمليات الفرديةُ وأصواتُ السلطة الفلسطينية المعارضة لصفقة القرن جاريد كوشنير، وأغاضته كثيراً المبادرات الشبابية والفعاليات اليومية، وأزعجته عمليات الذئب المنفردة، التي انتشرت بسرعة وعمت المناطق المختلفة، وحركت الشباب بالقدوة والإيحاء، وبالغيرة والأسوة، فيما يشبه شرارة انتفاضةٍ جديدةٍ قد تعم الأراضي الفلسطينية كافةً، وتشغل جيش الاحتلال بمهامٍ جديدةٍ، وتلقى عليه مسؤولياتٍ كبيرة، تشبه إعادة احتلال الضفة الغربية بالكامل، وهو ما لا يقوى عليه الجيش وما يخاف منه، فالقيام بعملياتٍ أمنيةٍ ودورياتٍ عسكرية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، يختلف كلياً عن احتلال مدن الضفة الغربية وبلداتها، والنزول بالدبابات والعربات المصفحة إلى الشوارع والطرقات، فهذا الوضع سيكون مكلفاً عسكرياً وأمنياً واقتصادياً ومحرجاً سياسياً للكيان الصهيوني.

كأن كوشنير قد أدرك المطب الذي وقع فيه، والمأزق الذي وصل إليه، وأدرك أن القضية الفلسطينية ليست بالمسألة التي يستطيع حلها ببعض المذاكرة مع صديق العائلة القديم بنيامين نتنياهو، الذي يعيش أزمةً كبيرةً ويسعى للخلاص منها بكل السبل الممكنة والوسائل المتاحة، فعكف وإياه مع بعض المساعدين لهما على وضع التصورات الشيطانية ورسم الخطط البهلوانية، وتصميم الخرائط الفسيفسائية، ظناً منهما أنهما سينجحان في بضعة أيامٍ في طي قضية القرنين، وإسدال الستار على أم القضايا العربية والإسلامية، وشطب قضية فلسطين وإلغاء هويتها، وإعلان يهودية الدولة العبرية، وإضفاء الشرعية عليها، وتمكينها بالعيش الآمن في الأرض التي اغتصبتها، وبالحقوق التي صادرتها.

لكنه علم يقيناً أن علاج القضية الفلسطينية لا يكون بالأماني الشخصية والطموحات الدينية، ولا بالقدرات الذاتية والجهود الفردية، أو بعلاقات القرب والمصاهرة وروابط الدين والسياسة، ولا بعقلية الكابوي الأمريكية ولا بعنجهية ترامب وعنتريته، ولا بتغريداته العجيبة وتصريحات الغريبة، أو بوقفته المغرورة وقامته الراقصة المهزوزة، ونظرات عيونه الزائغة الحائرة وتصريحاته الساخرة، وأن فرض صفقته على الشعب الفلسطيني لا تكون بالتجويع والحصار، أو بالحرب والعدوان، فلجأ إلى التهديد والوعيد، والاتهام والتعريض، والتشويه والإساءة، والفتنة والتأليب، وكأنه يدق طبول الحرب ويطلق صافرة معركة إخضاع الشعب الفلسطيني وتركيعه، وكسر إرادته وتطويعه، ويمهد لعمليات تصفيةٍ وجرائم قتلٍ، ومحاولات تغييبٍ وتغييرٍ في الوجوه والشخصيات، عله يجد من يتعاون معه ويتآمر وإياه، ويقبل عرضه ويوافق على صفقته.

غرٌ هو كوشنير، قليل الخبرة ضحل التجربة، جاهلٌ لم يقرأ التاريخ، وأميٌ لم يدرك تجارب الشعوب، وسفيهٌ لا يعرف الكرامة ولا يقدر معنى الوطن، يظن أن الشعب الفلسطيني يقف متسولاً على بابه، ينتظر منه إحسانه وفتاته، ويقبل منه عطاءه وفضله، وما علم أن الشعب الفلسطيني ومن خلفه الأمة العربية والإسلامية، تقف صفاً واحداً من أجل فلسطين وقدسها، تضحي في سبيلها، وتفدي القدس والأقصى بأرواحها، وتقاتل لتحريرها واستعادتها حتى آخر قطرة من دمها، وهم على يقينٍ بالله ربهم وعليه يتوكلون، أن فلسطين لهم والقدس ستعود إليهم، كما حيفا والجليل واللد والرملة وكل أرض فلسطين التاريخية، من بحرها إلى نهرها، وسترتفع فوق تلالها أعلام فلسطين الحرة المجيدة، وسيصدح أقصاها ومساجدها بنداء الله أكبر، وستدق كنائسها أجراس العودة، وسنردد جميعاً في رحاب المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة ترانيم النصر  وآيات الشكر.

بيروت في 8/2/2020

 

****

روابط لتحميل الملحق الشهري العدد 15 ديسمبر2020
https://pdf.lu/3Rba

https://www.fichier-pdf.fr/2020/02/09/------15-2020/

Fichier PDF ‎⁨ « ملحق الفيصل الشهري العد15جانفي 2020 »⁩.pdf

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
‎لتحميل الملحق الشهري العدد 15 ديسمبر 2020
‎و مشاركته عبر التويتر أو الرسائل القصيرة هذا الرابط الخاص:
https://pdf.lu/3Rba

‎المسنجر و البريد الإلكتروني و واتس آب استعملوا هذا الرابط :
https://www.fichier-pdf.fr/2020/02/09/------15-2020/

‎لمشاركته على موقع أو مدونة يجب نسخ هذا الرابط و لصقه على محرك البحث:

Pour télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 14 en
format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :
*****
‏: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
@elfaycalnews

: journalelfaycal
‎ـ أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of
freedom of expression and justice click on this
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على الثلاثاء, 11 شباط/فبراير 2020

وسائط