طباعة

ـ نور عبد الرحمان | العراق

 

والغروب يسكب في صدى الوجدان …أناشيد الفراق


‎تنزلق من كشكول الأيام كلماتي ،تتسكع فتهبط حيث بيت قديم، اشتراه جارنا المزمن وأقام فيه منذ زمن ليس بالبعيد ، الفضاء حولي يردد أبي .. أبي
‎وأنا أبحث عنه منذ أسقطني" الغستابو" أرضا طالما بكيت كتف أبي الذي اقتيد إلى جهة مجهولة ، حيث ماء الاسيد بطل المشهد هناك ، استعطف السماء موتاً رحيماً
‎يركض ظلي هارباً ، أبحث عن جدار عفيف ألفظ أنفاس أيامي عليه، أقرا الشهادتين وامضي .
‎ وقفت أمام هذه الدار ، وثب ظلي تسلق الحيطان ، انتصب على الشرفات .. سرق تعويذات أمي المخبأة بين أوراق اللبلاب ،أعادها لي الريح عمياء تتعثر بثوبي و الجدران تعرفني ، أتشبث بها ، فيها الكثير مني ، وفي لحظات خوفي أرى سجادة صلاة أبي كوشم محفور ، تثير شجوني .. دميتي وفروضي المدرسية في حقيبة ثبتتها أصابع أبي على مسند خشبي عدت أطمئن عليها أما تزال عالقة ؟
‎عجلة أخي الصغير أصواتها تثير الضجيج حولي ودعوات أمي للغداء ،إخوتي فرقتهم الديار ، يلتفون اليوم حولي يشاكسونني ، مواء قطتي المسكينة وهي تبحث عن ملاذٍ آمناً لها لولادة مرغمة ،عيناها الجائعتين .
‎..آه منك يا ذاكرة عيني ..
‎كل شيء يتوارى خجلا متستّر أمام جدران ماثلة كما ضمير حي.
‎ لا يغادرك ولا يعرف أن ينام .
‎- عيون أبي ترقبني مرددة أنا الحياة والحياة ها هنا ، والجدران تقف في تباهي
‎ما حال جريكم بعيدا عن اأسواري ؟
‎سفر متعب طويل وعالم يثير الشفقة ،
‎أسمع انين شجرة التين وهي تنعى بلبلها الغريد غادرها مع من غادر منا وضيعته زحمة الحياة . الكروم يعاتب الفصول وهو يرى جفاف دواليه والجدران لسانها يندلق كأنها محكمة تقاضي زمناً أراد لها السقوط والإندثار، كلما تسمرتُ أمامها ألقي التحية ، أسامرها وتسامرني أحبها وخجل عينيها .
‎أمام مخاص أمي بي وولوجي دنيا هزيلة واهنة بدت فيها كما سجن وعندها ،أبي
‎يصارع الحياة يصلي لأجلي ويبتهل الى الله كي يطلق سراحي ، ‏يحمل الشموع بأصابع اقتلع الغستابو ‏أظفارها، فتكتبه الدموع مرثيةً .
‎كم يبدوا غريبا حين تمتد لي أذرع لها مقابض تلتقطني وتحملني اليوم كما اكتاف أبي تؤازرني ، ‏
‎وهي تنفد إلى صميم قلبي وروحي كلما وضعت الحياة سيفها المصلت فوق رأسي
‎أسامرها وتسامرني وكأني مغروسة هنا أنا أسيرة أقدامي ، دنت مني بعض نسمات لطاف هبت على أوراق الاشجار الحزينة داخل أسوار البيت بعد أن أصابها العقم لا زالت تحن إلى يد غارسها كما أنا ، تلك النسمات أصابتني بإنتعاش لقد بدت وقودا لأيامي المعطبة .
‎ رحم ..لا أريد لأيامي أن تحيا بعيدا عنه وكل يوم لها ولادة جديدة في الوجدان
‎ومنذ هجرتها ، بات شيء في العمر يبتر الأيام بترا ، بابها لم يقف ليسألني من أنت؟
‎ربما كان يعرف اني احتفظ بكلمة السر ويسالني اصحاب الدار دون شفقة من أنت؟
‎ماذا تريدين ؟
‎لا شيء سوي هنا رأسي يريد أن يلقي بثقله على هذه الجدران ، إنها يا أحباب مباركة ، بابها نعيم تركني منذ زمن .
‎فيها أكف أبي وعرق البناء ، جهده ، روحه، كفاحه ،نضاله ، شجاعته عيناه الدامعتين ورائحة جلبابه .
‎إنها صولجان حق ورائحة وطن لا تعرف الموت وليس لها جنازة ولا يحملها نعش
‎لقد كان هذا البيت بيت أبي .

****

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:
‏: https://www.facebook.com/khelfaoui2/


- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce lien:

آخر تعديل على السبت, 20 كانون2/يناير 2018

وسائط