طباعة

‫ـ أعزائي القراء في كل مكان ، في أوروبا ، في العالم العربي و باقي أنحاء العالم.. عنوان صحيفتكم " الفيصل" لم يأتي بالصدفة أو كان اختيارا عشوائيا ، و إنما هي فكرة راودتني منذ وقت طويل. ‬
‫قبل السبعينيات ، و قبل حرب "أكتوبر١٩٧٣" التي شنتها مصر و سوريا على إسرائيل . كان ملكا عربيا يُدعى بـ " الملك فيصل بن عيد العزيز" ‬على ضوء ظروف عصيبة و كارثية بالنسبة للكيان العربي الذي صار تحت وطأة استيطان الكيان الصهيوني الإسرائيلي بمساعدة إمريكية غربية لا مثيل لها ..

مواقف الملك فيصل القومية و شجاعته في مساندة القضيايا المشتركة عربيا و الفلسطينية كقضية محورية في النزاع العربي الصهيوني جعلت منه شخصية محبوبة نالت استعطاف الجماهير العربية المغلوبة على أمرها. و عند اشتداد العدوان العسكري على الشعب الفلسطيني و عمليات تهديم و تدنيس و تهويد المقدسات الإسلامية العربية في القدس بمساعدات إمريكية غربية و فشل كل المساعي المصرية العربية و الأطراف الأخرى في الوصول إلى اتفاقات هدنة و وقف العدوان الإسرائيلي ، قرّر في ١٥ أكتوبر ١٩٧٣ "الملك فيصل" و شركائه من منظمة الدول العربية المنتجة للخام في استعمال النفط كسلاح ثاني إلى جانب المقاومة المسلحة ضد العدوان الإسرائيلي نظرا للتحالف غير المشروط الغربي الإمريكي، مع خفض نسبة الإنتاج و رفع الأسعار. و منه دخل العالم الغربي بعد الشروع في تطبيق هذا القرار السيادي من حرمان دول الغربية من النفط العربي في أزمة عالمية لا مثيل لها ! هي حلقة من حلقات تاريخنا العربي المتخم بالنكسات و الإنهزامات و الصراعات التي طالما انتهت بالخيانات من طرف " أهل البيت" بتحريض العدو الخارجي! عموما كان لمواقف هذا الرجل و هذا الملك الذي لم يغتر بملكه و أنه بفضل استماته في مواقفه من أجل أن تبقى أرض العرب بعيدة عن دنس الاستعمار و الوصاية الغربية ! فتكاثرت في فترته ظاهرة تسمية " المواليد الذكران الجدد " في الأسر العربية بـ " فيصل " تبركا و افتخارا و انتماءً إلى شخصية لطالما كانت قريبة من الهمّ العربي و المخيلة الجماعية لشعوبها ؛ و خصوصا بعد فاجعة اغتياله في ٢٥ أكتوبر ١٩٧٥من قبل ابن أخيه "الأمير فيصل بن مساعد بن عيد العزيز آل سعود "، قيل بتحريض و بتكليف من إمريكا ، علما أن " القاتل هو من آل سعود، كان يعيش مع مواطنة إمريكية .!!!

عندما ولدتُ أنا في عام ١٩٧١ ، و كان والدي مهاجرا يعيش في فرنسا لوحده
أُهملت مسألة تسجيلي لدى مصالح الأحوال المدنية ، كأن ميلادي لم يكن حدثا مهما ، ما عدا تلقيبي بـ " فيصل" من طرف والدتي .. و تمادى هذا النسيان في تسجيلي مدة سنة كاملة، إلى أن قرّر عمي الأكبر ـ لا أن يقتلني و يوئدني ـ بل تسجيلي أخيرا لدي مصالح الحالة المدنية ، فطلبت منه أُمي ألا ينسى بتدوين إسمي بشكل صحيح " فيصل" ، فبالطبع رأي الرجال في المجتمع البدوي هو الذي يسود فوق رأي " الوالدات و المرضعات"، و بالتالي أصرّ على تلقيبي بـ " الأخضر" نسبة إلى عمّي الذي استهد و أُغتيل بعد ملاحقته في حقول قمحه في باديتنا غداة الحرب التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي.. عّمي " إبراهيم " المعلّم المعروف في ضيعتنا و كفيلنا بعد أبي الغائب في المهجر ، متعصّب لتاريخ شقيقه " لخضر " ؛ الذي أزهقت روحه غدرا و هدرا من طرف عدو الخارج في سبيل الدفاع عن أرض مغتصبة ، و تسميتي بـ " الأخضر " لها رمزيتها العظمى لديه و لدى والدي و لا تعنيه قصة و رمزية " فيصل" الملك الذي اغتالته أيادٍ شقيقة من الداخل و في عقر داره و بيته ! أما أُمي كانت لا تعنيها كثيرا قصة عمّى " الأخضر " المُغتال من قبل فرنسا في سبيل تحرير الجزائر؛ من غير أن تكون تعلم بالضرورة فقد كانت أولويتها قومية عربية ، فهي أكثر رمزياتها القومية النضالية البسيطة أهمية في إعطائي اسم " فيصل" ؛ لكن تجري الرّياح بما لا تشتهي الأمهات، و مجبَرةٌ أمُّكَ لا بطلة …! و كانت الغلبة في النهاية للرأي المفروض من قبل رجل وصي على رغبة والدة في اختيار " إسم لمولودها و رضيعها بكل حرية "، و كان آخر كلامه لأُمي : " أنا أسجله باسم ـ الأخضر ـ و كُنّيه بـ فيصل أو الأخضر .. عموما كما يحلو لكِ !" .. و هكذا تمّ اختيار اسمي الرسمي على أساس" لخضر و سُجلتُ و شقيقي " عادل " مباشرة بعد ميلاده ، و هو كذلك فُرض عليه اسم " عُمرْ" عوض أمنية أمي المتمثلة في اسم " عادل" ، عموما أخي لم يخسر كثيرا في مسألة اختيار الاسم المدني ، فـ ( عمر) يتلاءم مع ذكر الخليفة عمر المختار ، الملقب بـ "الفاروق " الـ ( عادل) و عادل يرادف " فيصل" ! كأن أمي التي كانت أمية تَدَّعي أمّيتها ؛ و هي في الحقيقة نيّرة الفكر و قد تكون وقتها متأثرة بالأفكار الثورية العادلة ! عموما لم نسلم ( أنا و أخي ) من تسجيلنا المُتأخّر في سجل الأحوال المدنية للمواليد لكن ذلك الخاص ( بالمنسيين!!!). قديما ، كانت ظاهرة عملية نسيان أو اهمال تسجيل المواليد الجدد جد منتشرة في المحيط الريفي البدوي ! .. و مع ذلك ، و منذ ذلك الوقت و الكل من الأهل و الأقارب و الأصدقاء لا يتفوهون باسم آخر عدا " فيصل" ! عندما دخلتُ المدرسة بدأت الأمور تتغيّر ، فاسم الشهيد " لخضر " يعود باستمرار في القسم و في ساحة اللعب للمدرسة و حتى في حيِّنا من طرف الأساتذة و بعض الزملاء و الأصدقاء ، و انشطرتُ أنا بين إسمين عَلَمَينْ مفردين غير مركَّبَينْ.. بين حزبين من الناس ؛ حزب يناديني بـ " فيصل " و حزب آخر بـ " لخضر" ، و ما عليّ إلا أن أُجيب النداء و لا " أطنّش أبدا" حسب تعبير إخواننا في مصر! عموما كادت مسألة اختيار اسمي في سجل الأحوال المدنية أن تتحوّل إلى قضية دولية جهوية بين عشيرة والدي و نظيرتها التابعة لوالدتي ! كم تمنيتُ أن الله منحني معجزة النطق في المهد كالممسيح عليه السلام ؛ لما تركتهم يتلاعبون بكل ديكتاتورية و اجحاف عن ( جهالة) في اختيار و تسجيل اسمي لدي مصالح الحالة المدنية و لأخترت بنفسي اسم ( الأخصل) يجمع ـ الأخضر و الفيصل ـ في كلمة واحدة و يرضي الجميع على " قياس " حادثة وضع الحجر الأسود" في البقاع المقدسة أثناء الحقبة الجاهلية .. و في حالة ما رأيت اشتداد وطيس النزاع حول الاسم ؛ أطلب من الله أن يُعيدني إلى " العدم" حتى لا أشهد ما سأشاهده فيما بعد من مظالم و عِوج الناس في هذه الدنيا!
‫"‬ الفيصل" أبيتُ أو شئتُ صار نظام سلوكي في كل شيء و روحه تتقوى بروح الشهيد " الأخضر" ، رغم أني لم استطع إرضاء الإثنين ، إلا أنني استطعت أن أجعلهما يتعايشان معا و لمِّهُمَا تحت راية واحدة مشتركة ، نصرة الحق ( بالإمكانيات المتاحة ) أينما كان ، و الوقوف إلى جانب المظلومين و المقهورين أينما وجدوا .. و مناهضة الفساد بكل أشكاله ؛ رغم أننا نعلم بوجود " الرصاصات الطائشة ، و الصديقة " و " الخناجر العدوة ، و الضالة " ، فما جدوى أن نعيش تحت سطوة النفاق و الخوف من قول القول " الفيصل" ؟

-  لخضر ( فيصل) خلفاوي | باريس

آخر تعديل على السبت, 31 كانون1/ديسمبر 2016

وسائط