wrapper

الجمعة 26 أبريل 2024

مختصرات :

بقلم: سماح خليفة | فلسطين

 

عندما تقرأ لفراس حج محمد؛ فاعلم أنك أمام "فخ" لغوي ودلالي، فاحذر أن تقع في الفخ....

"ما يشبه الرثاء" ذكرني بكتابَي فراس "كأنها نصف الحقيقة"، و"يوميات كاتب يُدعى x"، مع الفرق شعرا ونثرا وتميُّز "ما يشبه الرثاء" بالمستوى اللغوي والدلالي عن سابقيه.

في كتابه "كأنها نصف الحقيقة"، وجدت الحقيقة كاملة، وفي يوميات كاتب يدعى x "، كان الكاتب علَما بارزا.

 

فراس لديه من فراسة اللغة ودلالتها ما جعله يتألق ككاتب وشاعر وخاصة في ديوان "ما يشبه الرثاء"، وجعله أيضا يرتفع بمستوى قرائه؛ فبعد أن كان كثير من قرائه يقعون في فخاخه ويكتفون بوجه الماء كمرآة تعكس مكنون البحر، أصبحوا في ما بعد يغوصون في الأعماق؛ ليقينهم بأن ما أمامهم ليس سرابا، بل بحر لجيّ عميق يتطلب خبرة في الغوص واكتشاف مكنونات هذا البحر القيّمة.

لم أجد في "ما يشبه الرثاء" ما يستحق التركيز على كلمة "الرثاء" في دلالتها الحقيقية، رغم وجود بعض القصائد التي تنزف وجعًا وتتوارى في غياهب الحزن والظلم، لأن الشاعر في كل مرة يقترب فيها من الفناء من العدم، يستفيق بالفطرة؛ لينفض عنه غبار الموت وينتصر للحياة من جديد، وهكذا يراود الحياة عن نفسه فالموت فالحياة، حالة بين بين، يتأرجح بين ضمير الأنا والأنت في القصيدة، والتي وردت على سبيل المثال خمس مرات في مقطع واحد. هو الصراع من أجل البقاء من أجل الانتصار للحياة التي تخضر رغمًا عنه في قلبه، رغم حيادية الجسد الظاهرة، كما أورد "يورق الحزن" في قصائده.

كان الشاعر في هذا الديوان بين الرثاء والثناء، بين الفرح والحزن، بين الألق والتواضع، بين الحب والفقد،  بين الحياة والموت، إلا أنني وجدت الأمل ينتصر دائما في النهاية، وهذا هو فراس يجلد ذاته ويقدرها في نفس الوقت، هو يحاول الرثاء فلا ينجح ص22 (المجد للذات الشقية كلما تذوي تجد الولادة في الكلام!)، وفي الولادة تتجدد الحياة،  ص27 (تنمو وتفرح من جديد...البحر يغسلها...تصحو غدا إذا ما هزها الوجع المجيد) الأمل، الفرح، يغسل، تصحو، هزّ، المجيد...كلمات إيجابية  طغت على الوجع، ص9 (يا ليتني وقصيدتي كنا حجر...وفؤاد طيري من حجر... لعرفت ساعتها بأني أشعر الشعراء وأندى من حضر...لكني ما كنت إلا مثلهم عراب أحلام الضجر)، تبقى "ليت" لتبقى قصيدة الشاعر وقلبه ينبضان،  وهذا يفسر التقاء الضدية في كلمتي "حجر، الضجر" و"أندى، أحلام".

 وفي "ما يشبه الرثاء" كان هناك بعض المحطات أو بعض الفخاخ التي وقع القارئ فيها مما حجب عنه جماليات الديوان.

 الجنس الذي اعتبره البعض "مقززا خارجاً عن الأدب"، هو جزء من الفخ الذي تعمده الشاعر والذي أغرق البعض في ضبابية اللغة والدلالة وجعلهم يَرْثون الشاعر في واقع الحال، ويصرفون النظر عن مكنونات الديوان الثمينة، والتي أيضا كانت على حساب المرأة من وجهة نظر البعض، ففراس يعيش في برزخ اللغة والفلسفة، أنصف اللغة في كتاباته ولم ينصف المرأة في لغته لقارئ ربما يأخذ الأمور بسطحية، كما في نصه ص126 "صف من النسوان"، لكني أجده يصور الأمور من زاوية أبعد، من زاوية المشاهد المنخرط في المجتمع الواقعي. فراس هو شاعر لا يبوح إلا بصوت مسموع، على عكس الشعراء الذين ينحتون اللفظ والمشاهد ويجملون ويؤنقون؛ ليبقوا في برزخهم العاجي، وهذا الكلام يخالفه الكثيرون، ولكن هذا هو فراس تمردت الكلمات على لسانه وقلبه وجوارحه وحتى جسده حتى نبتت لها أجنحة وحلقت دون رقيب.

 أما عدا المرأة فنجد محطات كثيرة تستحق الوقوف (تعب على تعب مركب)  ص159، هو بذلك يتذوق التعب  في المرحلة الحرجة بين شفير الواقع وبرزخ اللا احتمال، وهذا يبدو حصيلة ما يواجهه الشاعر والكاتب والنبي وصاحب الكلمة الحرة من تنمر في مجتمع يبدل الحقائق ويفسرها حسب الأهواء والمصالح حتى تتشوه الصور، وهذا ما كان في قصيدة "لم يعد أحد بريئا" ص 85، يوسف هنا هو صورة كل مضطهد مظلوم تعرض للتنمر من القوى المحيطة حتى أظهرته بمظهر (هذا اليوسف الباغي وهذا ما صنعت يداه) وشخصيا وجدت هذا التنمر شبيها بما تعرض له الشاعر فراس من تنمر، وأذكر قول  أحدهم عنه وقتها "خليه مستاهل من صنع إيده" 

حتى القصيدة التي جاءت بعنوان صريح "رثاء"، في الجملة التي كررها (قولي له قد مات)، لم يورد في القصيدة سببا واحدا مأساويا أو سوداويا يبرر فكرة الموت، بل كل حدث أو صورة أوردها كانت جميلة، وتكراره لعبارة (قولي له قد مات) دليل تمسكه بالحياة، وكأني به يقول: أنا ما مت، وهذه  إيجابية مشرقة، ويعود في نهاية النص يقول (يا ليته ما مات) وهنا إشارة حقيقية لتشبث "أنا" الشاعر بالحياة الفعلية والموت الإبداعي لدى الشاعر. 

يشير فراس إلى القمع الممارس على الكتاب والشعراء وعلى حرية الكلمة بشكل عام سواء من السلطة أو من موروثات الأهل ص27 (الناس عند زهورها تستأذن الجلاد كي تنمو وتفرح من جديد)، ص8 (وأتيتكم أبكي عليّ/عليكم وعلى كل الحروف النازفات بروح أغنية الشعوب المستريحة في مسالخها.. وأتيتكم لأقول لكم... الغول قد أكل الكلام وسد حلق المنشدين)،  ص11 (نحو أمٍ مثل شيخ عشيرة تلقي الأوامر... ونحن نبحث عن مراهقة تحب بلا حساب... مثل رائحة السنين المستبد... تاريخ الحروف العفنة!)

ونجد فراس في بعض النصوص يعود بجلد ذاته ص87 (يا أنّتي انتقمي مني كثيرا....)  ص17 (هو هكذا شبح يعيش بلا جسد)، ص34 (الشعر لا يشفع لي لأكون حبيبا علنيا... كيف سأظهر معها وأنا أعاني ما أعاني من عرج ونحول وشيب...)، ص86 قصيدته "منتهي الصلاحية".  لكن تراه كطائر العنقاء ينهض من جديد في نص آخر، كما في قصيدته ص149 "خطبة الدكتاتور"، هذه القصيدة الطافحة بالوجع لا يستطيع في نهايتها إلا ان ينتصر للحياة بعبارته (ينهض كالفراشة حاملا مني نطفة لن تموت).

والسؤال الملح: أي إبداع هذا الذي يولده الحزن؟!! ص94 وقصيدة "سورة الزمن الحزين" وغيرها من قصائد تلح على الدارس أن يتناول كل قصيدة على حدة لدراستها والنهل من جمالياتها الإبداعية.

أي حزن يستظل بموت وهمي؛ ليأبى الموت الحقيقي لقلب فلسطين القدس، ص118 القدس (المدينة لا تموت).

أي حزن وألم يتماهى مع الفقراء المتعبين؛ ليبدع في صوره الفنية ص120 (كل المسافرين إلى المدينة يسيرون إلى الهباء تطحنهم عجلات اقتصاد السوق).

أوجعتنا يا فراس وأمتعتنا، أمتّنا وأحييتنا، كسرت قلوبنا ثم أنبت لها أجنحة؛ لتحلق من جديد....

هذا الشاعر الذي كلما زاد وجعه زاد إبداعه وتمسكه بالحياة، لا نستطيع إلا أن نتمنى لقلبه الحياة، ولروحه التحليق، ولقلمه النزف أكثر وأكثر وأكثر...

الديوان يقع في 194 صفحة من القطع المتوسط، صادر عن دار طباق للنشر والتوزيع.

****

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة 

لتحميل الملحق الشهري العدد 13 نوفمبر  2019

و مشاركته عبر التويتر أو الرسائل القصيرة هذا الرابط الخاص:

https://pdf.lu/Efv0

المسنجر و البريد الإلكتروني  و واتس آب  استعملوا هذا الرابط :

https://www.fichier-pdf.fr/2019/12/06/-2222----2019--13/

لمشاركته على موقع أو مدونة يجب نسخ هذا الرابط و لصقه على محرك البحث:

<a href="https://www.fichier-pdf.fr/2019/12/06/-2222----2019--13/">Fichier PDF ملحق %22الفيصل%22 الشهري ـ نوفمبر 2019ـ عدد 13.pdf</a>

Pour télécharger le supplément  mensuel de "elfaycal.com" numéro 13 en format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على الثلاثاء, 10 كانون1/ديسمبر 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :