" كنت أحس إحساسا عميقا بأن أعلى ذروة يمكن أن يبلغها الإنسان ليست هي المعرفة، ولا الفضيلة، ولا الطيبة، ولا النصر،بل شيء أكبر، وأكبر بطولة، وأشد يأسا : الرعب المقدس ". هل هذا ماوصل إليه زوربا اليوناني في نهاية المطاف بعد حياة حافلة بالمغامرات القاتلة والتجارب المفزعة في الحياة ؟ هنا فقط في هذه اللحظة يصرخ زوربا ويضرب القفص بقبضته وينتظر جوابا شافيا من صديقه المثقف قسطندي الذي قرأ الأطنان من الأوراق، وهل بواسطة هذه الأطنان سيستطيع أن يجيبه عن سؤاله المثير للجدل وهو : من أين نأتي وإلى أين نذهب ؟
نيكوس كازانتزاكيس، هذا المثقف والسياسي والروائي صاحب رواية " زوربا اليوناني " والذي حاول من خلال هذه الرواية أن يطرح العديد من الأسئلة الوجودية، من خلال شخصية متميزة متمردة على كل شيء إلا على حب الحياة والنساء والخمر والموسيقى، إنه ألكسيس زوربا الذي كان يردد طيلة أحداث الرواية مقولته الشهيرة : " ليس للحم طعم إلا إذا كان مسروقا ".
زوربا اللص، السارق لكل لحظة جميلة، إنه النبي الجديد الذي يدعوا لاقتناص الفرصة في هذه الحياة المرعبة من أجل أن يرقص مع امرأة جديدة، إنه يدعونا جميعا من أجل الرقص، ولهذا فهو لايفارق " السانتوري " وهي آلة عزف قديمة والتي لم تفارقه يوما منذ أن تعلمها وهو في سن العشرين، يعزف بها كلما ضاق به الحال، أو يكسب بها قوته عندما يشتد به الجوع.
إنه زوربا الثائر على كل شيء في هذه القرية المسماة " كريت "، يمكن أن نلتقي معه في العديد من المحطات، إنه يتكلم أحيانا، ويرقص كثيرا، وينتقد في الغالب عندما يشعر بالعجز، ويصرخ دائما عندما تقتضي اللحظة الصراخ... وهل فعلا الثورة يمكن أن تتحقق بالصراخ ؟ وماذا يمكن أن تُحِققَ هذه الثورة في نهاية المطاف ؟
هاهو زوربا أخيرا يتذكر ويحكي لصديقه المثقف كيف أن الثورة وجميع أعضائها من الثوار قاموا بالسلب والنهب والقتل، كل ذلك من أجل حرية بلدهم " كريت " وهنا يسأل سؤالا محرجا، متهكما لصديقه بالقول : هل كل من يسعى للحرية عليه أن يقوم بالقتل أوالسلب أو النهب ؟
وهنا لم ينتظر صديقه المثقف طويلا ليجيبه عن سؤاله، وهذا يحيلنا على نقطة بالغة في الأهمية، وهي دور المثقف الحقيقي في الإجابة على الأسئلة التي تقلق بال الأفراد الباحثين عن الطريق، طريق الخلاص من بطش الديكتاتور.
وعلى الفور أجابه قسطندي الرجل المثقف قائلا له : وكيف تنبت الزهرة في الوحل وروث البهائم ؟
لعل الروث هوالإنسان يازوربا، وأن الزهرة هي الحرية. وماهي إلا لحظات وقد نزلت قبضة يده على المائدة وقسمتها إلى نصفين وهو يصرخ : وأين البذرة ؟
فقال قسطندي : لا أعلم... فسأله زوربا مستغربا : ومن يعلم إذن ؟؟
فأجابه دون تردد : لا أحد ..لا أحد..
أمام هذا الجواب الصريح من طرف قسطندي الرجل المثقف يضعنا، الكاتب نيكولاس كازانتزاكيس أمام إشكال خطير وهو: لماذا المثقف لايجيب على كل الأسئلة ؟ هل السبب بسبب محدودية معرفته أو بسبب خوفه ؟
وهنا سنجد الجواب، على لسان زوربا، في إحدى المحاورات الساخنة مع صديقه قسطندي قائلا له : دع الناس مطمئنين أيها الرئيس، لاتفتح أعينهم، إذا فتحت أعينهم فما الذي سيرون ؟ قل لي ماذا سيرون أيها الرئيس ؟
لاشك سيرون بؤسهم... دعهم إذن مستمرين في أحلامهم ...
هاهو زوربا الرحيم، يخفف الوطء، عن صديقه المثقف، هاهو يعفيه من تحمل المسؤولية التاريخية، هاهو يطلب منه أن يعطي الظهر للآلام، للفظاعات، هاهو يتوسل إليه ألا يوقظ نيران الحقيقة، حقيقة البؤس الكبير، حقيقة الموت الكبير الذي يسكن روح الناس ...
إن زوربا يعرف جيدا وهو الرجل الذي كان يعيش مع الناس، كان قريبا منهم، يعرف كذبهم وضعفهم وجهلهم وفشلهم في اختيار حياة حقيقية، في اختيار بطل حقيقي، كان يعرف تفرقتهم الحادة، احتقارهم للمرأة، للجمال، للكرامة، للصداقة مع دواتهم، للصداقة مع دفء بيوتهم، بل أكثر من ذلك فقد كان يعرف حق المعرفة أنهم يعرضون بيوتهم للبيع ليلا ويغادرون إلى أين ؟
كان زوربا وهو الخبير بأحوال الناس يعرف جيدا، أن الناس لا تحتاج إلى نبي، لأنه كان متأكدا أن أكبر نبي لايمكنه أن يعطي للبشر إلا كلمة أمر، وكلما كانت كلمة الأمر هذه غير دقيقة كان النبي أعظم . فلهذا كان زوربا كلما اشتد به الحال، يخرج في الليل وينظر إلى النجوم ويبدأ يتذكر أيامه مع عشيقة من عشيقاته الجميلات والمثيرات، وكان يتذكر كل التفاصيل، بل أدق التفاصيل، فيبدأ بشرب خمرته المفضلة، فيسافر بخياله بعيدا، وماهي إلا لحظات، فينهض ويخرج السانتوري، ويبدأ في العزف، وهو يتذكر لحظات كان يقبل فيها حبيبته قرب الشاطئ، وهو يردد مع نفسه قائلا : " ليست هناك أية لذة في التقبيل عندما يكون القديسون محدقين بك، مانحين لك البركة "، فيرتفع صوت الموسيقى إلى الأعلى، إلى الأعلى، فيشعر بالسلام، الذي كان ينشده طيلة حياته.
كاتب وناقد مغربي
****
روابط لتحميل الملحق الشهري العدد 14 ديسمبر 2019
https://www.fichier-pdf.fr/2020/01/02/----14--2019/
<a href="/https://www.fichier-pdf.fr/2020/01/02/----14--2019/">Fichier PDF ملحق الفيصل الشهري العدد14ـ ديسمبر 2019 ».pdf</a>
طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
لتحميل الملحق الشهري العدد 14 ديسمبر 2019
و مشاركته عبر التويتر أو الرسائل القصيرة هذا الرابط الخاص:
المسنجر و البريد الإلكتروني و واتس آب استعملوا هذا الرابط :
https://www.fichier-pdf.fr/2020/01/02/----14--2019/
لمشاركته على موقع أو مدونة يجب نسخ هذا الرابط و لصقه على محرك البحث:
Pour télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 14 en
format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :
*****
: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
@elfaycalnews
: journalelfaycal
ـ أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of
freedom of expression and justice click on this
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون2/يناير 2020