wrapper

الجمعة 17 ماي 2024

مختصرات :

*بقلم: د.عبير عبد الرحمن ثابت

‎تحصد قطر اليوم ما زرعته عبر ما يزيد عن عشرين عام من السياسات التي لا يمكن وصفها على الإطلاق بالحكيمة، فعبر العقدين الماضيين اختارت الإمارة لعب الدور الوظيفي المرسوم لها وانتهجت سياسة اللعب على التناقضات؛ بداية من التناقضات داخل العائلة الحاكمة

مروراً بالتناقضات داخل مجلس التعاون الخليجى وصولاً إلى التناقضات داخل منطقة الشرق الأوسط وحتى التناقضات في السياسة الدولية، فمنذ أن اعتلى الأمير السابق حمد سدة الحكم بانقلاب أبيض على أبيه في سابقة تتنافى مع العرف السائد في منطقة الخليج بدأت السياسة القطرية تلك في الظهور؛ حيث حدث الانقسام بين أفراد الأسرة الحاكمة من أبناء الأمير المعزول بين مؤيد ومعارض لما حدث، لكن النظام الجديد الذي بدا فاقداً لأي شرعية محلية أو خليجية أدرك على ما يبدو أن كلمة السر في بقاءه واستمراره لم تعد الشرعية التي لم يعد بالإمكان الحصول عليها فأراد متوهماً الاستعاضة عنها بدور مؤثر في القضايا الخارجية للمنطقة والإقليم، ورغم أن الإمارة لا تمتلك القوة الصلبة للعب هذا الدور إلا أنها أدركت باكراً أن بإمكانها استثمار قدراتها الاقتصادية الضخمة في إيجاد قوة مرنة أو ناعمة للإمارة يكون بمقدورها تعويض انعدام تلك الصلبة وهو ما كان، فتحولت الدوحة منذ العام 1995 وحتى مطلع الألفية الثانية لحجيج جُل المثقفين والمفكرين العرب والعجم وحظي غالبيتهم بلقاء أميري واستخدمت قناة الجزيرة كواجهة لتحويل الإمارة كبؤرة إشعاع ثقافي ولكن بالطبع نحو الخارج، ولعبت الجزيرة في حينه الدور بحرفية وموضوعية منقطعة النظير وتحولت لمنتدى ثقافي وسياسي لكل المفكرين والمعارضين والمضطهدين في العالم العربي الذين وجدوا في القناة منبراً لإيصال أصواتهم لشعوبهم وللعالم وبما أن قطر ليست واحة للديمقراطية أو التعددية الثقافية الليبرالية وهى ليست الهايد بارك؛ عليه فإن تواجد أولئك المعارضين ليصل صوتهم لشعوبهم والعالم فقط؛ وتمكنت قطر نسج شبكة من العلاقات الوثيقة المدعمة مالياً وإعلامياً بمعظم حركات المعارضة في العالم العربي وفى مقدمتها حركات الإسلام السياسي التي تعد نظيراً أو مرادف طبيعي للأنظمة العربية من حيث الفكر والإستراتيجية . إن قطر التي حافظت على قاعدة العديد وسفارة طالبان ومكتب حماس السياسي ومكتب التمثيل الإسرائيلي وسفارة إيران وسفارة المملكة السعودية عبر خمسة عشر عام استطاعت أن تحقق بالقوة الناعمة تأثيراً أكبر مما كان يمكن أن تحققه القوة الصلبة عبر المال وقناة الجزيرة وما وراءها، وبحلول العام 2011 وهبوب رياح الربيع العربي لم يكن أحد في هذا العالم قادراً على التأثير في اتجاه رياحه كما كانت قطر بقناة الجزيرة، وهنا تحولت التناقضات الإقليمية إلى صراعات دموية سقطت خلالها أنظمة ودول بأكملها وهو ما أدى إلى تحويل الدور القطري بفعل القصور الذاتي نتيجة تسارع الأحداث من مرحلة التأثير إلى مرحلة الفاعل والموجه في أحيان كثيرة خاصة في الدول التي عصفت بها رياح الربيع العربي، ولم يكن أمام قطر إلا خياران الأول تغيير الإستراتيجية القديمة والعودة إلى الحجم الطبيعي لها وتحمل العواقب أو الانتقال من الدور الوظيفي الثأثيري إلى الدور الفاعل بكل ما تحويه هذه المرحلة من مخاطر نظرا لتواجد لاعبين إقليميين ودوليين كبار في ميدان الفعل الذي يتطلب القوة الصلبة، ولا تبدو القوة الناعمة فيه ذي تأثير البتة، وكان الخيار الثاني هذا خيار حكام الإمارة القاتل خاصة مع حسم القوة الصلبة في دول الربيع العربي الأمور لصالحها وهو ما أدى إلى خفض حدة التناقض في السياسات داخل الإقليم بسبب المخاطر الإستراتيجية التي باتت تحدق بالجميع عقب هدوء رياح الربيع العربي التي خلفت دمارا وجلبت التطرف بأبشع صوره الإرهابية للمنطقة ومن حولها لم تعد سياسة التأثير عبر اللعب على التناقضات ذات جدوى خاصة وأن الدوحة عبر ما يزيد عن عشرين عام لم تفلح في جسر التناقض بين أي طرفين كانت وسيط بينهما لأنها في واقع الأمر لم ترغب في حل أي تناقض بل تعميقه؛ فبقدر تعميق التناقض يزيد التأثير ويتسع الدور القطري والأزمة اليمنية وملف المصالحة الفلسطينية خير دليل، لكن التناقضات اليوم بدأت في التلاشي شيء فشيء داخل الإقليم وأصبح القرار اليوم للقوة الصلبة الإقليمية والدولية اليوم تجنى قطر نتاج سياساتها ليس أكثر فسياساتها لم تنجح في بناء تحالفات إستراتيجية إقليمية أو حتى دولية سليمة أو منطقية فقاعدة العديد اليوم ترفض مكتب طالبان ومكتب التمثيل الإسرائيلي غير راغب في مجاورة مكتب حماس السياسي، وإما سفارة السعودية أو سفارة إيران فقطر التي لم تكن معنية إلا في زيادة تلك التناقضات وإطالة عمرها بين الفرقاء تجد نفسها اليوم أمام إقليم موحد ضدها وحلفاء دوليين يصفونها بداعمة للإرهاب، إنها ساعة الحقيقة فإما أن تلبى الإمارة مطالب الإقليم والتي تبنتها قوى عظمى وإما أن تبقى على سياستها وتتحمل العواقب، وفي كلا الحالتين وبعد انتهاء هذه الأزمة لن تكون قطر هي التي عرفها العالم خلال العقدين الماضيين .

*‎أستاذة علوم سياسية وعلاقات دولية

آخر تعديل على السبت, 10 حزيران/يونيو 2017

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :