يلهون ويتبادلون أطراف الحديث حول الرعي والفلاحة والغيث ، والمحصول ، بالإضافة إلى مواضيع أخرى تهم عالمهم المتواضع ، دون نسيان مجال القصص والخرافات الشعبية التي تختم كالعادة بالقسم على أنها حقيقية وليست من نسج الخيال ، وفي المساء عند أوبتهم إلى الإسطبلات يدخلون أغنامهم وماعزهم ثم يحكمون إغلاق الزرائب عليها استشار محمد والده في الذهاب إلى بيت إبراهيم التي تبعد عن بيتهم مسافة ساعة ، فأذن له الوالد بذالك .

غير ملابسه بأخرى تليق بالسمر والأبهة في البادية ، وانطلق مشيا على القدمين ليصل إلى من دعاه ، نبحت الكلاب وأسرعت إلى الضيف معلنة عن قدوم غريب إلى منطقتها ، فأسرع إبراهيم إلى استقبال ضيفه ، ومحمد يلتقط بضع حصوات يرمي بها الكلاب الهائجة خاصة عند رؤيتها لمالكها كأنها تخبره حرصها على حراسة البيت ومن فيه ليجزي إبراهيم العطاء لها .

تصافحا وتبادلا السلام ، ثم رافقه إلى البيت وهو ينهر الكلاب التي زادت من حده نباحها ، فوجد عشاء فاخرا أعدته والدة إبراهيم ، مرق الخضراوات وخبز الملة وماء بارد  في جرة لفوها بأوراق الخيزران لتزداد برودة فالوقت صيفا ، تناولا الأكل بنهم وهما يتبادلان الضحكات والوالدة تسأل عن أحوال أهل محمد فيجيبها باختصار خوفا من نفاذ الأكل وماهية إلا لحظات حتى جاءت الوالدة بصينية الشاي المعطر بالهيل بعد أن شبعا أكلا ، استمر الاثنان في الحديث ولكنهما غيرا الموضوع إلى عالم الأشباح وما يدور في فلكه من خرافات وإبداء شجاعة الأولين في التصدي لهذه الطائفة من المخلوقات التي لا تأنس إلا بترويع الصغار والكبار على حد تفكيرهم ، وكان محمد يستأذن صاحبه في الانصراف كل مرة غير أن إبراهيم يتحجج بأنهما لم يأخذا كفايتهما من الحديث بعد ويمازح محمدا : أم أنك أصبت بالهلع والخوف من الأشباح ، فيرد عليه : لا لا والله ما أخاف هذه الشرذمة .

وبعد مدة أصر محمد على الانصراف بدعوى  رعي الأغنام والنهوض باكرا ، والظفر بمرعى ملائم قبل توافد الرعاة فهم في منافسة لتسمين أغنامهم ، فأذن له إبراهيم بالانصراف على مضض لان محمدا ذو حديث يستهويه السامع بالإضافة إلى إتقانه للاغاني الشعبية وصاحب صوت رخو وخاصة المواويل التي يحبها كثيرا الرعاة ، فقفل محمد آيبا يغني تارة ويهرول تارة أخرى مع نسائم الصيف التي تهب على محاصيل القمح والشعير التي شارفت على النضج وإذ به يسمع خشخشة فالتفت جانبها فلم ير شيئا فتسارعت دقات قلبه رغما عنه وأسرع الخطى فازداد الصوت قربا ، فجرى وعيناه تلتفت يمينا ويسار دون تحريك رأسه التي تعلوه عمامة بيضاء ناصعة تبدو للعيان ليلا فهو لا يلبسها إلا في المناسبات ، وزاد من سرعته وفجأة لمحت عينه لحافا أبيض يمتد من بيت إبراهيم إليه فنط وقفز ثم أطلق ساقيه للريح يسابقها وعيناه ترمق اللحاف وهو يزداد قربا إليه ويكاد يلامسه فيزيد من سرعته حتى أصبح يخيل إليه أنه يطير في بعض الأحيان من السرعة ، فدفع باب بيت العائلة وتصايح إخوته وأبويه من الداخل وتمالكت أخته نفسها وأشعلت قنديلا فإذا بمحمد يريد إخبارهم أنه هو الداخل ولكنه لا يقوى على ذلك لان أنفاسه تخنقه ، مناخيره اتسعت تبحث عن الهواء وعينه تفيض دمعا من الجري لاهثا والوالدة تسمي اسم الله على فلذة كبدها والإخوة نهضوا مسرعين ينتظرون إجابة ، فقال محمد بصعوبة بالغة الشبح ، الشبح يا أماه يطاردني ، فدقق الوالد النظر في حال ابنه وهو يتمتم أدعية خاصة  بالحفظ والسلامة  ولكنه لاحظ عمامة ابنه تتدلى من رأسه إلى أخمص قدميه ، فقال محمد : لحاف أبيض ممتدا من بيت إبراهيم يطاردني ولكني كنت أسبقه , عندها قاطعه والده قائلا أنها عمامتك المتدلية وكلما زدت سرعتك تطايرت مع الريح ، فالتفت محمد إلى عمامته وقد كان نصفها في البيت والنصف الآخر خارجه ، فضحك الإخوة والوالدة ضحكات هستيرية ، وأحس محمد بالإحراج وذهب إلى مخدعه لينام بثيابه وهو يسمع ضحكات إخوته وأبويه وتعليقاتهم الساخرة ليلعن العمامة وحظه البائس .

ــــ

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: : https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link:  https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com