wrapper

الإثنين 29 أبريل 2024

مختصرات :

مقدير إبراهيم | الجزائر 

 

صمت رهيب مطبق ساد عشيتها أمام غرفة الوالدة ...فمنذ مدة ساءت حالتها حتى تدهورت صحتها وألزمها داء عضال فراشها عنوة .. وقرب موعد الرحيل . .لكن الفتاة ابنة العاشرة كانت تنتبه تارة لتلك اللمة وتغفل عنها أحيانا ...

 

أدركت أن خطبا ما ألم بالأسرة حين اجتمع الكبير والصغير يطلقون زفرات ويرفعون الأكف متضرعين ...

أخذت تُحوِّل ناظريها جيئة وذهابا بين حضور مندهش واجم يتحدث أفراده بنبرة لم تعهدها من ذي قبل .فلا تسمع إلا همسا.. وغالبا ما تجد كل الأحداق مصوبة نحوها .. ولم تفهم المقصود من تلك النظرة مطلقا..

صيحة الأخت الشقيقة التي تكبرها بعامين دوت تهز كيانها وتشل حركتها فلم تستطع أن تهرع إليها حينما رأتها ممددة مغمى غليها وقد نطقت

أمي...أمي .... 

أيقنت الصغيرة حينها أن أمها الغالية وحضنها الدافيء قد غادرت إلى غير رجعة وزاد بكاء النسوة بين خالة وعمة من حالتها فصرخت وارتطمت بالأرض صريعة ...

أُسدِل على الفقيدة الراحلة وشاح أبيض ..واستسلم الجمع للقضاء والقدر في حين هب الأب لإسعاف الصغيرتين في أقرب عيادة ..

أفاقت الفتاة من إغمائها ذاك ممددة على سرير المشفى مكبلة بمجموعة من الحقن ومصل في الذراع موصول ..وقربها والد انفطر قلبه شقين بين راحلة تركت له حملا ثقيلا وبنتا طريحة الفراش ما استطاع لحالها سبيلا .

جاءت نتائج التحاليل محبطة مثبطة أبانت عن إصابة الفتاة الصغيرة بداء السكري ..واستوجبت معها عناية خاصة فزادت من الوضع تعقيدا ..

مرت تلك الفاجعة على الوالد ووحيدتيه بطيئة قاسية.. رغم هبة الأهل ودعمهم لمدة وجيزة ثم انصرف كل لشغله وبيته .. 

تمر الأشهر ثقيلة مملة ويتضح فراغ البيت جليا .. فما عاد بوسع الوالد التوفيق بين عمله المضني وقوامة البيت .وتفاقمت الأعباء المادية الخاصة بتلك الصغيرة مع نظارات ووصفات طبية دقيقة بين الحين والحين ..

وحين يعود كل أمسية متعبا مجهدا ..يجد فوضى عارمة قد ملأت المنزل على الرغم مما كانت الصبيتان تقومان به حال عودتهما من صفوف المدرسة ..

فيحبس ذاك الوالد الدمع عنوة عن مقلتيه ويداري حزنة بمشقة و يحز في نفسه كثيرا ما آل إليه وضع البيت منذ رحيل مدبرته ..

وكم كانت معاناته تشتد وألمه يزداد حالما يتفقد الصبيتين في مخدعيهما ويمرر الغطاء على الواحدة تلو الأخرى ثم يطبع قبلة على جبين كلتيهما

يرفع كفيه في جنح الظلام داعيا ربه أن يحفظهما ويهون عليهما فراق تلك الرؤوم الحنون التي ما بدا لها عوض ..

كان يتخيل طيفها كلما دخل المطبخ ليحضِّر لقمة تسد الرمق ويتحسس حركتها بين مجموعة الأواني تلك ...وكان كلما أضاء غرفة إلا وتمثلها في ركن معين تنجز عملا ..

. تحل الأمسيات قبل موعدها في تلك الدار التي افتقدت فانوسها وسراجها

ويُكسَر روتينُها كل جمعة بلمة ...بمجيء خالة أو عمة ..

لكن سرعان ما تعود الكآبة لتخيم على أركان البيت وتتجول الرتابة من غرفة إلى أخرى ومن ركن إلى ركن ...ولم تطب جلسات العشاء إلا في أوقات قليلة حيث يعمد الأب إلى إضفاء جو من الدعابة المفتعلة عله يرى البسمة على محيا واحدة من بنتيه ...

تخبط بين نفسه الخائفة المترددة وبين حاجته الملحة لجلب زوجة تكون له سندا ولبنتيه أما ومربية ولبيته مشرفة ...وبعد معاناة مريرة طيلة أشهر من عبء شؤون البيت ورعاية تلميذتين أجهدتهما رزنامة الفروض والاختبارات والواجبات ..أقدم على تلك الخطوة وكله وجل ألا تجد هذه الدخيلة ترحيبا وقبولا ..

ففي حفل عرس بسيط وأجواء عادية هلت ربة بيت جديدة ..على أسرة جريحة مكسورة وهي تعلم يقينا أنها حُمِّلت مسؤولية جسيمة تهد الكاهل

كانت مطلقة أدار لها الحظ ظهره ..فرأى فيها رب الأسرة خير خلف لخير سلف ...وأنها ربما ظُلمت في طلاقها ..

جرت الأمور عادية خلال أشهر أحست حينها الفتاتان بنوع من الراحة وقليل من الألفة داخل الأسرة ..وكان الوالد شديد الحرص والحذر لئلا ينشب أي خلاف يؤزم الوضع ...

لكن بعد مدة طرأ على الزوجة الحديثة بالأسرة تغيرا جليا في تعاملها مع الجميع ...حيث بدأت تراجع زوجها وترفع صوتها متحججة بثقل أعبائها

وعمدت في مكر إلى مقاسمة أشغال البيت مع الصبية الكبرى والضغط عليها ...خاصة إذا انكبت هذه الأخيرة تراجع دروسها وتنجز فروضها ..ولم تكن تلك الفتاة لتفجر الأزمة وتعلم والدها فكانت تنجز ما كلفتها به بمشقة ثم تهرع إلى محفظتها .. وتشكو الأمر إلى شقيقتها لتذرفا معا دموعا حارقة ملؤها الحسرة والأسى ...

أصبحت الدخيلة لحوحة تجاري الفتاتين في الملبس وتنغص عن الزوج في المأكل والمضجع والمجلس ...

أدرك الأب مما لا يدعو للريبة أن طباع زوجته قد تغيرت وأنها أصبحت تغار من وحيدتيه ..لكنه أصبح أسيرا بين ألم بقائها وخسارة فراقها ...

كبرت الفتاة البكر واجتازت مرحلة المتوسط ...فكثرت مطالبها التي لا ترفض ...مما ولد ضغينة وحرقة في خلجات زوجة الأب لم تستطع إخفاءها مطلقا .. بل جسدتها باختلاق الشجارات والمشاحنات في كل مناسبة ودون سبب يذكر ..ثمة ذاقت على الوالد دنياه فغير معها معاملته وأصبح أشد قسوة عليها ولطالما أنبها وأدبها على مرأى من الفتاتين فكان ذلك يزيد من هيجانها ونشوزها ... 

في حالة الغليان تلك وبين مد وجزر بدأت العلاقة تتوتر بين زوجة الأب والبنت الكبرى على وجه الخصوص ..فكانت تكيد لها وتكشف عثراتها امام والدها كلما سنحت الفرصة لذلك ...وهذا ما أثر على دراسة الصبية في مرحلة الثانوية فساءت نتائجها جراء كثرة أشغال البيت وهموم جمة تراكمت في مخيلة مراهقة افتقدت حضن أمها المعطاء ...

وكانت الخلوة بشقيقتها داخل غرفة النوم متنفسا ومَكبَّا للأشجان والأحزان في ظل انشغال الوالد بعمله المضني لتوفير لقمة عيش كريمة ...

حتى تلك الفرجة على شاشة التلفزة والتي كانت تمثل لهما سلوى في صورة حصة ترفيهية أو رسوم متحركة أو ربما مسلسلا ..خبت وصار مضمونها أجوفا .. 

ساءت نتائج البنت الكبرى فاتخذتها ربة البيت ذريعة إلى جانب أعباء البيت المتراكمة وبدأت تحرض بعلها وتألبه عليها حتى رضخ لمرادها بأن أوقف الصبية عن صفوف الدراسة

تألمت تلك المسكينة كثيرا لما آلت إليه حيث أضحت حبيسة المطبخ لا تنفك تتخلص من أناء حتى تهرع لغيره ...ولا تغادر المنشفة يدها من غرفة إلى أخرى ...بينما واصلت البنت الصغرى دراستها وكلها وجل أن يطالها نفس الظلم والحيف وعلى الرغم من دائها المزمن ومعاناتها منه إلا أن إصرارها وعزيمتها مكناها من تحصيل نتائج باهرة في مشوارها الدراسي .

زادت أوامر زوجة الأب عن حدها وتفاقمت شدة انتقاداتها في كل أمور البيت مما ولد بينها وبين الصبية الكبرى شحناء وضغينة كثيرا ما شهدها ذلك الوالد الحائر المهموم ... فتارة يميل إلى هذه وأخرى ينحاز إلى تلك

وما هي إلا مدة قليلة حتى طرق باب البيت أول خاطب فبادر الأب إلي قبول عرضه بأن يزوجه ابنته دون أن يسأل عن سنه ولا عن سريرته تفاديا لكل مستجد يقلق راحته سيما وصحته قد تدلت وأصبح راتبه ضئيلا لا يفي بحاجيات ومطالب الأسرة ولا يحتمل تلك المشاحنات التي أخذت منحنى خطيرا بين زوجته ونجلائه ..

زفت الصبية إلى بيت زوجها ولم تبلغ عقدها الثاني بعد ...وتحت وقع دموع الشقيقة الحارة التي فقدت فيها مؤنسا وسندا ..ومع ابتسامة خبيثة تخفي فرحة التخلص منها بدت على محيا تلك الدخيلة ..

لم تكن لترفض عرض والدها لما لاحظته من ألم يخفيه عند كل أمسية يعود إلى البيت فيها فيجد شجارا قد نشب بينها وبين زوجته التي لم تعوض ولو الجزء اليسير من حنان أمها..وكانت تئن تحت مطرقة الزوج المفروض وزوجة الأب القاسية ...فأرادت بقبولها أن تريح لعلها تستريح ..

بعدها خلا البيت لتك المتعجرفة وتمادت في سطوتها وجبروتها ..ولم يعد للفتاة الصغرى رأي ولا يسمع لها صوت ..فانكبت على دراستها تنتظر الفرج ...وقد همشتها ربة البيت ولقمتها رغيفا ذليلا وإن كان لذيذا ..

تمر الأعوام تباعا في تأن فتبدو ثقيلة متعبة للوالد الذي بدا نادما على الزيجتين ...أولاهما أنه جلب لبنتيه منغصا ...وثانيهما أنه زوج البكر مرغما ..

فكان يختلي بنفسه في لحظات طويلة واجما صامتا لا يكلم أحدا ، وتنزوي تلك الطالبة المتفوقة مع كتبها تتحاور مع فصولها وتحل مسائلها ولا يهدأ للوالد بال حتى يجمع الأختين قبالته هذه من مكتبها وتلك من بيت زوجها حول وجبة عشاء لذيذة ..

لكن فرحة الوالد بنجاح تلك الفتاة الصغيرة وتخرجها أنسته الكثير من مآسيه السالفة ...والتمس في وظيفتها الجديدة مخرجا من ثقل أعبائه ومشاغله ...ورأى في وضعه الجديد تحسنا ملحوظا ..

وبينما كانت تلك الفتاة البارة الحديثة بالوظيفة والراتب تمهد وتدخر مبلغا محترما لترسل والدها الحنون حيث الروضة الشريفة ..وقعت زوجة الأب طريحة الفراش تحت رحمة مرض مفاجئ تطلب عملية جراحية مكفلة عاجلة لا تحتمل التأخير .. 

لم يكن الأب يقدر على دفع ثمن الأشعة والتحاليل التي تسبق العملية فما بالك بقيمتها نقدا في عيادة خاصة خارج المدينة ..فتسمر حائرا مطرقا مفكرا في حل لما ألم به من خطب ...

ثمة انبرت صاحبة الوظيفة الحديثة التي لم يمر عليها الحول وزودت الوالد بما يسد تكاليف العملية وما تبعها من فحوص وأشعة ..

وهرعت الاخت الثيب إلى المنزل حال سماعها ذاك الخبر المفاجئ لترعى شؤونه وتقوم على راحة زوجة أبيها ضاربة عرض الحائط كل تلك الأحقاد متناسية مكائد تلك العليلة الممددة على فراش المرض ..

ضحَّت الفتاة الصغرى بذاك المبلغ الذي ادخرته لموسم الحج وكانت سببا مباشرا في نجاح العملية التي أجريت لزوجة أب أذاقت الفتاتين مرارة العيش ... 

في سرير نقاهة لم تفوت الزوجة فرصة الاختلاء بكل واحدة على حده لتطلب الصفح عما بدر منها حين كانت قاسية متغطرسة جافة في معاملتها ..وقطعت على نفسها وعدا ألا تعود لمثل ذلك مطلقا ..

سر الأب كثيرا لما رأى من تغير ملموس في تلك العلاقة الرابطة بين زوجته وابنتيه .وأن جبل الجليد الذي جثم على صدورهم بدأ يذوب رويدا.

****

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصر ي الكلمة الحرة و العدل

لتحميل الملحق الشهري العدد 10 أوت 2019

و مشاركته عبر التويتر أو الرسائل القصيرة هذا الرابط الخاص:

https://pdf.lu/7l62

المسنجر و البريد الإلكتروني  و واتس آب  استعملوا هذا الرابط :

https://www.fichier-pdf.fr/2019/09/08/---10------2019/

لمشاركته على موقع أو مدونة يجب نسخ هذا الرابط و لصقه على محرك البحث:

<a href="https://www.fichier-pdf.fr/2019/09/08/---10------2019/">Fichier PDF ملحق الفيصل الشهري العدد10 -  أوت  2019.pdf</a>

Pour télécharger le supplément  mensuel de "elfaycal.com" numéro 10 en format PDF, cliquez ou copiez lien au-dessus :

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

 

آخر تعديل على الأحد, 15 أيلول/سبتمبر 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :