_ أنت تعرف قضية والدي التي أحيل إلى القضاء بسببها، وما اتهم به.
تبسم الأستاذ المحامي وقال وعلى وجهه إمارات الاهتمام:
_ نعم أذكر ذلك، لقد عرض علي الدفاع عنه، ولكنني رفضت لأن القضية واضحة لا لبس فيها، وشهادة الشهود أدانته. صحيح لم يقبض عليه بالجرم المشهود، إنما شهادة أمين المستودع والسائق وغيرهم، أقروا أنهم شاهدوه أكثر من مرة يخرج بضائع بصفته المدير العام دون موافقتهم، وهم من قاموا بالتبليغ عنه، وكذلك بعض زبائنه الذين قبض عليهم وقبض منهم رشاوى، أو اشتروا منه بضائع القطاع العام، اعترفوا بذلك.
_ نعم... صحيح... لكن بعد أيام جلسة النطق بالحكم، ولا يمكن إعادة النظر في القضية إلا بدليل قطعي على البراءة.
_ طبعاً كل هذا معروف... لكن هل لديكِ الدليل القاطع؟
_ نعم... هذا الدليل ليس قاطعاً فحسب، بل هو من سيحسم الأمر.
_ دعينا نرَ ولكن تأخرت بتقديمه... ماذا لوحصل لك عائق منعك من تقديمه؟
_ لقد عثرت على الدليل الليلة الماضية فقط.
_ حسن وما هو؟
ناولته إضبارة سميكة من الأوراق كي يطّلع عليها، أخذها وبدأ يقلب الأوراق فيها وهو يردد:
_ لاشيء... لاشىء... لكنه توقف عند ورقة ونظر إلى زميلته مستغرباً، ثم تبسم وقال:
_ وهل تعتقدين أنك لن تقعي في فضيحة تمس كرامتك وشرفك؟ وهل تظنين أن نقابة المحامين لن تطردك إلى الأبد من المهنة؟ وعليه تخسرين مستقبلك.
_ لاشيء سيحدث مما تقوله...تأكد.
_ يستر الله... وما المطلوب مني؟ لعلمك أنا لن أدخل معك في اللعبة الخطيرة هذه.
_ ومن قال لك إني سأشركك.. كل ما أطلبه منك حين أترافع أمام القاضي، أن تلفت نظره بنظراتك المشفقة علي عندما أتكلم.
_ هههه... أمر بسيط، وإن لم أفهم الفائدة من هذا التصرف ولا أريد أن أفهم.
_ يستحسن أن لا تفهم، المهم من الضرورة أن تكون جالساً في المقعد الأول قربي أثناء جلسة النطق بالحكم.
_ حاضر... اتفقنا.
بدأت الجلسة. ضرب القاضي بمطرقته على طاولته، ووقف الجميع احتراماً لهيبة المحكمة... أمرهم بالجلوس، ثم أمسك ملف القضية وبدأ يقرأ الحكم، لكن الأستاذة ابنة المتهم رفعت يدها ونادت بصوت عال:
_ سيدي القاضي... انتظر... المتهم بريء من كل ما نسب إليه ولدي الدليل القاطع!
سيدي القاضي... مازالت الفرصة متاحة لبراءة متهم قبل أن تحكم عليه بالسجن والشغل، ربما لسنوات طويلة، وكون الرجل بريء لن تنساه إذا ظلم، والأمرسيقض مضجعك حين تُدخله إلى السجن، انظر إلى القفص إلى ذاك الكهل الذي تعلق مصيره بين شفتيك...
_ لماذا لم تقدمي الدليل من قبل؟ أنت محامية ولا تجهلين أصول المرافعات القضائية!
_ نعم يا سيدي.. لأنني لم أعثر على هذا الدليل سوى الليلة الماضية، ثم رفعت ملفاً إلى الأعلى واستدارت به كي يشاهده الحضور، بينما زميلها ينقل نظراته بينها وبين القاضي بنظرات ملؤها الشفقة والحزن.
بدأت مطرقة القاضي تدق بهدوء شديد، كاد أن يكون ارتجافاً، ثم ضربها بعنف... أخرست الهمهمات والوسوسات التي تصدر عن الجمهور القلق! ثم قال:
_ هاتِ دليلك، وأنت تعلمين المسؤولية التي ستقع عليكِ إن كان القصد تعطيل سير المحكمة، وبالتالي تعطيل سير العدالة.
_ نعم ياسيدي أعلم ذلك، وسترى بنفسك تلك الوثائق وجدّيتها، لكن يا سيدي أرجوك أن تقبل أن لا يطلع عليها سواك، فالقضية ستمس شرفي وكرامتي ولن أرى النور بعدها، إما السجن وإما الانتحار!
نظرالقاضي يميناً ويساراً إلى مساعديه، ثم سألهما إن كان يفي بالغرض اطّلاعه وحده على الوثائق نظراً ًللأهمية.
هزا برأسيهما بالموافقة، قال لها:
_ تقدمي وهاتيهم بيدك.
أمسك القاضي بالملف ووضعه أمام عينيه بحيث لايراه مساعداه، ثم بدأ يتفحصه ورقة ورقة وهو يكاد يسخر من محتواه... فجأة تبدلت قسمات وجهه وعلاها الاضطراب، وبقي نظره مركزاًعلى الصفحة التي أمامه!
ظل على هذه الحال دقائق، والجمهور يحتبس أنفاسه أيضاً، أما هي أنقذتها مطرقة القاضي من السقوط على الأرض والإغماء حين أمر الجميع بالوقوف لتلاوة الحكم.
_ ثبتت لدينا بالوثائق الدامغة براءة المتهم مما نسب إليه، ويخلى سبيله فوراً من المحكمة.
أما الوثيقة التي تثبت للمتهم البراءة... (كانت عبارة عن ورقة كتب فيها التنازل عن ملكية عمارة من ممتلكات المتهم الكثيرة!!).
بعد الضجة التي قامت للحظات في قاعة المحكمة من التهاني ومناداة البعض: يحيا العدل. ضرب القاضي بمطرقته وأسكت الجميع.
وقفت ابنته المحامية، وقبل أن تذهب نحو القفص تبارك لوالدها...رفعت يدها تطلب الإذن بالكلام:
_ سيدي القاضي... أرجو أن تعيد لي الملف كاملاً.
_ الملف أصبح من ممتلكات المحكمة وسيحفظ مع أوراق القضية.
_ سيدي أنت وافقت على الاطلاع عليه لتثبت براءة المتهم فقط، أرجو إعادته لي كما هو.
وتقدمت نحو القاضي الذي جحظت عيناه وهو ينظر إليها مذهولاً! في اللحظة نفسها التي لامست يدها الملف أفلت من يده وهوى القاضي نحو الأرض ميتاً...
كان مساعده ينظر باهتمام لها وهي تتقدم نحو رئيس المحكمة، مد يده بسرعة البرق ليتلقاه أي للقاضي، فلامست يده الملف.
فما كان منه إلا أن سحبه بسرعة بيد، وباليد الأخرى سند القاضي محاولاً منعه من السقوط ولكن القدر لا ينتظر!
خرجت روح قاضي الأرض وانتقلت إلى قاضي السماء.
قبل أن ينظرمساعد القاضي في الملف، نظر نحو القفص حيث يقبع فيه المتهم الذي ينتظر بفارغ الصبر خروجه منه.
وقرع المنصة بمطرقته وقال:
_ لم يتسنَّ للمرحوم رئيس المحكمة السابق التوقيع على قرار البراءة بسبب وفاته المفاجئة...
لذلك تؤجل الجلسة، ويبقى كل شيء على ما هوعليه الآن، ريثما يُبت فيه أثناء الجلسة القادمة لتأكيد الحكم النهائي!!! ويوضع الملف مع إضبارة الدعوى لعرضه على الرئيس الجديد المؤقت الذي هو أنا.

****

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 20/ 19 جوان ـ جويلية 2020
https://www.calameo.com/read/0062335946b10ecf52424
https://www.calameo.com/books/0062335946b10ecf52424
‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéros 19/20 en 
format PDF, cliquez ou copiez ces liens :
https://www.calameo.com/read/0062335946b10ecf52424
https://www.calameo.com/books/0062335946b10ecf52424

*****
‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)