:- لا شيء يا (ليث) ... لا شيء ...
:- أكل هذا ..وتقول لاشيء ... ؟ هل هناك شيء يمكن أن يحدث لك أكثر من ذلك ياصديقي ؟
:- لاتخف ياصديقي ، انا لستُ مريضاً .
:- اعرف ياصديقي العزيز أنكَ لستَ مريضاً ، ولكن هناك أمر ما فيك يقلقني كثيراً ، ولابدّ لك أن تفضفض عما يساوركَ من وجع ، ما أخشاه أن يؤثر على حياتكَ فيما بعد .
قلت :- لاشيء يا ( ليث ) ، فقط إرهاق نتيجة قسوة العمل .
و(ليث) هو مهندس أشد خبرة في الحياة من الجميع وكأنه قد خاض غمارها حتى صرنا نسميه ( الحكيم ) لما له من حكمة وبصيرة ودراية في أشد الأمور عسرة علينا ، ونصحاً لنا ، فقال : - آمل ألا يكون سوى إرهاق ياحبيبي يوسف .
سكتُّ أنا ... وانا أطأطئ رأسي خشية أن تفضحني عيناي وقسمات وجهي فيفهم (ليث الحكيم )عني ما لا أود أن يعرفه .
وبعد مرور أيام ... ظهرت علامات جديدة بي ، أصبحت أشدّ سرحاً ، وأكثر قلقاً ، يزدادان على غير عادة ، وبدأ ذلك الأمر يؤثر جدياً عليّ كثيراً ، فصمت مطبق ، لا رغبة لي بالحديث مع أحد حتى مع أقرب أصدقائي ، لا شهية للطعام ، غالباً ما أحدّث نفسي ، أرق متواصل يجعل النوم عدواً لي ، أحاور النجوم ، أرسم صورة ليلى في السماء بريشة قلبي ، أقارنها مع القمر ، أصغي الى الكواكب وهي تنقل لي رسائل موهومة من ليلى ، كنتُ حينها أقرب الى المجنون مني الى عاقل .
وحين لاحظ صديقي (ليث الحكيم) ذلك قال مبادراً ...
:- أتظن أنك قادر على أن تخفي عني ما تخبئه بين أضلاع صدركَ ؟
قلت :- وماهو ذاك ؟
قال:- العشق الذي نخر قلبك ، وأتلف كبدك ، وهرّأ جلدكَ .
حاولتُ إخفاء ما كشفه (ليث الحكيم) بي فقلتُ : - ليس الأمر كما تظن يا صديقي .
قال :- بل العاشق يعرفه كل الناس ، إذ لايخفى عليهم منه شيء ، فالعاشق يفضح نفسه دائماً ... أمام الكبار والصغار ، ومهما كانت ثقافتهم ، فالعشق له ثقافة واحدة وهو القلب الهائم ، والعقل الشارد .
وإننا لندرك جيداً ان العشق قد أخذ فيك مأخذه ، وذهب في فؤادك مذهبه، وأنك مقتول على هذه الحال لامحالة ياصديقي .
ولمّا رأيتُني عاجزاً عن أن أخفي عن (الحكيم ليث) ما وددتُ إخفاءه ، عرفتُ أن لاسبيل لي من الهروب عن أسئلة كانت تدور في رأسه ، وعليّ الإفصاح عن ما يجول في فؤادي عاجلاً أم آجلاً ... فقررتُ ان أبوح له بكل ما جرى لي وكان .
قلتُ :- أيها (الحكيم ليث) ... لقد صدقتَ ... إني أحببتُ فتاة اسمها ليلى .
وبدأتُ أسرد على صديقي (ليث) ما حصل بيني وبين ليلى خلال كل تلك الأعوام من عشق ، وكيف تغيرت عليّ في الآونة الأخيرة ، حتى اضطرتني للهروب الى البصرة لأخفي ماتبقى من جسدٍ قد خوى ، وقلبٍ قد هوى ، وأملٍ معدوم ، وفكرٍ مهدوم ، وشوقٍ امتدّ ، وصبر اعتَدّ ، فلا لذة لي في دنيا ، ولا سعادة بها أحيا ، حتى خرجت مني تنهيدة ماكان لي فيها خيار ، ولا طاقة لي عليها ، حتى رأيتُ (الحكيم ليث) وقد نكّس رأسه ، وأوقد لي حِسّه .
فصاح وهو يكاد يبكي :- آهٍ عليكَ ياصديقي ، ما أقسى قلبها !؟
وما أشدها ظلامة لك !؟ أنّى لليلى أو لمثلها أن تجد مثلك ،
فلو دارت حوالي الأرض سبع مرات طولاً وعرضاً ، ما وجب عليها حبّ رجلٍ سواكَ ، وذلك لِما في قلبك من هذا الحب الواسع لها .

فلما هدأت أرواحنا ، وسكنت انفاسنا ، ضمّني الى أضلاعه ضمّ الأب الرؤوم لابنه السقيم ، مواساة منه لي ، وتعزية عما أصابني ، وعيناه تدمعان ، يقبّلني من رأسي تارة ، ويمسح عليه تارة أخرى ، ويهمس في أذني تارة ، ويحتضنني الى صدره تارة أخرى ، وقد تلاقحت أنفاسنا سوياً ، وازدانت خدودنا بالدموع الوفيرة ، وافئدتنا تئن بزفراتها الغزيرة ، نحسنُ مع بعضنا صور الحنان ، وندرك جيداً خسارة الوجدان ، فلا بهجة لي بعد فراق ليلى ، ولا نعيم عندي دون محيّاها .
وسكتنا هنيهة ...
ثم قال لي :- أأنبئكَ ماالسبب في رحيل ليلى عنك ياصديقي العزيز ؟
قلت :- حقاً !؟ أتعرف أنت السبب ؟
قال : - أجل .
قلت : - أخبرني إذن .
قال :- إن لليلى قلباً صغيراً بحجم حبة القمح ، وإن لك قلباً يسع البحار جميعها ، قلباً امتلأ عطفاً وحناناً ، وعشقاً ، وصبراً ، وهياماً .
فلمّا أردتَ أن تسقيها من ماء حبك َ ، وأفرغتَ كل بحاره في قلبها الصغير ، لم تستوعب حبة القمح هذه سقايتكَ ، فامتلأت هي ببحاركَ ، وفاضت حتى غرقت ، فلم تصبح تشعر بشيء من حبكَ الذي مازال مدراراً يفيض عليها للآن ، فمِثل ليلى تحتاج الى قليل من الحب ، وليس إلى كثير ياصديقي العاشق .
قلت :- غريب ياصديقي قولكَ هذا !
قال :- إن مَثَل ليلى في العشق كمثل طفل دخل المدرسة للتوّ ، لايعرف القراءة والكتابة ، فيعلّمونه الأحرف حرفاً حرفاً ، وبعد سنوات عديدة يكون جاهزاً لاستقبال المعلومات واستيعابها بما ينبغي ، ويبدو ان ليلى لم تزل طفلة للآن ، ( لم تزد عن أمس إلا إصبعاً ) .
ثم سكت هنيهة وقال :- لقد أفرطتَ في حبكَ لليلى أيها العاشق حتى لم تعد تأبه بعشقكَ .
قلت:- لكنها امراة تختلف عن باقي النسوة ياصديقي .
قال :- إعلمْ ياصديقي أن هناك صنفاً من النساء إن ألقيتَ عليه فيضاً من الحب ، صعقَ ومات ، كنبتة صغيرة تموت عند إغراقها بالماء ، وليس كما تظن أنهنّ شجرة سنديانة متجذرة في الأرض تحتاج الى كثير من الماء والرعاية .
ثم اردف وقال :- نعم يايوسف ، لقد وهبتَ ليلى عشقاً عظيماً جداً ، ماكان لك ان تهبها هذا القدر الكبير ...
كانت تلك الكلمات كأنما جرس إنذار يرنّ في أذني ، فكلما فكرت في اسباب ابتعاد ليلى ، لم أجد أقرب الى الواقع سوى السبب الذي أخبرني به (ليث الحكيم) ، وكأنه على يقين مما يجول في فؤاد ليلى ، فليلى كبرت أم صغرت هي صنف من النساء يَقرَبها من العلل والهواجس ما يقرَب النساء جميعها .
ولاادري ماهي المناسبة التي ذكر فيها (الحكيم) شجرة سنديانة متجذرة والتي سبق أن كتبت رسالة لليلى أشبّهها بها ، فهل قرأها (الحكيم) في أوراقي من قبلُ ؟ ام أنه يعرف خبايا العشاق وهمومهم ، لذلك فهو حقاً يستحق لقب ( الحكيم) وبجدارة .
إذ قلتُ في رسالتي إليها ذات يوم ...
(أميرتي النبيلة ...
عيناك ِ ... هما الميزان الذي أَزِن ُ بهما حسن َ عيون ِ النساء .
فلقد سحرتني عيناك ِ المليئتان بالأسرار ِ الغزار ، حتى إذا رحت ُ أفتش في دفائنهما .. وأبحث عن خزائنهما ، لم أجد أشدّ من عينيك ِ براءة ونبلا ً ، فماالصدق فيهما إلّا ثابت كالسنديانة المتجذرة في أرضها ، وماالفضيلة فيهما إلّا زاكية كالثمرة الناضجة في أغصانها المتدلية ، وماالبكاء فيهما إلّا حكمة بالغة ... فهما عشقي و شوقي الأبديان ِ ، وهما عندي يعدلان ملءَ الأرض ذهبا ً .
والسلام ...)
هممت بالخروج من غرفتنا والذهاب الى مكان أكون فيه وحيداً ، فلم أجد أجمل من ان أكون وحيداً ، حيث أغرق في مابين اثنين :-
جمال الذكريات ..
وخطيئة ارتكبتها بحق نفسي ..
ما يجعلني ذلك أني لن أسامح قلبي ما حييتُ .
شعرتُ بدوران كبير ، وحيرةٍ كحيرة أمٍ وسط البحر ، ولداها تاها عنها ، كل منهما في اتجاه نقيض للآخر ، فلا تدري الى ايّ منهما تتجه لتنقذه ، وتترك الآخر يموت .
ومابين اضطراب عقلي ، وصراخ فؤادي ، رحتُ أفكر فيما أخبرني به (الحكيم) عن قلب ليلى كأنه حبة قمح ، وما أعرفه عنها أنها جنة الأرض ...
فتيقنتُ أن الصراخ أسلمُ لي وأوْجَه .
هناك صرختُ بأعلى صوتي :-
أجيبيني ياليلى ...
أيٌ منهما أنتِ ؟
أأنتِ حبة قمح !؟
أم أنكِ جنةٌ عرضها السماوات والأرض !؟
*****
Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 34 جوان ـ سبتمبر 2021 ـ
https://fr.calameo.com/read/0062335949afd29057ca7
طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéro 34’ mois (juin - septembre 2021)
format PDF, cliquez ou copiez ces liens:
https://fr.calameo.com/read/0062335949afd29057ca7
*****
أرشيف صور نصوص ـ في فيديوهات ـ نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) liens روابط
https://www.youtube.com/watch?v=M5PgTb0L3Ew
ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of
freedom of expression and justice click on this
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون
مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)
آخر تعديل على الثلاثاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2021