wrapper

الجمعة 26 أبريل 2024

مختصرات :

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي


العين تناطح المخرز، والإرادة تنتصر على القوة، والإيمان يهزم الأوهام، والثبات بوابة النصر، والصبر طريق الفرج، والأسير أسمى من السجان وأقوى من الجلاد، والمعتقل قوةٌ كامنةٌ وثورةٌ عارمةٌ، لا تقعده السجون ولا تفت في عضده القيود، وإننا بأسرانا الأبطال وأسيراتنا الماجدات لعلى أبواب النصر وتباشير الفجر مهما طال الليل وادلهم ظلامه،

ولا شيء مستحيل على شعبنا أو صعبٌ على أمتنا، فنحن شعب الجبارين، وأبناء الأمة التي لا تعرف المستحيل، ولا تقبل أن تخنع أو أن تذل وتلين.
 
هذه كلمات الأسيرة الفلسطينية المحررة عبير الوحيدي، تقولها بثقة، وتنطق بها بيقين، وترددها بثبات، وهي تستذكر في يوم الأسير الفلسطيني، ضمن بعض ذكرياتها الكثيرة في السجون والمعتقلات الصهيونية، ثلةً صغيرةً من الأسيرات الفلسطينيات، اللواتي استطعن بصبرهن أن يتحدين السجان، وأن يقفن بإرادتهن كاللبؤات الثائرات في وجه سلطات الاحتلال، وأن يرفضن أمره ويعارضن سياسته، وهن في السجون وخلف القضبان، والقيود في أيديهن، والسلاسل تقيد أرجلهن، والعصابات تعصب أعينهن، وجدران الزنازين تضيق عليهن، وجلاوزة السجون يتطاولون عليهن، ويحاولون التأثير على معنوياتهن وكسر إرادتهن، ولكنهن كُنَّ أمامه شامخاتٍ شموخ الشمس، راسخاتٍ رسوخ الجبال، ينظرن إليه من علٍ، ويملين عليه شروطهن بعزةٍ وكبرياء.
 
استمعت إلى الأسيرة المحررة عبير الوحيدي التي كانت محكومةً بالسجن سبعة عشر عاماً، وهي الشابة اليافعة، الطالبة المتفوقة، الابنة المدللة، ساكنة البيت الوارف، وعاشقة الحب الواعد، التي لم تؤخذ ببريق الدنيا وزخرف الحياة، ولم تغرها مباهج العيش ومتع الشباب، ولم تجرفها تيارات الحداثة وميول الصبا، بل سكنت المقاومة قلبها، وعاشت في حناياها أملاً في تحرير بلادها وعودة شعبها، وقد كانت أمنيتها الكبرى تحرير الأسرى وعودتهم إلى بيوتهم وأسرهم، فناضلت من أجلهم، وضحت في سبيلهم، والتحقت بالخلايا العسكرية دفاعاً عنهم، وهي لا تعلم أنها ستلقى مصيرهم، وستكون يوماً مثلهم، وسيصيبها ما أصابهم، وستسكن الزنازين معهم، ولكن هذه الخاتمة المرعبة لم تخفها ولم تمنعها، بل لعلها زادتها إرادةً وعزيمةً، ومنحتها القوة والشدة، لتعمل المزيد وتقدم الأكثر، لينال الأسرى حريتهم، ويتمتعون برؤية أهلهم والعيش مع عائلاتهم.
 
تلقت عبير وأخواتها الأسيرات إثر اتفاق طابا عام 1995، خبر الإفراج عنهن من السجون والمعتقلات الإسرائيلية، ففرحن وسعدن، واحتفين وغنين، وتقافزن وتعانقن، وتبادلن التهاني والمباركات، وبَدأنَ في تجهيز أمتعتهن وجمع حاجاتهن، فهذا يومٌ يتمناه كل أسيرٍ، ويعيش على أمل الحرية فيه حتى آخر يومٍ في عمره، خاصةً أولئك المحكومين بالمؤبد مرةً أو مراتٍ عدة، الذين لا يتوقعون الحرية بغير الصفقة أو الاتفاق، وكغيرهن من الأسرى والمعتقلين، بتن ينتظرن بفارغ الصبر اليوم الذي ينادي عليهن السجان ليخرجن من غرفهن، ويغادرن مهاجعهن، ليعدن أحراراً إلى بيوتهن، وباتت تتراءى أمام عيونهن صور أهلهن، ومناظر بيوتهن، ومشاهد أحيائهن، وأخذت تعود إليهن ذكرياتهن الخاصة وماضيهن الجميل.
 
لكن فرحتهن لم تكتمل، وسعادتهن سرعان ما خمدت، فخفتت الأصوات، وبهتت الابتسامات وتراجعت الأمال، إذ بلغهن أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتحفظ على بعض الأسيرات، وترفض الإفراج عنهن، وتصنفهن بأنهن خطيرات، وأن أيديهن ملطخة بالدماء، وقد قتلن أو شاركن في قتل مستوطنين إسرائيليين، فلا يجوز الإفراج عنهن أو إطلاق سراحهن، وعليه فلن يسمح لهن بالخروج، بينما سمحت بإطلاق سراح غيرهن من الأسيرات، ممن ترى أن "أيديهن غير ملطخة بالدماء"، وأن خروجهن لا يشكل خطراً على أمن كيانهم وسلامة مستوطنيهم.
 
تستذكر عبير الوحيدي هذه الأيام وكأنها اليوم، وتقول أن الأسيرات الفلسطينيات التسعة وعشرين، وقفن معاً متضامناتٍ صفاً واحداً، متماسكاتٍ موحداتٍ كلمتهن واحدة، وصرخن في وجه المحتل بكل عزةٍ وكبرياءٍ، أننا هنا باقون، إما أن نخرج جميعاً أو نبقى جميعاً، فلا استثناء لأسيرة، ولا استبقاء لأخرى، ولا مكان لمبررات العدو ومسوغاته، فنحن جميعاً مناضلاتٌ ومقاوماتٌ في سبيل قضية حق، تؤيدها كل الأعراف والمواثيق الدولية، ونحن لا نستهوي القتل ولا نحب ترويع الآخرين، ولا نستهدف المدنيين ولا نقتل غير المحاربين، ولعل عبير رفضت يوماً أن تطلق النار على مستوطنين كانوا تحت مرمى نيران بندقيتها، وامتنعت عن إطلاق النار عليهم بسبب وجود أطفالٍ معهم، وقد كان بإمكانها قتلهم، ولكن فهمها للمقاومة الشريفة النبيلة، وإيمانها بقضيتها العادلة، منعها من إطلاق النار على الصبية والأطفال.
 
جن جنون سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وأخذت سلطة مصلحة السجون تضغط على الأسيرات حيناً وتفاوضهن حيناً آخر، ففرقتهن وباعدت بينهن، وعزلتهن وعاقبتهن، وحاولت الوقيعة بينهن، واستغلت كل السبل الممكنة لتفريق جمعهن وكسر كلمتهن، ومارست في حقهن القمع وشنت ضدهن حملات التفتيش الهمجية، وقطعت عنهن الكهرباء الماء، ولكن الأسيرات الفلسطينيات وقفن بعزةٍ وكبرياء، وكأنهن الحرائر الأحرار، وكررهن شرطهن وأعدن على مسامع الاحتلال كلمتهن، إما نخرج جميعاً معاً أو نبقى معاً، فلن تخرج منا أسيرةٌ وتترك وراءها أختها، وتبقي مكانها سواها، وكان موقف الأسيرات اللاتي وردت أسماؤهن قوياً ثابتاً، ولم يضعفهن حنين العودة، ولا مشاعر اللقاء أو عواطف الأسرة والعائلة.
 
سنةٌ ونصف مضتا على اتفاق طابا الذي قضى بالإفراج عن الأسيرات الفلسطينيات، ولكن العدو الصهيوني كعادته التي عُرف بها، فقد نكث بالاتفاق وأخلف الوعد، وأصر على استبقاء بعض الأسيرات، ولكنه ما كان يعلم أنه سيواجه مقاومةً لا تعرف اللين، وصبراً لا يعرف العجز، ويقيناً لا يؤمن بالمستحيل، فبدا أمام الأسيرات ضعيفاً مهزوزاً، لا يقوى على كسر إرادتهم أو تفريق جمعهن، فما كان منه إلا أن رضخ لإرادتهن، وسلم بشروطهن، ووقف كسيراً أمامهن وهن يغلقن باب السجن وراءهن، وقد أوفين بالعهد، وثبتن على الموقف، حتى كلل الله جهودهن بالحرية، وأكرمهن بالتحرير، فألف تحيةٍ لَكُنَّ أيتها الأسيرات الباسلات، وإلى حريةٍ جديدةٍ كريمةٍ عزيزةٍ، نفرضها بعزمنا وصبرنا، وإرادتنا وصمودنا.
 
بيروت في 17/4/2021

*****

Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html
رابط لتصفح و تحميل الملحق الشهري العددين ـ 27/ ـ28 فيفري مارس 2021 ـ

https://fr.calameo.com/read/00623359483d1f3663339
https://www.calameo.com/books/00623359483d1f3663339

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها لنصرة الكلمة الحرة
Pour FEUILLETER ou télécharger le supplément mensuel de "elfaycal.com" numéros 27 et 28 mois (février et mars 2021
format PDF, cliquez ou copiez ces liens :
https://fr.calameo.com/read/00623359483d1f3663339
https://www.calameo.com/books/00623359483d1f3663339
*****
أرشيف صور نصوص ـ في فيديوهات ـ نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) liens روابط
https://www.youtube.com/watch?v=B92-d7N_CK0&feature=youtu.be
https://www.youtube.com/watch?v=SVdWPglMDXM

‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :