wrapper

السبت 18 ماي 2024

مختصرات :

 

الفيصل ـ نشرـ باريس:

إيمانا منها بأهمية الفكر و الإبداع الأصيل و المتميّز و الهادف البناء و الإختلافي في الرؤى لإثراء النقاش الثقافي الأدبي ككل، تواصل " الفيصل" بنفس النوايا و الإصرار لمد يد العون لكل من يفتقد إلى الصوت النزيه للتعريف بقدراته و ملكاته الإبداعية في مختلف الأجناس الأدبية العربيةو ها نحن نقدم بهذه التجربة في سبيل دفع متميزينا من الأدباء الذين غيبتهم من جهة ظروفهم الخاصة و من جهة أخرى سياسات التعتيم و الإبعاد و الإقصاء لخيرة أفراد المجتمع الذين يسكنهم هم واحد ، و هو الارتقاء بالمجتمع و تهذيبه و توعيته من خلال الإبداع و الفكر النيّر.

 

ـ انطلقت في السنة المنصرمة عملية تشجيع الأدباء و المبدعين العرب من كل قطر دون ميز أو حساسية في نشر تسلسلي لكل من يرغب لمخطوطات أعماله الروائية و القصصية و الشعرية، مصحوبا بغلاف من تصميم الفيصل بغية شد انتباه " دور النشر العربية" النزيهة التي تتأصّل و تتنصَّل متبرئة  من تلك الدور المشبوهة و الشبيهة بدكاكين " النشر للرداءة  و النصب و توزيع الاحتيال!". من مسلسل رواية " باب الشمس" للأديب المغربي " حسين الباز" إلى مسلسل "امرأة من الجنوب" للمبدع المصري " خالد الحديدي" جديرة بالقراءة و المتابعة من قبل القراء و المهتمين و كذلك المبدعين. ننشر حيثياتها في فصول (أجزاء)  تشجيعا للمبدع  " خالد الحديدي" ـ مصر ـ على ما يحاول من أفكار جديرة باحترام الجميع.ـ نتمني لكم قراءة ممتعة مع مسلسل مخطوط رواية "امرأة من الجنوب".

كل الحقوق محفوظة للفيصل و للمؤلف، و كل جهة تودّ استغلال هذا العمل الأدبي أو التقدم بعرض نشر لطبعه ورقيا أو إلكترونيا الاتصال بالصحيفة و بالمؤلف لمدارسة ذلك. 

الفيصل  ـ  باريس

****

رواية : "امرأة من الجنـــــ06 ـــــوب

بقلم: خالد الحديدي

ـ  الفصل السادس:

مدينة القاهرة، تلك المدينة القاسية دائما على الغرباء والتي تشبه الطاحونة، مدينة التناقضات البديعة، كل تفاصيلها تؤدي إلى النتائج وعكسها بالكامل رأت زهرة عن كثب العمارات التي تمتد ذات اليمين وذات الشمال تفصل بينها طرقات وممرات لا تحصى فكأنها ثكنات هائلة يضل فيها البصر وتيارات من الخلق لا تنقطع وهتافات ونداءات حقيقية تثير اعصابهم القلقة كأعصابها. الغلاء والجوع يزحف بإصرار نحو السواد الأعظم من الناس، وجميع الأمراض الاجتماعية التي تنجم من مثل هذه الأوضاع. البنوك التجارية المشبوهة نمت كالأورام السرطانية واستشرت في العاصمة وكل أنحاء البلاد. وأخذت تمتص عرق ودماء المواطنين. ينتظرون الموت البطيء فقد كان الموت الوسيلة الوحيدة للهروب. ،

هذه هي القاهرة التي دخلتها زهرة لأول مرة في حياتها بحثا عن ابنها سامي. ظلت سيارة الأجرة التي اقلتها من موقف الباصات تشق طرقات القاهرة، كحلت زهرة عينيها بكل هذا التناقض العجيب في العاصمة آنذاك. توقفت السيارة آخيرا أمام مكتبة فخمة بشارع طلعت حرب وأشار السائق لها بالعنوان.

- هذه مكتبة دار الفكر. حسب العنوان.

واستدارت منطلقة بخطى واثقة إلى داخل المكتبة حيث كان يجلس رجل في العقد الرابع من عمره وسط ارتال الكتب يدون في مفكرته أرقاما، يبدو عليه الاهتمام الشديد، حيته زهرة في أدب.

- السلام عليكم.

رفع رجل رأسه من خلال نظارته الطبية وجه إليها نظرة عدم اكتراث ويعزى ذلك لمظهرها القروي.

- اهلا وسهلا.

- أني قادمة إليك من الأحرار في المنيا.

اتسعت عينا الرجل من الدهشة، نهض الرجل وحياها بحرارة، جلست زهرة على الكرسي وناولت الرجل خطاب سالم فضه الرجل على العجل وبدأ يقرأه، بان الاهتمام الممزوج بالدهشة في وجهه. كان يوجه نظرة بين الفينة والفينة إليها فأخذت تنظر إليه في اعتزاز، نهض الرجل مرة أخرى وحياها بحرارة وإجلال وهو يضحك في حبور، يبدو أن رسالة اصدقاءه كانت حافلة بالأخبار.

- لقد أطلق عليك أصدقائي اسم حركي.

- ماذا تعني باسم حركي.

- اسم سري. الأم العظيمة.

ضحكت زهرة لهذا الاسم الجديد.

جعلتموني شيوعية أو علمانية مثلكم وأنا امرأة جاهلة لا أكاد أفقه حديثا.

جلس الرجل وألقى بظهره على مسند الكرسي وأردف في نبرة خطابية.

- أنت لست جاهلة. بل أنت امرأة أمية وهناك فرق شاسع بين الجهل والأمية.

أصبح هذا النوع من الحديث يستهوي زهرة فأومأت موافقة وتابع الرجل حديثه.

- هناك فئة من الناس أمية لا تجيد القراءة والكتابة ولكنها تسير الحياة بالحنكة والذكاء الاجتماعي وهناك فئة من الناس جاهلة بصرف النظر إذا كانت عادية أو تحمل شهادات جامعية والجاهل انعكاساته ضارة بالمجتمع

ظل الرجل يتحدث بأسلوب بلاغي رصين، وكلامه يقع على قلب زهرة مباشرة. زهرة المرأة القروية التي اصبحت أكثر وعيا. واصل الرجل كلامه المؤثر.

- انظري إلى حكومتنا هذه، تعج بأصحاب الشهادات العالية، نسمع جعجعة ولا نرى سوى الغلاء، ولهذا كان هذا السقوط المريع الآن ولا ندرى ماذا يخبئ لنا المستقبل من مفاجآت غير سارة. ظلت زهرة تستمع للرجل في أدب جم، فقد تعلمت حسن الاستماع منذ بداية رحلتها الطويلة، كان الكلام ينحفر في ذاكرتها ولا ينمحي، تنبه الرجل أنه استرسل في الحديث أكثر مما يجب فلاذ بالصمت. ومن الحقيبة الجديدة التي أهداها لها الأشباح أخرجت المنشورات وسلمتها له. أخذ الرجل المنشورات ووضعها في عناية في درج سري على مكتبه ثم نظر إلى زهرة مبتسما

- اخبرني الرفاق في الرسالة انك تبحثين عن منزل عم أولادك، ما اسمه.

- مراد أحمد البحراوي. المحامي. وقع الاسم على أذن الرجل وقوع الصاعقة واصابه ارتباك شديد، فطنت له زهرة.

- هذا الرجل يحتل منصب خطير الآن في تشكيل الحكومة الجديدة. لم تصدق زهرة أذنيها، هل الأمور تطورت إلى هذا الحد؟ . مراد عم أولادها أصبح من رجال الحكومة. وهي التي كانت ستخبره برحلتها الشاقة وبالتفاصيل المملة، تنبهت زهرة من شرودها وابتسمت ابتسامة صفراء وقد خلا وجهها من التعبير، نهض الرجل ونادى سائقه الخاص الذي كان يجلس أمام المكتبة يتأمل السيارات المنسابة على الطريق في عدم اكتراث، امره بتوصيل زهرةانطلقت السيارة مرة أخرى في شوارع القاهرة الصاخبة. كانت جنة عدن تلوح أمام عينا زهرة، المنازل عديدة الطوابق، تحيط بها الحدائق الغناء وتشدو فيها العصافير، قطعة من الفردوس على الأرض، لكنه فردوس زائف، ظلت زهرة تتأمل هذه العمارات الشاهقة في احتقار، لم تعد قروية تبهرها العمارات الفخمة، بل غدت امرأة واعية. أصبحت زهرة ذات بصيرة نافذة شحذتها التجارب، توقفت العربة أمام القصر المنيف الذي كان عدد العربات المتناثرة أمامه بعدد الكلاب التي تحرسه. الكلاب المستوردة من الخارج وتعيش في مستوى أفضل بكثير من الناس في الاحياء الشعبية الفقيرة، هناك جندي يقوم بالحراسة. يطل من نافذة كبينته الخشبية ويحمل في يده بندقية. نزلت زهرة من السيارة واندفعت إلى داخل المنزل دون أن تأبه للجندي الذي عقدت الدهشة لسانه، لم يدر هل يتابع المرأة الجريئة أم العربة التي أتت بها ثم انطلقت بعيدا كأنها تهرب من هذا المكان الآثم. دخلت زهرة البهو الكبير ووجدت مراد وزوجته فاطمة وسط قطع الأثاث الفاخر يشربان الشاي في أواني فضية. الجمت المفاجئة مراد عندما رأى زهرة تقف أمامه والدموع تنهمر من عينيها مدرارا، اندفع الرجل وزوجته نحوها في إشفاق وساعداها على الجلوس وهي تنتحب بحرقة

- لماذا أخذت ابني يا مراد؟ احس مراد بتأنيب الضمير لدى سماعه كلمات زهرة المشحونة بالوجع.

- أنا آسف يا زهرة لم يسعفني الوقت. كيف حضرت إلى هنا؟

- هذه قصة طويلة دعك منها الآن. قالت زهرة ذلك، أخذت تتلفت بحثا عن ولدها سامي، فطن مراد إلى ذلك.

- سامي في المدرسة، أدخلناه مدرسة خاصة حتى ينال التعليم الجيد. ثم التفت إلى زوجته الطيبة وانتهرها كالمعتاد

- هيا أخبري الطباخة تجهز لها طعام أنها تبدو جائعة.

نهضت فاطمة ودخلت إلى داخل القصر وجلس مراد يواسي زهرة ويعتذر لها. أعلن نفير سيارة في الخارج عن وصول سامي وهند. ودلفا إلى البيت. الهبت المفاجئة مشاعر سامي وهو يرى أمه بهيئتها المتواضعة تجلس وسط الثراء الفاحش، اندفع سامي وهند وارتميا في أحضان زهرة التي عبثت بها الأشجان واندفعت دموعها. كان سامي سعيد برؤية أمه

نظر مراد إلى الساعة واستأذن زهرة منصرفا.

- أريد أن أذهب إلى المستشفى لزيارة أمنا آمنة، تنبهت زهرة أنها في غمرة الأحداث لم تسأل عن حماتها

- كيف حالها الآن؟

- قليل من الأملاح في المثانة، لا أدري لماذا تصر على البقاء في البلد القديمة وقد نزح عنها كل الناس. تمتمت ملكة في أسى.

- التمسك بالأرض شرف عظيم، تعرفه الأم آمنة. ثم التفت إلى ابنها سامي وهي تمسح على رأسه.

- سأزورها مساء مع سامي. كانت هذه آخر كلمات وبعدها انصرف مراد، وصعدت فاطمة وابنتها هند إلى الطابق الأعلى جلست زهرة مع ابنها يتناولان طعام الغداء، أخذ سامي يتأمل ملابس أمه العادية في امتعاض.

- ما هذه الملابس التي ترتديها يا أماه؟

يبدو أن ابنها أخذ في التحول إلى مسخ بصورة سريعة. ومضت هذه الخاطرة في ذهن زهرة سريعا ثم تلاشت واجابته في اقتضاب.

- منذ متى كانت ملابسي فاخرة. انا مزارعة وليست وزيرة.

شعر سامي بالقلق لزيارة أمه، ظل يحاول اخفاءه بصعوبة، نهض وغسل يديه، وانطلق نحو آلة الأرغن وأخذ يعزف عليها لحن جميل زهرة تنظر إليه في دهشة. التفت إلى أمه.

- اشتراه لي عمي مراد منذ حضوري. انظري كم هي آلة عظيمة وليست كالناي القديم المتهالك في القرية. ظلت زهرة تسمع كلام ابنها وقد أخذ يتضاءل أمام ناظرها، ما دهى هذا الغلام؟ كانت تخاف عليه من مثل هذا. أن يصاب بهذا الانفصام الخطير. ".

- سامي يا ولدي. هل طاب لك المقام هنا؟

نهض سامي من الآلة الموسيقية واتجه نحو النافذة وسرح بخياله بعيدا ثم استدار.

- نعم ولا يا أمي.

- ماذا تعني؟

- لا أدي ماذا أقول. إذا قلت لك لست مرتاحا أكون كذبت وإذا قلت لك مرتاح أكون كذبت أيضا.

- هذا يعني أنك ستعود معي بعد زيارة جدتك، كما تعلم أني في عجلة من أمري.

لا يا أماه لن أرجع. أنا جئت من أجل أهداف محددة أريد أن أرفع مستواكم المعيشي وهذا لن يتحقق إلا بنيل الشهادات العليا. كما فعل عمي مراد.

- يجب أن تعرف أن عمك مراد هذا صنيعة والدك الذي ضحى من أجله وخرج إلى العمل مبكرا وانفق على عمك بعد وفاة جدك طيلة سنوات دراسته حتى نال الدرجات العليا التي تراها الآن.

كان كلام زهرة يوخز سامي كالإبر. فهو غلام صاحب طموحات كبيرة ولكنها للأسف طموحات مريضة. وانبرى سامي قائلا في يأس.

- لن تفهميني إطلاقا يا أماه!

- ماذا تريد أن أفهم. الثراء الذي هبط عليك فجأة جعلك تزدري مظهري. هل تريدني أن أفهم ذلك؟ أني أخشى اليوم الذي تنكرني فيه. يا ابني القاهرة ليست بلدنا.

لم يطق سامي هذا اللوم العنيف واندفع نحو أمه واحتضنها وهو يبكي.

- أنا آسف يا أماه إذا كنت قد آذيت شعورك.

- إذا كنت تحب أمك عد معي، ليتك تعرف كم عانيت للوصول إليك، يا أبني نحن أهل القرى لا نستطيع العيش في مدن بلا نخيل.

- لكن يا أمي أنا أريد مساعدتكم وأريد حل مشاكلكم.

لن تساعد أحد يا أبني غير نفسك. لقد مررت على شباب في سنك يريدون حل مشكلة البلاد كلها. لا تقل هذا يا عزيزي أرجوك عد معي.

لاذ سامي بالصمت الممزوج بالإحباط، نهضت زهرة بعد فراغها من الغداء وحملت الأواني إلى المطبخ رغم اعتراضات الخدم الشديد فهي لم تعتاد أن يخدمها أحد. جلس سامي مرة أخرى على آلة الأرغن وعزف عليها ألحان متنافرة عكست اضطراباته النفسية الشديدة. لقد خلق ظهور أمه المفاجئ على مسرح حياته صراعا داخليا شديدا في دهاليز نفسه البادية في الانشراخ. ماذا يفعل؟ البقاء في المدينة والحياة الرغدة والمستقبل المشرق أم العودة إلى القرية البعيدة المدفونة في الرمال حيث الملل والحياة الخاوية التي لا تلائمه.

(يتبع)

ـــــــــ

  طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل :

https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: : https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link:  https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على السبت, 16 شباط/فبراير 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :