wrapper

الجمعة 26 أبريل 2024

مختصرات :

ـ قراءة: عمر سليمان ـ مصر 

 

* نقف أمام الجزء الثاني من ثلاثية الأنفوشي رائعة الكاتب الكبير محمد عزام، والمهضومة ـ في رأيي ـ هضم من أوليائها أولًا قبل النقاد والوسط الثقافي عامةً.* نقف أمام البؤساء المصرية بكل معنى الكلمة، لكن بأجواء مصرية، وموروث أخلاقي شرقي، وحقبة معينة، وظروف مختلفة. تتحد فقط في أن كل شخصيات الرواية بائس يُواجه الفقر والشقاء والجوع (جوع الطعام، الجنس، الحرية)، وانعدام رضا النساء، الكبت وتقييد الحريات،

القهر المجتمعي، استباحة الأعراض، رواج الزنا والدعارة على مستوى الوطن العربي، فساد ذمم المسئولين، انعدام الأمان في مؤسسة الأمن، تزعم العصابات وسيادتها وقدرتهم على الحل والربط بدلًا من رجال الأمن!* الفقر هو البطل هنا، حتى أن تصدير روايته مَحموم به كلعنة: (يلازمني منذ ولادتي، لا يُفارقني حتى ولو لحظات، يخدعني بالفراق، فأجده أشد التصاقًا بي من ذي قبل، أعظم وفاءً ممن حولي من الأحبة، كم تمنيت رحيله قبل الرحيل إلى المستقر الأخير.. هلى تُرى سيفي بإخلاصه حتى في خطوات البحث عن كفني وحنطتي؟ أيها الفقر.. عليك اللعنة.) أنسنة للفقر، تُذكرنا حديث ـ هناك من نسبها إلى عمر بن الخطاب و هناك من نسبها إلى علي  رضي الله عنهما ، لعدم توفر المرجع و المصدر : (لو كان الفقر رجلُا لقتلته)، لكن هنا يلعنه محمد عزام مباشرةً، وكأنها كلمات بائس يائس أخيرة.* على مدار الرواية نرى مظاهر بؤس الفقر، أبرزها: (تحاول صد الجوع بقليل من الخبز، والفول النابت والمدمس، وقطع البطاطس المسلوقة، مع حبات الملح والفلفل، لا تقدر أن تفعل أكثر من ذلك.) (أنهى لطفي إفطاره، جلس بجانب النافذة يحتسي كوب الشاي، فاكهة الفقير.) (الأنفوشي تتوهج تحت أضواء أنوار شهر رمضان، أصوات الدراجات المزودة بقطع الكرتون بين أسلاك إطاراتها تقعقع على الطريق، تتحدى أصوات المستعجلة، ذات الثلاث عجلات الرومان بللي المُستعمل، صاحبة فاقدي الحيلة في ركوب الدراجة.) (كان مستعدًا لطرق الخطاب، وتلبية تجهيز ابنته بكل ما ترغب، مثل أي عروس من بنات عائلته الأرستقراطية، كان يعرف أن هناك من الفوارق بينه وبين رجال العائلة، فهو إن طلع أو نزل، هو عامل تلميع الموبيليا، أسترجي، الأسطى لطفي، صاحب الأصابع المصبوغة بطبقة الجملكة، نظر إلى كفيه وراوده السؤال المؤلم: كيف يكون حال العريس عندما يضع كفه في هذا الكف المصبوغ بمادة الجملكة؟! نعم هذان الكفان سيُغطيان بالمنديل الأبيض، ولكن لا مفر من إحساس العريس بخشونة الأصابع) (كان مغتمًا لفراغ حافظة نقوده مرة أخرى، بعد أخذ امرأته كل ما تريد لتجهيز ابنته ثريا، غير عابئة بمصاريف ولديه علي ولملوم، كان همها أن تتحدى عائلته الأرستقراطية في المنافسة بكل ما يلزم ابنتها، بل وأكثر من بنات عائلته، حتى أصبح مكبلًا بالكمبيالات الشهرية لتسديد بقية جهاز ابنته ثريا... لا مفر من تناول كوب الشاي وكسرة الخبز، ومواصلة تعاسته كما كان في الماضي.) (عاصم يقف وراءه من الأشقاء تسعة من الذكور والإناث، كلهم وكلهن فاتحوا أياديهم وأياديهن للطعام والشراب، والملبس ومصاريف التعليم، والأعياد والأفراح والمناسبات، لا يقدر عليها والد عاصم، العامل البسيط، الذي بالكاد يكفيهم بالخبز وقليل من الفول والطعمية، وأيضًا توفير بعض النقود القليلة لوجبته المفضلة: الخبز المفتت في إناء الكحول والمياه الغازية.) (يا بني، ألا يوجد في البحر غير سمك البطاطا؟! ألا يوجد سمك آخر حتى ولو قراميط؟! ما كان على لملوم إلا أن يضحك من هذا الحوار المُعيب لصيده وسمكة البطاطا في آن، حاول مرارًا توضيح الأمر، سمكة البطاطا لا تكلفه شيئًا من النقود، سمكة قانعة بخُضرة صخور البحر.) * ظلت كسرة الخبز تبرز من بنطال لطفي، أقوى رمز للفقر. للجوع الطارئ: (استقبل لطفي نسيم الحرية، أخرج قطعة الخبز من بنطاله، اقتسمها مع امرأته.)
(لم يسمع أي خطوات قريبة من الغرفة أو الزنزانة، ولا أصوات خارج المبنى، في أي شارع هو؟! وفي أي منطقة؟! أسئلة كثيرة لم يجد لها إجابات، أخرج قطعة الخبز من بنطاله، أخذ يقرضها في هدوء.) (أخرج لطفي كسرة الخبز من بنطاله: كسرة الخبز تلك، أحملها دائمًا معي، أقضم منها، أختزن بقيتها ليوم آخر.) . ثم اختفت كسرة الخبز في لحظةٍ ما، بعد اعتقاله للمرة الثانية مباشرةً، ولم يعد لها أثر بعد خروجه من المعتقل، وخيانة امرأته، متزامنًا من النكسة، ثم موت الزعيم، وبدأ عصر الحرية. وكأن كسرة الخبز لم تعد موجودة، إضافة إلى أن الجوع نفسه اختفى بإنسانية مُعذبة، مرزحة بالمصائب والصدمات، لا شهية لها، ولا رغبة في الحياة.

* لم يكن بؤس البأساء في فقرهم وجوعهم وحده، بل في بؤس الحرمان والاضطهاد وكبت الحريات والاعتقال السياسي والهرب من المراقبة والبطالة والمهانة والتمرد والتبطر النسوي وانعدام الشرف ووضع سياسي مُزري ومُنتكس ومهزوم: (التوقيع باستلام زوجها لطفي، مع التعهد بعدم التعرض بإثارته، وفتح بركان غضبه وإثارة مشاعره.
اعترضت شريفة بعدم التوقيع على هذا التعهد، أغلق الموظف باب الحجرة، أمرها بالجلوس ومحاولة إقناعها، قاطعته بإشارة من يدها: ـ كيف أكون مسئولة عن رجل وهو الأولى أن أكون مسئولة منه؟! ألا يكفي ما تحملت خلال غيابه عن بيته وأولاده! ثلاثة أشهر في ذل وهوان وأبناء جياع، لا أملك إطعامهم الخبز حتى؟!) (صعد لطفي السيارة الفورد قاتمة اللون، كئيبة المنظر، الجميع يخشاها ويخشى حتى مرورها بجانبهم، كانت ممتلئة بأمثاله من الرجال، لا يدري لماذا جُرَّ بعد صلاة الفجر، وسُحب من قفاه على باب المسجد! لم يرتكب جرمًا، ولم يفعل بعمله النهاري والليلي شيئًا يؤدي به إلى هذه السيارة، وهذه المعاملة القاسية، من هؤلاء الرجال غلاظ القلوب والأجساد! حاول التحدث للرجل الجالس بجانبه، تلقى على وجهه أسرع حديث، قبضة اليد الغليظة، هبط من السيارة في طابور المقهورين أمثاله) (ها هو يذهب بإرادته للقاء زميل عنبره، بمستشفى الأمراض العقلية، الذي أصبح بقدرة قادر المحقق، عالي المقام، بإدارات الأمن القابضة الخانقة لكل متنفس للحرية، والمغلقة لكلمة لا، لا بد أن تخرج كلمة نعم، نعم، نعم. لا سبيل إلى كلمة لا بمصر، مصيرها الحبس والقتل بأساليب التعذيب المتطورة، التي نهضت وترعرعت مع خطوات أحرار مصر، ضباطها الأحرار.) (انتعش صاحب السواد، أشعل لفافة أخرى، ابتسم للدخان الصاعد مع صعود فكره لصاحبه لطفي، يعشق طبقة البروليتاريا، الطبقة الكادحة الحالمة بالقفز فوق خط الفقر. جاءت الثورة لتعبر بمصر، من حاشية الملك والباشاوات والبهوات، إلى عدالة التوزيع والمساواة بين أفراد المجتمع المصري. ولكن ما زال لطفي بعيدًا عن الوصول والقفز من الفقر إلى حتى أول درجات التنعم، ولو بالقليل من الرفاهية وسعة الرزق.)
(محمد علي استغل قلعته في المذبحة، الآن وحتى هذه الساعة مائدة المذابح مقامة من ذبح وقتل، وأزيد من تعذيب واعتقال، وأزيد من حبس، ذبح للكرامة، وقتل مَن يُعارض، وتعذيب من تراوده حتى الفكرة، الفكرة يا سادة، حجَّموا عقولنا، قطعوا ألسنتنا، أنا لطفي صاحب كسرة الخبز، زميل كوب الشاي، حبيب فراشي الخشن، رضيت برزقي القليل، وامرأتي شريفة. وأبنائي: ثريا وعلي ولملوم، قنعت بانقلاب الضباط، المسمين بالأحرار، بنوا السد، رووا أراضي الفقر بعد أن كادت تجف، زاد الفقر، وزادت فروعه، وكبرت أنيابه، كان ملك واحد، الآن أصبح الأحرار ملوكًا، ينتشرون في الأرض، ويعيثون فسادًا، محمد علي قتل المماليك، المارد ذبح الشعب كله، أسقط مصر كلها، استنوق المارد، أصبح ناقة، أصحابه سكنوا في أحضان فاتنات السينما والغناء، هدموا الأهرامات الثلاثة، الاتحاد والنظام والعمل، ذبحوا شعبًا بأكمله، وأنا من هذا الشعب المذبوح) (حريتي، حريتي مطلب شاق، لا وصول إليه إلا بعد المواجهة، الموت، الاعتقال، مع أمواج البحر السوداء، بظلمة الليل الحالك، حتى الوجوه حولها كالحة، جافة، لا فرق بينها وبين الأسماك المرصوصة على شاطئ البحر، تلفحها حرارة الشمس، تُجفف وتُملح، وتؤكل، وتلوك بها الأفواه)
(أخرج أوراق التقارير، عليه استكمال تقريره الأسبوعي عن أعضاء مجالس إدارات الشركات، لم يتمكن من التعرض لهم بالإدانة أو المساءلة، أكثرهم من المتقاعدين، من أهم دعائم الدولة، القوات المسلحة، وضعهم زعيم النكسة؛ حتى يتمكن من فرد أجنحة السيطرة على طبقات الشعب والتحكم في كل شيء، الشعب الباحث عن العدالة الاجتماعية، تبخرت ورحلت في مهب الرياح، أمال العمال والفلاحين، أصحاب الأيدي الكادحة الخشنة، طبقة البروليتاريا، رجعت للخلف، أمر عسكري للخلف دُر، تسكن في أحضان النكسة) (الدرويش كان في عصر الملك فاروق، عصر حماية الشرف والكرامة للرجل، وأولها مع امرأته، الآن عصر آخر، يُداس الرجل ويهان بالأقسام والمحاكم، وآخره لعبة حرية المرأة، تضرب وتطيح، ولا مانع من تقطيع الرأس والأكتاف والأرجل، والقذف في أقرب أكوام من الزبالة.) (هناك فراشها مرتب، يئن من حرمان اهتزازه وفركشة أغطيته، لا بلل ولا لزوجة، تائه عن الآهات والتأوه مع من لفظ كل الحب وهجر كل السنين بكل ما فيها) * برغم أن "أزميرالدا" عنوان مُعبر عن الرواية، ولم تُذكر الكلمة نهائيًا بالرواية، إلا أنه لم يرقني لسبب واحد، أن الاسم غير معروف للقارئ البسيط، وليس كل قارئ يملك جوجل أو حصيلة ثقافية تمده بالمعلومة ومدى ارتباطها بالرواية. . أزميرالدا أو أجنيس البطلة في رواية أحدب نوتردام ل"شكسبير الرواية فيكتور هوجو". يُصادف أن مؤلف البؤساء هو نفسه مؤلف أحدب نوتردام. (اتخذ فيكتور هوجو دائمًا موقفًا ضد الظلم وغياب العدل وأنصت لصوت الضعفاء والمحرومين، وهو كمبدع أصيل لم يعيش حياته بجُبن، مطمئن على نفسه بالصمت) كأنما تأثر الكاتب بشخصية فيكتور هوجو وبنسق أجواء رواياته. أو أن الروايتان تُكملان بعضهما، ولهما أصل واحد. . هنا شريفة هي البطلة، الشخصية الرئيسية في الرواية، والتي بدأت بها كذلك، وهي المقصودة بالعنوان. أزميرالدا، المهرجة أو الراقصة التي سلبت لُب الرجال من حولها بجمالها. (شعرها أسود طويل مجعد، بشرتها سمراء اللون، عيناها سوداوتان وكبيرتان ورموشها طويلة) بالضبط كشريفة ـ عدا بياض البشرة ـ وبنكهة مصرية خالصة، والتي برغم وقوعها في وَحل الخطيئة شَريفة بمعنى الكلمة؛ لأنها باعت شرفها لإنقاذ زوجها وحبيبها من غياهب السجون السياسية. . هي التي تصارع عليها الجميع، وأظهر أخلاقه وحقيقته على عكس ظاهرهم، فلطفي/الأحدب فقير قبيح، إنما في داخله طيبة ونقاء وحب كبير تعامل بهم مع شريفة/أزميرالدا. وعقيد الأمن القواد/ القس فرولو، برغم ما يُمثل من حماية وأمن وإيمان ظاهريًا، يكشف عن مَكنون نفسه الكريهة بالاستحواذ على شريفة/أزميرالدا بالعنف والاغتصاب.. لحد كبير يشبه لطفي أحدب نوتردام، ( كوازيمودو، اللقيط قبيح المظهر حسن الجوهر، زعيم المهرجين في احتفال المهرجين، وقع الأحدب ظاهريًا في حب شابة جميلة محاولًا التضحية بحياته عدة مرات من أجلها، لكن الواقع أن الأحدب بعاهته والنكران والقمع الذي عانى منهما، وقع في حب دفء الجمال الإنساني المحروم منه، جمال ظهر أمامه في صورة امرأة، عطفت عليه ولن تسخر من عاهته أو تشويه جسده، كان هدف تضحياته من أجلها إبقاء هذا الجمال الإنساني في الحياة فلا يُحرم الوجود منه، أدرك بعظمه وهو الأحدب أن فناء جسده القبيح يعني استمرارية أعماقه الإنسانية الجميلة بالبقاء) فهو مُتيم بحب امرأته، مرضه وشقاءه، ويُمكن أن نُسميه هنا أحدب الأنفوشي.. مستشفى المجانين هنا هي نظرة المجتمع للشخص المختلف المعاق بالنسبة لـ كوازيمودو ، وبالنسبة للطفي البائس المتضعضع تحت ضغوط الحياة:(أنا لست بعامل جملكة وتلميع الموبيليا فقط، بل كنت في المرحلة المتوسطة من التعليم، ولكن هذا قدري، انفصال الأب وتزوج الأم؛ فكان حالي هكذا، أعشق الفن، وأحب الجنس، ويذوب جسدي في حضن امرأتي، ولا أفارق حبيبتي الإسكندرية.) (شخصية مسالمة، لا تحمل العدوانية، يعشق كسرة الخبز، وحبه لكوب الشاي دون غيره من المشروبات، لم يشاهده مرة يُدخن.) (لطفي لا يعرف من السياسة إلا القليل، فطرة عقيدته، يعشق الحرية منذ ولادته، تنمو مع مرور الأيام والسنين، وأخيرًا الأحداث، دائمًا هياج بداخله، مع فقر وعذاب، ومشاركة أسرته لهذا العذاب، والتي كان ختامها اعتقاله، لتأتي شريفة لإنقاذه، تسقط هي الأخرى في غياهب الرزيلة والخيانة والزنا، واللعب مع الكبار، لطفي الطيب الفقير الثائر) (زعيم طبقة البروليتاريا) (عاشق ومعشوق البروليتاريا)
. إنه خير مُعبر عن بؤس الرجل المصري، وغاية الشبه بكوازيمودو المعوق البسيط المُحب الواعي المكافح، المتفاني في سبيل حبيبته وأسرته وعيش الحياة. . المقطع الأخير ملخص لما فعلته شريفة/أزميرالدا مع لطفي/ كوازيمودو. أزميرالدا صارعت من أجل كوازيمودو. لكن في النسخة المصرية. ينهزم الاثنان، بلا انتصار لأي منهما. ففي المجتمع المصري الشرقي المتدين لا يُمكن مسامحة شريفة/أزميرالدا على خيانتها ومروقها، وهذا هو ما يجعلنا نشكك في تناسب العنوان مع الرواية وتشابه شريفة بأزميرالدا الأوروبية: (لم يهتز لخيانة امرأته شريفة، لا يبالي بها، أصبحت نكرة، بالونة كان يلعب بها ثم انفجرت وطارت في الهواء، نعم، صوت مصيبتها ما زال يرن بين ردهات حبه الذي ضاع، رحل عنه الشعور بالذنب، نعم وقعت في وحل الخيانة، ولكن برغبتها، كان بإمكانها الصبر على غيابه حتى يعود، لم تصبر ولم تتحمل بعض المشاق والرعاية لأولادها، طرقت أبواب جهنم الحمراء، الشهوة والحب الحرام) . هنا شريفة هي مصر، هي النكسة(نكسة 67) التي أصابت بها نفسها. وضيعت بها شعبها/أسرتها. * ألقت الرواية الضوء على أربع شخصيات رئيسية ( شريفة، لطفي، لملوم الابن الأصغر شديد الشبه بطبع أبيه لطفي، ضابط الأمن جامد الملامح صاحب النظارة السوداء زميل لطفي بعنبر مستشفى الأمراض العقلية) في فصول تناوبية، تدور في فلكها شخصيات ثانوية: (الحاج نجاتي صاحب المصبغة التي عملت بها شريفة/ موظف مستشفى الأمراض العصبية والنفسية/ ثريا الابنة الكبرى وزوجها البصباص صاحب الغراميات/ علي الابن الأوسط/ فتحي الشاب المخنث المدلل صباحًا وتوحة الراقصة مساءً/ أم حلويات جارة الأنفوشي/ شقيق لطفي سالم/ محمد بك زوج شقيقة لطفي جميلة/ المرأة اللعوب جارة الطابق الأعلى بالأنفوشي المسماة بالست مصيبة الشهوانية/ سعداوي السمكري منقذ الأسر الفقيرة المترامية بين أطراف محله/ الشيخ درويش قاتل زوجته الخائنة بالأنفوشي/ عاشقة المنجد جمالات/ رفيقة الرجل الدبلوماسي الزنجي إنجي/ بائعة الهوة سكرة/ أم حربي تاجرة المخدرات وبائعة الحشيش بمسكن الحجاري/ بيحة ابنة الجيران صاحبة الشعر الأصفر والجسد النحيف عشيقة لملوم/ الجار أبو تمام/ شكري زميل لملوم شارح اللغة الإنجليزية/ الفنان والمخرج والمؤلف نجيب سرور/ عاملة السويتش بمستشفى الأمراض العقلية/ فراش مدرسة لملوم/ نعيم صاحب لملوم/ الأشقاء سردينة وبطاطا وممس وشقيقتهم الكبرى أحلام أصحاب لملوم/ عاصم طالب الهندسة صديق لملوم/ عم علي بائع كشك الصحف رسول الأخبار والثقافة بزاوية خطاب/ عز تجارة وعبيد فاشل الثانوية والنحاس أصدقاء لملوم/ ليلى الخرساء فينوس حبيبة لملوم/ السيد النجرو شقي وكبير عصابات بحري/ العقيد رجل الأمن القواد/ الرجل المهم في بيروت/ قبطان الباخرة/ الخالة نرجس/ الإسكافي/ الخال صابر وزوجته..) شخصيات كلها تُمثل طبقة الفقراء، الطبقة المتدنية، القاعدة العريضة من الشعب المصري مكابد جحيم الشقاء والبؤس. * يكتب محمد عزام الرواية بحِس القصة القصيرة، قصيرة الجُمل، مكثفة الوصف، قافزة الحركة، متلاحقة الأحداث. لم تمتد جملة لسطر آخر قط. كلها جُمل رشيقة متقافزة، وجيزة، حاسمة، ليس بينها وبين سابقتها أو تاليتها عطف إلا يسير، كلها كأنها مفصولة بأشرطة قطع مائلة، أو بنقطة تعني تمام المعنى من الجملة، لدرجة أن بعض الجُمل تتكون من كلمة أو كلمتين أو ثلاث. وتلك تقنية سرد القصة القصيرة الرسمية الحديثة.
(مدد يا مرسي يا أبو العباس، شالله ياسيدي القباري، خطوات هادئة، نظرات تخترق ملكوت الأرض، تصعد إلى ملكوت السماء، حركات مطمئنة، ركوع وسجود، نظرات حالمة، تلك كانت نظرات لملوم إلى كتاب اللغة العربية، يستند بظهره على عاموده المفضل بمسجد المرسي أبو العباس، بجانب مقصورة الشيخ العالم...) (توقف لملوم عن تكملة "بصراحة" لهيكل، نهض من بين أصدقاءه على درجات سلم زميلهم النحاس، أراد أن تكون هذه اللحظة الفاصلة، صعد أعلى درجات السلم، مزق "بصراحة"، قذفها في وجه أصدقاءه) (الشمس في طريق الرحيل، مياه البحر تخلع رداءها الفيروزي، تتوشح بالسواد، ما زالت صنارة لملوم تتحدى الرحيل والسواد، تصبَّر بعدم قطع شهوة سمكة البطاطا، المفتونة بخصلات خضرة الصخور، يجمعها لملوم من غير عناء أو دفع نقود. أخيرًا اهتز خيط الصيد، صعدت سمكة البطاطا تتراقص برقصات الموت، تساقطت دماءها الحمراء، صيد بلا رحمة، الشليط الهلب المدبب بثلاث صنارات كبيرة الحجم، كافية لالتقاط السمكة من أعماق البحر، ليست لها وجهة محددة، من الفم، ذيلها، بطنها، جسد السمكة متاح لشليط الصنار) . وما أنسب تلك الجُمل والكلمات لشخصيات بسيطة، تُمثل القاعدة العريضة من شعب يُعاني مشقة كل طريق يسلكه، عبر عنها في ردود شريفة المقهورة في رداء البغاء على قبطان الباخرة في مفاوضتها على صور الابتزاز: (جُمل وكلمات قصيرة، كانت كافية للغور في أعماقها) * لا حوار في الرواية، كله يتداخل في نطاق سردي عليم يتغير بتغير ضمير المتكلم أو أنه مجرد جُمل وسطور تبدو كحزمة أصوات في صوت واحد حاد قاطع. كصرخة مدوية صادمة. بفُصحى عامية بسيطة أو بفُصحى قوية، تُناسب عقلية الشخصية.
(إلى متى ستظل هذه الأيدي ملطخة بصبغة الجملكة؟! تنهد بالإجابة الحزينة: حتى دخول القبر.)
(أخرج لطفي كسرة الخبز من بنطاله: كسرة الخبز تلك، أحملها دائمًا معي، أقضم منها، أختزن بقيتها ليوم آخر. وهل ترى التعليم أصبح مجانيًا بعد الثورة؟! أسألك: كيف تعلم الزعيم عبدالناصر، وكيف دخل إلى الكلية الحربية وهو ابن البوسطجي صاحب الراتب المتواضع؟!
أليس قبل الثورة مجانية في التعليم؟ أما المستشفيات، ألا تقرأ: مستشفيات أسرة الملك، مستشفى الملكة نازلي، ومستشفى ناريمان، وبناؤها بجهودهم الشخصية، والمواساة وغيرها من أعمال البر؟! طبقة الباشاوات، والتي أطلقت عليهم الثورة طبقة الإقطاع، كانوا لا يتأخرون عن أعمال الخير والبر.) * في الواقع لقد تآمر الجميع على ثلاثية الأنفوشي ـ للأسف الشديد ـ بما فيهم الكاتب نفسه. فإنني أعلم أنه لا يُراجع أعماله حتى لا تفقد روحها التي كُتبت به، لكني هنا لا أوافقه ـ مع أحقيته وحده بهذا ـ إنما مراجعة واحدة بعد لن تضر العمل، بل ستُرقيه، وتتجاوز به هفوات البشر، ليكتمل إبداعه. . قابلني أثناء القراءة كثير من غلبة نسيان الفواصل بين الفصول أو بعد القطع السردي أو بين مساحة زمنية مفقودة! ركاكة في الأسلوب أحيانًا كانت ستُداويها المراجعة. سقطات إملائية ولغوية لا حصر لها. . أتى دور الدار، فلم تُعالج النص فضلًا عن مراجعته أصلًا! واستهترت بالطباعة والتوزيع والنشر. كل هذه العوامل كافية لفتور اهتمام المثقفين بها. لذلك؛ أشد على يد الكاتب الكبير وَضع هذه الملاحظات في الحسبان إيذانًا بنشرها إبداعًا مُتكاملًا في طبعة جديدة. * جزء ثاني ناجح من ثلاثية البؤساء المصرية "الأنفوشي"، لا بد كي تكون رائعة أن تُراجع في طبعة جديدة مُهذبة، تجذب إليها كل قُراء الأدب والثقافة في الوطن العربي قاطبة. وحق لها الاحتفاء والرواج.

ـــــــــــــــ

طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: : https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link:  https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على الأربعاء, 06 آذار/مارس 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :