wrapper

الأربعاء 01 ماي 2024

مختصرات :

ـ كتب: الطيب ولد العروسي



تتشابه الغزوات الاستعمارية في مفاعيل سعيها إلى تدمير ثقافات الشعوب المستعمَرَة، وخاصة في محو ذاكرتها الجماعية، ونهب تراثها الفني (كما جرى في العراق مثلا)، أو هدم المنشآت الثقافية، وإتلاف المخطوطات والمؤسسات الفكرية، كما جرى في الجزائر وأذربيجان وفيتنام وفلسطين، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، إذ تتفاوت أعمال الدمار والخراب من منطقة إلى أخرى؛ أما الهدف من وراء ذلك كلّه، فهو "الترويج" لثقافة المستعمر الغازي وإحلالها محل ثقافات

البلدان التي يغزوها، باسم "تحضير" شعوبها، بعد أن يمحو الذاكرة الثقافية الجماعية، على نحوِ ما حصل مثلاً، عندما احتلّ الأرمن مدينة "شوشة" الأذربيجانية، وحطّموا قصورها ودمّروا مراكزها الثقافية، وهجّروا المثقفين والفنّانين والشعراء والكتّاب، وعاثوا في الأرض خراباً، على مسمع ومرأى من العالم، على مدى أربعة وأربعين سنة من الاحتلال المباشر، الذي يعرضه المؤرّخ الفرنسي جان ميشال بران، موثّقاً بالشواهد والأدلة القاطعة، في كتابه الذي يقع في مائتين وثلاث صفحات، والذي شارك في جمع وثائقه الكاتب الأذربيجاني أليش أحمدوف، ابن مدينة باكو (عاصمة أذربيجان).

 

383322299_337608565604694_4770340134194205696_n.jpg

 


هذا الكتاب الذي يحمل عنوان: "Choucha, la perle du Caucase" (شوشة: جوهرة القوقاز) وهو الكتاب الأول الذي يصدر باللغة الفرنسية (منشورات "هيرمان" Hermann) عن مدينة شوشة وعن الصراع في القوقاز، كتب مقدّمته أستاذ العلوم السياسية، البروفسور أليش أحمدوف تطرّق فيها إلى الخراب الذي أصاب مدينته التي وُلِد فيها وتربى وترعرع. فلماذا أطلق الروائي الفرنسي الشهير ألكسندر دوما على شوشة لقب "لؤلؤة القوقاز"؟ تتربّع مدينة شوشة في موقع استراتيجي في أعالي جبال القوقاز، وعلى الرغم من صعوبة الوصول إليها، فقد كانت العاصمة الثقافية لأذربيجان، وتمتاز بشعارها الذي هو زهرة الـ" شوشة"، رمز الحرية. وتاريخ هذه القلعة الحصينة في ناغورنو كارا باخ، في أذربيجان، هو تاريخ مدهش ورائع. فالمدينة ومنطقتها ظلّت زمناً طويلاً منارة فكرية وفنية في آسيا الوسطى، فهي مهْدُ الشعراء والموسيقيين والحرفيين وملهمة الفنانين، وقد أكسبها تراثها المذهل لقب "باريس الصغيرة" الذي ينمّ عن روعتها السابقة وتأثيرها في محيطها الممتدّ من شواطئ قزوين إلى حدود آسيا الوسطى.
أما مؤلف الكتاب جان ميشيل بران (Jean-Michel Brun) فهو صحفي ومخرج مختص في العالم العربي الإسلامي، وله العديد من التحقيقات الإخبارية المصوّرة التي تُعرَض في قنوات التلفزة الكبرى في فرنسا وخارج فرنسا، وتُنشر أعماله في صحف ومجلات فرنسية وعالمية ومقالات وأفلام وثائقية عن دول الخليج، والقوقاز، وآسيا الوسطى، وأوروبا.
من خلال تحقيق تم إجراؤه في الأراضي التي دمرها الاحتلال الأرمني، يروي جان ميشيل برون قصة الصراع بين أذربيجان وجارتها الأرمينية، من حلال قصة شوشة، العاصمة الثقافية لأذربيجان. زار جان ميشيل برون منطقة القوقاز كمراسل صحافي، لاستكشاف الوضع السياسي والعسكري فيها، وأراد أن يكون شاهد عيان، بطريقة محايدة، للنزاع المسلح بين أرمينيا وأذربيجان، من أجل فهم أسبابه الحقيقية بوصفه صحفياً محايداً وناجحاً. أثناء إعداده التحقيق المصوّر في المنطقة التي دمرتها "حرب الـ 44 يوماً"، قرر أن يكتب قصة زيارته للمنطقة من أولها إلى آخرها، وبكل فصولها، لتكون شهادة على ما تبقى من تلك المنطقة، ولكن، وقبل كل شيء، للمساعدة في استعادة هذا المعقل الذي لم يبق منه سوى الخراب والأحلام.
في مستهلّ قصته، يؤكد المؤلف أنه لم تكن له أي علاقة بمدينة شوشة، بل كان يجهل حتى وجودها، وعندما زارها أثناء رحلته إلى أذربيجان، وأقام فيها، عَشِقها، وأراد ان "يمنح القارئ متعةَ اكتشاف هذا الموقع من العالم، بصرف النظر عن أي سردٍ إيديولوجي"، لأنه كما يقول: "ربما كان سرّ مستقبل الإنسان يكمن في هذه المدينة".
في الفصل الأول من الكتاب يعود المؤلف إلى أصول مدينة شوشة التاريخية، ويقدم لمحة تاريخية موثقة بصور للمدينة وبوثائق تاريخية وارشيفية مهمة، إضافة إلى صور لأهم مؤسساتها، ولمحة عن حياة الكثير من أعلامها في مجالات ثقافية وفنية وفكرية مختلفة جعلت من شوشة تلعب دورا ثقافيا مهما، ومنحتها شهرةً دولية حتى غدت إحدى أهم العواصم الثقافية في العالم. وهذا ما يواصل الكاتب الحديث عنه في الفصل الثاني، وهو بعنوان: "حوارات وثقافات متنوعة"، وتجلّى ذلك في أسماء كتّابها وقنانيها وشعرائها الذين أثبت المؤلف نبذة عن حياة كل منهم.
خصّص المؤلف فصلاً لمناظر المدينة الخلابة، وأريج العطور التي تفوح من رياحين "باريس الصغرى"
وورودها وزهورها المنتشرة في كل مكان فيها. ويصِف غِنى مطبخها وتنوّعه ويعدد أصناف المآكل والحلويات التي أثبت تفصيلاً لعددٍ من أطباقها الشهية. وقد حافظ أهل شوشة على تراثها في مختلف ميادين الثقافة الأذربيجانية المتنوعة. وتمتاز هذه المدينة بحبّ أهلها للآخرين الذين يأتون لزيارتها من مختلف بلدان العالم؛ كما تمتاز ببساتينها المزهرة على مدار السنة، ومدارسها ومختلف مؤسساتها ومبانيها الثقافية، وفيها بٌنِيَت أول دار للأوبرا في العالم الاسلامي، في العام 1885. وتحتفل مدينة شوشة بعيد الموسيقى السنوي الذي يُقام في الثامن عشر من شهر سبتمبر في كل سنة.
خصص المؤلف فصلاً آخر من الكتاب ليعالج فيه أسباب الصراع في كارا باخ بين الأرمن والأذربيجان، وهو صراع يعود إلى تاريخ المنطقة البعيد، والى مختلف الحروب التي عرفها العالم بعامة، والمنطقة بخاصة، ليبين انعكاس الصراعات على أذربيجان، حينما انتشر الأرمن في إيران شمال أذربيجان (خاصة في كأرباح) بعد الحروب الروسية الإيرانية في بداية القرن التاسع عشر، ثم قرار "سانت سيود والكنيسة الأرثوذوكسية عام ١٨٣٦. ولمعرفة أسباب هذه الأزمة يجب العودة إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وإلى الإمبراطورية العثمانية والفارسية لمعرفة أهمية موقعها ومكانتها الاستراتيجية في القوقاز. وعليه فان التزاريون ربطوا علاقات مع الارمن وهؤلاء استقروا بطريقة كبيرة وأحيانا بقوة في القوقاز الجنوبية.
ثم تطورت الأمور لتبقى على ما هي عليه وبالتالي عرفت أذربيجان هزات مثيرة تشكلت من اعتداءات خارجية ساعدها داخليا بعض الحكام الذين كانوا متواطئين مع العدو. ويوضح المؤلف تلك المفارقات في الفصل الرابع، حيث عالج فيه احتلال كارا باخ المتعلق بزوال الإمبراطورية السوفياتية سنة ١٩٢٢، حيث كانت شوشة أحد الأهداف الرئيسية للأرمن الذين شنوا هجماتهم من أجل تحقيق مطالبهم الإقليمية ضد أذربيجان، بعد تخطيط دام سنوات أثناء تفكك الاتحاد السوفياتي، فاغتنموا الفرصة وتوغّلوا في مناطق عديدة من بينها مدينة شوشة التي احتلوها لأكثر من ٤٠ سنة، إلى أن تحررت في شهر حزيران (يونيو) ٢٠٢٢ وخرجت من ثقل حروب متتالية، ومن استعمار حقيقي أتى على الأخضر واليابس.
الفصل الخامس، وهو بعنوان: "العودة في ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٠" يروي كيف قرر الجيش الأذربيجاني وضع حد لتلك المجزرة الثقافية، في كارا باخ، بعد ٤٤ ستة من النضال، لإعادة بناء ما تهدّم، واستكمال ما كان بدأ بناؤه، من خلال استراتيجية طموحة، حيث تعاقد المسؤولون المحليون مع شراكات ومؤسسات عالمية مثل اليونسكو على القيام بمهمات هذه الورشة الواسعة، استناداً في إعادة البناء إلى شهادات سكانها الذين عادوا إليها إو إلى الصور والخرائط والوثائق الارشيفية، فشوشة هي ذاكرة شعبها الخالدة. ولذا فقد جعل المؤلف عنوان الفصل السادس: "العودة الأبدية"، ويعرض فيه رؤية المسؤولين السياسيين في أذربيجان في إعادة بناء وتشييد المباني المهدّمة وبناء مشاريع جديدة، رصدوا لها ميزانية ضخمة، واستطاعوا تحقيق الكثير من مشاريعهم في وقتٍ قياسي. والمدينة اليوم هي ورشة بناء وإعادة إعمار لا تتوقف، تُدهِش الزائرين بالتغيير اليومي الحاصل في جميع أنحاء المدينة، لتعود شوشة وتحتفي بأعيادها الثقافية، ويعود إليها مثقفوها وكتّابها وفنّانوها، فيُعيدوا لها بسمتها وجمالها وحيويتها، ويتغلب الجمال والحكمة والمعرفة على جنون البشر.
والمدينة هي الرمز الأبرز بين رموز تاريخ أذربيجان وثقافتها، فهي تمتاز بموقعها الاستراتيجي، على الطريق المؤدي إلى خانكندي أكبر مدينة في إقليم كارا باخ (أو "قره باغ")، وموقعها الجغرافي المهيمن في المنطقة. وهي أكثر من مجرد مدينة أذربيجانية، لأنها معلَمٌ حضاري عالمي لِما تحتويه من معالم تاريخية، وهي "مهد الموسيقى الأذربيجانية"، ومسقط رأس العديد من العلماء والشخصيات الثقافية البارزة التي أنجبت عددا كبيرا من أشهر المؤلفين والموسيقيين الأذربيجانيين. ومن هؤلاء: جبار قارياغدي أوغلو، وقربان بيريموف، وبلبل، وسيد شوشينسكي، وخان شوشينكي، وعزيز حاجبيوف، ورشيد بهبودوف، ونيازي، وفكرت أميروف. وفيها أيضاً وُلِد وعاش عدد كبير من المفكرين والكتاب والشعراء، أبرزهم: خورشیدبانو ناتوان، وقاسم بك ذاكر، وسليمان ثاني آخوندوف، وعبد الرحيم حق ويردييف، ونجف بك وزيروف.
أخيراً، يسرد هذا الكتاب حقائق لا يتحدث عنها الإعلام في فرنسا لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية أكثر من البحث عن الحقائق. إن أرمن القوقاز، الذين استغلهم الشتات القومي المتطرف، هم أيضًا ضحايا صراع يتجاوزهم، حيث يبدو أن الأذربيجانيين بعيدون عن كونهم المعتدين كما يُشيع إعلام اليمين الفرنسي. ويعرض المؤلف تاريخ وجود الأرمن في المنطقة وتعايشهم مع شعوبها الأخرى، فضلاً عن تعايشهم مع الطوائف المسيحية الأخرى. ويستند بشكل خاص إلى روايات المراقبين العسكريين أو المدنيين من الروس والألمان والأمريكيين والفرنسيين، ويستشهد بما يقوله ألكسندر دوما ومؤرخين أرمن مثل سيرج أفاناسيان، وأذربيجان مثل رحمن مصطفاييف السفير الحالي في هولندا، بعد أن كان سابقاً سفير أذربيجان في فرنسا.
هذا الكتاب هو أكثر من مجرد دليل لكاراباخ، ماضياً وحاضراً، فهو أداة أساسية لفهم ثراء الثقافة الأذربيجانية وفهم الجغرافيا السياسية للمنطقة.

 

 

*****

 

 *مختصرات صحيفة | الفيصل | باريس لمختارات من منشورات الأشهر الأخيرة ـ أفريل 2023
* تتمنى لكم (الصحيفة) عيد فطر سعيد 2023
Aperçu de dernières publications du journal « elfayal.com » Paris , en ces derniers mois. Avril 2023

https://youtu.be/dn8CF2Qd_eo
Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html

رابط تصفح و تحميل الديوان الثاني للفيصل: شيء من الحب قبل زوال العالم

https://fr.calameo.com/read/006233594b458f75b1b79

*****
أرشيف صور نصوص ـ في فيديوهات ـ نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) liens روابط
https://youtu.be/zINuvMAPlbQ
https://youtu.be/dT4j8KRYk7Q

https://www.youtube.com/watch?v=M5PgTb0L3Ew

‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 26 أيلول/سبتمبر 2023

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :