wrapper

التلاتاء 07 ماي 2024

مختصرات :

 
*(النص نشر في منبر العراق الحر و منبر الحوار المتمدن و هذه نسخة ختامية)
 
كنتُ أقول دائما أن « الأفكار كما النّاس تختلف درجات كرامتها و كبريائها.. و وفائها أيضا"، أي ـ الأفكار خائنة ـ كما البشر.. أليس الإنسان فكرة الله المقدسة ؟ أليس الإنسان ميّالا للخيانة و الإنحراف و الأبوق و العصيان ؟ أعود إذن إلى ما كنتُ أقوله مذ القرن الماضي في هذا الصدد؛ أي إذا راودت فكرة ما كاتبا ما فحسب هذه ـ الدرجة الكبريائية أو الوفائية ـ ترتبط زمنية بقاءها عنده و لا تطير منه إلى أحضان ذهن مبدع آخر.. لست أتحدث هنا عن " التخاطر بالمفهوم النمطي الكلاسيكي "، فالأمر أعمق بكثير من التخاطر. قد يكون الكاتب الآخر الذي طارت إليه الفكرة و قالت له « هيتَ لك» يسكن في أقاصي أمصار الأرض، و قد يكون أعجميا، غربيا و ليس بالضرورة عربيا أو ما شابه ذلك! الأفكار كما البشر « فيها المستعجل » و فيها المتزن و فيها المتأنّي..
عرفت ذلك في أوّل صفعة رمزية عنيفة من القرن الماضي من قبل فكرة اجتاحتني و تملّكتني و كادت تختمر فكرتها في ذهني الإبداعي؛ إلا أني لظروف ما تناسيتها أو أهملتها ، ربما ظررف البلد وقتها هي التي جعلتني أُهمل الآنسة (الفكرة) رغم أنها وهبتني نفسها على « طبق من ذهن » كان مشدوها شاردا قلقا بسبب عنق الزجاجة الذي كان يخنق بلدي المتخبط في فوضى أمنية خلاّقة! الفكرة اسمها « أُستاذي الحُزن! » ، لمّا كانت الأرواح البشرية البريئة تُزهق كما القطط .. لاداع أن أشرح لكم ثيمتها لأن الكلمتين كافيتين وافيتين في رفع لبس ما كنت أنوي كتابته في المجال الإبداعي بعيدا عن إرهاصات العمل الصحفي وقتها.. حدث ذات يوم و أنا كعادتي أمر بساحة وسط المدينة أقصد مدينة « تيفيست Théveste» العريقة| أي تبسة الحالية كمدينة حدودية مهمة من شرق البلاد .. وجهتي كانت معروفة حسب طقوس صباحاتي و هي معرض الصحف و المجلات ـ المرمية ـ على الأرض في وقت كان على القارئ و المثقف أن ينحني لكي يحصل على عنوانه من عند باعة هامشيون بفعل تهميش الظروف ، متجولون .. اقتنيت عناويني المفضلة أولها صحيفة "القلاع" الأسبوعية التي كنت أدير تحريرها و نشرها.. كانت جريدة « كريستال » حديثة الميلاد وقتها و أنيقة و رشيقة تُعدّ و تُحرّر من قبل خيرة كتاب و صحفيين تلك المرحلة و هو طاقم منشق بعضه عن أسبوعية الشروق و صحيفة « الصح ـ آفة » المُعلّقة إذا لم تخني الذاكرة. الصحيفة كانت ثقافية، فنية و شاملة لكن لهجتها السياسية هي التي استقطبت ميولاتي القرائية..
حال اقتنائي لنسخة من هذه الصحيفة الفتية بقيت للحظات بلا صوت و سبب ذلك عنوان نصّي الذي لم أكتبه و لم يعلم بمشروعه أحد و الذي لم أبدأ بعد ورشة كتابته: « أُستاذي الحزن! » بالبنط الجميل العريض ؛ آخر قصائد « لخضر خلفاوي »! كنت أقرأ هكذا العنوان قبل أن استيقظ من خيبتي و على صدمة « الخيانة العظمى ».. نعم الفكرة ملّت انتظاري و كانت مستعجلة لترى الأَضواء و يشار إليها بالبنان و ضاقت ذرعا بي و بفوضى الوضع الذي يرفض أن يتغيّر .. هي فكرة من نوع و صنف آخر ، تريد أن يعتنى بها من قبل رجل أو شخص آخر مهتمّ ـ بْيَفْهَمْ - في طلبات و رغبات الفِكر التي تفضل الظهور في أقرب فرصة… اكتشفت أنّها استقرّت في أحضان فكر و عقل المبدع الشاعر العربي السّوري « نزار قباني ».. هكذا كان العنوان الصافع لي : « أستاذي الحزن.. آخر قصائد نزار قبّاني ».. رغم حبي لهذا الرّجل الاستثنائي إلا أنّي كرهته للحظات و اختلقت عندي خلفية وامضة لو لم أتدارك ذلك الموقف السريالي و جنوني اللحضوي و ابتسمت فورا بغصة كبيرة لكنتُ وقعت في مشكلة عدمية يتأسس عليها الحسد العقيم! كانت درسا قويا إذ فهمت من خلاله أنه لا يجب أن نهمل الأفكار و علينا الحفاظ عليها و إحاطتها بكل الظروف كي تعمّر فينا قبل أن تنطلق مُخصّبة مجددا إلى الضوء بلمساتنا و توقيعنا.. دون ذلك فهي مرشحة أن ـ تطفش منا ـ في أيّ لحظة.. لا تبقى إلا الأفكار الوفية و التي لها صلة مباشرة بنا مذ النشأة….
**
كلّ قولة من أقوالي في شأن « الأفكار » مرتبطة بحادثة ما.. في هذه الألفية كنت أقول أيضا أن « الأفكار الجيّدة تُدافع عن نفسها و عن أصحابها » .. هنا أتحدث عن ـ آية الوفاء الفكري ـ المرتبطة بالكتاب الحقيقيين…
هذه المقولة أو الدرس المهم بالنسبة لي جاءت بعد تجربة مع كاتبة من هذا الجيل ( الأف-تراضي) و - يُعتقد أنها مبدعة !- كانت تنشر في صحيفة ( الفيصل ) الباريسية التي أديرها و أسستها قبل سنوات، و بفضل تجربتي الإعلامية الطويلة مذ القرن الفائت و تجربتي في إدارة التحرير ورقيا و رقميا أعرف من خلال ـ الحدس المهني و التجاربي - المُكتسب أسلوب كلّ كاتب و هفوات كل مبدع .. فكنت أقرأ مادة وصلتني من هذه الكاتبة و هي عبارة عن انطباع و قراءة نقدية .. لا أدري أنّ صوتا ما بداخلي كان يقول لي "هذا ( النّص ) ليس لها .. هذا النص مسروق ، احذر يا خضر ! )، لأنّي فقهت بأعجوبة تغير جذري في اللهجة السردية و في الهندسة التعبيرية للانطباع .. لكنّي وافقت بتردد شديد بمرور النص و نُشر في الفيصل باسم الكاتبة ( السارقة )!.. لكن جفن ضميري لم ينم و بقي ذلك الصوت يزعجني ، يتردد بين الحين و الآخر في أدغال فكري .. لمّا اشتدّ تعذيبي من قبل ذلك الصوت القوي أُوحي إليّ أو أُلهمت و أُهتديت إلى عملية البحث و التحقيق حول - أصول و فروع و منبت و مسقط رأس تلك الأفكار التي نشرتها باسم شخص كنت أشكّ بعدم مصداقية ملكيته الفكرية العلمية …
عند هذه العتبة من النية في إحقاق الحق سخَّرتُ كل الوسائل التقنية مستعملا الشبكة في وضع تقاطعات بحثية للحصول على أدلة و قرائن تتصل بأصول الفكرة .. الأصول أصول و الفكرة الأصيلة كما البشر تماما تعود دائما إلى أصلها !..و لو أننا من أصل واحد إلا أني أقول -اعتقادا أو غرورًا - أنا ابن أصول و أحب الأصول الطيبة فلا ضير في ذلك أن يفتخر الواحد منا بذلك في حدود المعقول و التواضع ! كان ذلك النّص مبعث فضولي و شكوكي مكتوب بشكل جيد جدا و يكتسب كل أدوات الكتابة الأكاديمية المتينة ، ما لم اعتاد عليه في كتابات تلك الكاتبة !.
بحثي و تحقيقاتي أتوا بأكلهم و انصدمت أكثر لمّا توصّلت إلى الدليل المؤكد على أن المادة ( مسروقة ) من قبل تلك الكاتبة .. كانت صدمتي أكبر بسبب محاولة الضحك على ذقني استغلالا للثقة التي منحتها لها و لفظاعة الجرم كون المادة سُرقت بحذافرها لكاتب و ناقد مصري .. لم أجعل الأمور تستمرّ على النحو الذي كانت عليه، تمكنت من البحث عن وسيلة للاتصال بـ( صاحب الفكرة ) و لم أهدأ حتى عثرت عليها و تم تواصلي معه و ذُهل هذا الأخير لاتصاله به و بحجم ( السفالة و الوضاعة ) التي وقعت فيها الكاتبة المذكورة ..
الصوت القوي الذي كان يزعج راحتي بعد نشر المادة التي وُقّعت باسم غير صاحبها كان في الحقيقة صوت ( الفكرة)، و فهمت أن /الأفكار الجيدة تدافع عن نسبها ، مهما حاولنا اغتصابها منهم !…بعدها قمت بإعادة الأمور إلى نصابها و أعدت تلك ( الفكرة إلى صاحبها )، مع التنويه بالحادثة.
***
"الأفكار الجيدة .. تُدافع و بشراسة عن أصاحبها أو مُلاّكها…" الأفكار الرديئة لا تلفت الانتباه إلا -إذا كانت دون مستوى إبداعي أو جدّ وقحة ، و ما أكثرها في أيامنا هذه !- فإذا سرقت أو أُغتصبت أو تمّ السطو على بعضها لن تنقص أو تزيد في شيء للمشهد .. /عمركم شفتو الوضاعة أو الرداءة تجرؤ و تنتصر لحالها أو تحاول محاكاة و محاججة الحكمة و الصواب ؟.. طبعا لا يحدث ذلك لأن أصول "الرداءة " هي نفسها الرداءة.. أي أن المستنقعات مثيلات بعضها . الأصول مِلَل متفرّعة و هؤلاء -وقحون حسب مللهم- لكنهم لا يستطيعون إثبات أي شيء أمام محاكمات النصوص !.. بالمحصّلة لا تُعمّر و لا تخلد إلا ( النصوص الجادة و المميزة ).
-قبل مايقارب العامين إثر رحلة سياحية لم تصدمني كثيرا عقلية و سلوك الأتراك في اسطنبول، فبحكم معاشرتي لبعضهم في باريس في بداية هذه الألفية ؛ على غرار بعض الأصدقاء الأرمن عرفت أتراكا لاجئون سياسيون ، أتراك من أصول كردية و أعرف عنهم الشيء الشبه كافي للاحاطة نسبيا بالعقلية ( التركية)، للإشارة هناك فروق بين الكردي و التركي لكن هناك نقاط تقاطع كثيرة أيضا…لا تنسوا عنصر ( الأصول )! .
لكم ذُهلتُ بالعدد الهائل للقطط و الكلاب في اسطنبول (اللائكية المشاعر)، الباردة في إنسانيتها حسب أولى انطباعاتي … لكن يبدو لي أنّ القطط هي الأكثر و الأوفر حظا من حيث التواجد و العدد ..
قطط اسطنبول على عكس أهلها و زوارها من كل حدب و صوب أألف من الألفة على عكس قطط باريس .. قطط باريس محترسة جدا إلا من رحِم قلبها و استشعر رحمتك فيسارع إلى طلب ودّك و أنت تمرّ بجانبه .. قطط اسطنبول كأنها بائعات هوى الود للعابرين ، معظمها يتودّد و يقترب من العابرين و الجالسين في ساحات المقاهي و المطاعم و الأسواق الشعبية و الحانات أيضا ..تجد أطعمتها مُتاحة في كل مكان على الأرصفة .. لم أجد قطا واحدا أو كلبا من كلابهم يعاني سوء التغذية أو سوء المعاملة كلهم في وضع جدّ مريح ؛ إلا بعض إخوتنا العرب و بعض الآسيوين الذين تراهم في وضع أحيانا لا يُحسد عليه … آلمتني بعض الوجوه السورية التي لم يسعفها الحظ في انتزاع مكانة اندماجية في المجتمع الاسطنبولي على عكس إخوتهم الذين تحدوا كل ظروف اللجوء و تمكنوا من خلق فرص عمل و تنشيط الحركة الاقتصادية في تركيا بالمدن الحدودية.
كنتُ و ابنتي ماجدة نتقاسم نفس الملاحظات و القراءات للمجتمع الأسطنبولي و استثارتنا تحديدا ظاهرة القطط بمختلف أجناسها التي تتودّد للعابرين أجانبا كانوا أو محليين دون حساب ليسوا كما هو حال أهل اسطنبول. هم في غالبيتهم متعجرفون زيادة فوق اللازم، متجلّفون إلى أبعد الحدود .. قبل إقامتي القصيرة في هذه المدينة كنتُ اعتقد أنّي أنتهيتُ مع عالم (القطط)، لا أذكر عدد النصوص ( السّردية / النثرية ) التي انجزتها في السنوات القليلة الفارطة و كل نص له خاصيته و -فِيبرته- و زاويته السردية و الوقائعية حسب التجربة.. لا أنكر أن علاقتي بالقطط مذ الصغر و قراءتي لسلوكها و وجودها يجرّ بي في بعض الأحيان إلى استخراج مخالب الحكي المسقطة على السلوك البشري .. و لا أنكر فضل هذه المخلوقات عليّ في استفزاز الحركة السردية لدي و دفعي إلى طرق مجاهيل الحكي على لسانها .. بل كان لها الفضل في دفعي إلى الخلق و الابتكار و جرّ ، -بل توريط- الصديق و الأديب العراقي "صالح جبار" رائد الرواية التفاعلية في هذا -المطب - الإبداعي المميز
لمّا حوّلتُ دردشتنا الخاصة التفاعلية بلؤم إبداعي آني إلى محطة إبداعية لمّا كان يحدثني بكل براءة و صدق عن قطته و القط الجار الذي كان يراودها و من ثمة انطلقت ( الفكرة ) التي راودتني و أصبحت ورشة و الورشة تجسدت بعد ذلك إلى ميلاد ( منحى أدبي جديد ) أعلنته و أطلقت عليه رسميا في نوفمبر 2018 « السِّيامية التفاعلية الأدبية ".. المنطلق كان في النصين الذين ولدا قبل خمس سنوات متزامنين من خلال تلك الدردشة :(قِططا كانوا أو بشرا ـ الكرسي). منحى ( السيامية) التعبيرية هو وليد انصهاراتي الفكرية الابداعية مع أرواح القطط التي ساقها القدر إليّ حسب الظروف و السياقات …في فصل من فصول عمل مخطوط روائي
تناولت أحداث من طفولتي مرتبطة بمنازلة بيني و بين قط برّي جائر عنيف السلوك اجتاح ديارنا ، انتهت المنازلة لصالحي و قتلت ذلك القط بتحريض أهلي وقتها .. نعم أرواح القطط لا تتركني.. تتبعني كما اللعنات أو كما البركات .. أذكر لما كنت صغيرا كان يتردد على مسمعي كثيرا من المرات قولهم الأسطورة أن للقطط أرواح سبع ! بمعنى أنه من الصعب أن تقتل قطا في لحظات أو في ومضات، فعليك الصّبر و دقة الحساب و الانتباه و أنت تقدم على انتزاع الحياة من قط ، كل روح -تطلع منه - يلزمها جهد إجرامي منك و صبر كبير على وقت معراج الروح الأولى إلى بارئها ثم هكذا الروح الثانية و الثالثة حتى يكتمل الحساب و يأتي دور الروح السابعة التي تسوق مثيلاتها و يصعدن جميعاً للسماء .. السابعة طبعا! هل السموات أعدت بعدد أرواح القطط كنت أتساءل في صباي ! و هكذا كنت اعتقد بمعتقد قبيلتي قبل أن يدركني ( الحلم أو الاحتلام؛ على فكرة ، عرفتُ بالتجربة أنّ الاحتلام قريب الحلم !)…
لذلك قطط اسطنبول التي رافقت -سلفياتنا السياحية - حيّرتني و ماجدة هذه المخلوقات .. فليس لها وجه الشبه في ظروف معيشتها مع المشرّدين بفعل الحروب من بقاع الأرض و اللاجئين إليها .. لاحظت خلال تلك الأيام بعض النظرات و بعض السلوكات الاسطونبولية إزاء الأجنبي التي كانت بشكل عام أكثر قسوة و أكثر فضاضة و كِبر تُركي محض ! هكذا يحدث الفرد عندما يترك قسرا - الأصل - و يغادر مرغما أرض المسقط ، و يحرم من مكان المنبت و النشأة…
كّنت و ابنتي البكر نتحدث و ذكّرتنا قطط اسطنبول ب ( أصلان) قط العائلة المدلل الأخير.. أصدقكم القول أن هذا القط كنت أعزه و أنا الذي يتكفل بكل طلباته و احتياجاته حتى بعد برود نوعا ما مشاعري نحوه خاصة بعدما أخذه أطفالي إلى طبيب الحيوانات و قرروا -خصيه- و تجريده من وظيفة الخصوبة و التكاثر ، هي ثقافة و سلوك مشترك تقريبا لدى مالكي القطط هنا في فرنسا .. لا يمكن أن يعوّض وجود ( أصلان) مكانة ( سرّ-الهدى) الذي خرج و لم يعد مذ زمن بعيد .. سرّ-الهدى هو القط الوحيد الذي لم استطع لحدّ اليوم كتابته خوفا في عدم إنصافه و انصاف علاقتي به !
-صفات أصلان مطابقة تماما للشرح النفساني/الأبراجي الغربي لخاصيات اسم أصلان .. هو ودود زيادة فوق اللزوم ، هادئ ، يحبّ الاهتمام كثيرا و مذ أن تمّ خصيه لاحظت -أو لاحظت خلفيتي مع فعل الخصي- أنه أضاف إلى هذه الخصائص صفة ( الجبن و الدياثة)!.. أقول هذا مصداقا لقراءاتي لسلوكه مع باقي قطط الجيران !.
تذكري لأصلان لم يكن اعتباطيا و لا تذرعا، بل لأن اسم ( أصلان ) مستوحى من الثقافة العثمانية التركية تعنى ( الأسد) ، و كلما رأينا في أزقة و ممرات أسطنبول قطا يشبهه تذكرناه بل عثرنا على قط -كأنه هو- أو نسخته التركية فلم نقاوم رغبة أخذ صور معه و راسلنا محوّلين الصور لماجدولين ابنتي الصغرى آخر عناقيد المجد ( الضائع) في المنافي و إلى شقيقها الأكبر مجدي نخبرهم بأعجوبة الشبه و حينها تذكرت فكرة ( الأصول !)…الأصول .. أصول !
بعد خَصيْ أصلان -كيميائيا - لم أعد أثق في رأي أطفالي المتأثرين بحماقات غربية مقيتة و لم أعد أرى القط بنفس النظرة لـ الفترة الأولى لما تبنيناه باقتراح من قططي الآدميين ! أراه قط منزوع الذكورة ، هنا في باريس و فرنسا ككل قوانين مشروع تمسيخ الجندر متفشية التي كرّستها وزيرة التربية السابقة "نجاة فالو بلقاسم" من أصول المغرب الأقصى التي وضعت كل آليات المشروع التخنيثي/ النِّسْوَنْجِي * على نطاق واسع في قطاع التربية قبل انتهاء مهامها. بالنسبة لي لم يعد أصلان في نظري ( أسدا و لا قديساً)، كون Aslan لها إحالة دينية مقدسة لدى المعتقد الكاثوليكي أين أطلق "الأصلان" على البابا “ليون الأول” Leon 1er” أو (القديس ليون الأعظم )Saint Léon Le Grand )390/460). للتوضيح فإن اسم "ليّون Léon مأخوذة من كلمة Lion أي الأسد بالفرنسية ، و كتبت على بالرسم الآخر لأنْسَنة اللقب المأخوذ من الحيوان . رجال الدّين و البابوات لا يتزوجون و لا يتناسلون ؛ لكنه شائع عندهم ( البيدوفيليا!) و ظلّت الكنيسة تعاني من هكذا فساد أخلاقي. الأصول هنا أيضا تدفع أصحابها و لو كانوا رجال دين محرم عليهم هكذا أمور إلى ممارسة الفطرة و الغريزة كما أوّل مرة خَلْقَيّة. كنت و أنا أتذكّر ما حدث لأصلان أقول لقد أُصيب أطفالي بخصي في وعيهم و نباهتهم.. و كانوا يعتقدون أن بإقدامهم على هذا الجرم سيصبح أصلان بصحة جيدة أكثر مما سبق علاوة عن تحديد معضلة النسل !.
-انطلق من الفندق كل صباح مع طفلتي ماجدة شاقين ساحة الـ(تقسيم) Taksim Square نحو فضاءات و وجهات مختلفة، يكون كل يوم منطلقه ( التقسيم) و وصوله في آخر النهار ينتهي بـ ( التقسيم) لكن هذه المدينة قسمتها ضيزى و جدا بين القطط و بين أهاليها و الوافدين إليها و بين إخوتنا العرب من العراق و سوريا الذين طفّشتهم القسمات الضيزى الأخرى هناك إلى العيش على هوامش المدينة كما القطط تماما ! الفرق بين باريس و اسطنبول من الناحية السلوكية الاخلاقية للبشر أن باريس عاهرة لا دينية و ملحدة و اسطنبول عاهرة لائكية تَتّركية -تاتارية!
-أسطنبول ببساطة أو ( القسطنطينية) قديما حسب انطباعي لا يمكن لها أن تكون سويّة و معتدلة و موضوعية على خلاف هذا العهر و النفاق .. فهي تعاني الفصام الجغرافي و الثقافي و التاريخي ، بل تعاني جنون جندري فظيع و هي إذ تتأرجح بوجودها بين/بين ، فكيف لأجنبي أو لاجئ مقطوع من شجرة أن يفهم لؤمها و غدرها و عهرها ..هي ترضع من الثديين معا في آن ، ثدي أوروبي وغد ذِئبوي حاقد و ثدي آسيوي دون رحمة و أناني و فردي .. حجم الفصام لدى “ كوسطونتينوبل” كبير جدا .
كنتُ في كل يوم في تنقلاتي و تجوالي مع ماجدة أقول لها: (يا لقطط اسطنبول ! اعتقد أنّي سأكتب نصّا لازلت أجهل جنسه وقتها ، لكن سيفرض نفسه و جنسه من خلال فكرته قد يكون شعريا أو قصة أو رواية ، كلّ ما كنت متأكدا منه أن “ قطط اسطنبول “ سيكون هو العنوان الرّئيس لما سأرويه عن ( أرواح اسطنبول الضالة، أي قططها السّائبة في كل فضاءات المدينة ليلا و نهارا )…
- ( الفكرة) كما ذكرت في بداية قراءتي هي كائن حيّ مجنّح ، يطير و يتحرّك و لها شخصيتها و كيانها المُستقل ، حسب مفهومي الخاص.
-و أنا أتصّفّحُ صحيفة ( القدس العربي) قبل أيام قلائل كاد يحدث معي ما حدث لي من دهشة في القرن الماضي مع ( قصيدة -أستاذي الحزن - ) لنزار قباني .. ( قطط اسطنبول ) ، قراءة انطباعية للكاتب الأردني “موسى إبراهيم أبو ريّاش” الذي تناول رواية صدرت في هذا العام عن “دار نون للنشر للكاتب السوري “ زيّاد كمال حمّامي”، ذكّرني هذا الإسم بصديق قديم لي في عالم الافتراض اللئيم السيد ( زيّاد القنطار)، الذي هو بدوره يطارد لقمة العيش و الوجود والحرف الموجوع معا بعيدا عن الديار السورية بعد الذي حدث و مازال يحدث هنا و هناك ! … لغرابة الأمر و مصادفته أن الكاتب الروائي “ زياد كمال “ يشبه إلى حدّ ما ( زياد صديقي” الذي انقطعت أخباره عني !.
كنتُ مجبرا على قراءة ما قاله و ما كتبه من انطباع بالأحرى الكاتب و الناقد الأردني أستاذ موسى إبراهيم، حين حاول تسليط الضوء على وجع الفرد العربي و ارهاصات المثقف ، الكاتب عندما يضطر لاقتسام رغيف الحياة مع غيره من الكائنات على هامش المنفى القسري و ما يدور حولها من عذابات لا تتوقف و اغتراب لا مثيل له .. و خصوصا في مجتمع كالمجتمع التركي .. فدرايتي الكافية بالعقلية التركية تجعلني أشفق و أتضامن في آن إنسانيا مع كل عربي رمت به الأقدار هناك .. الأتراك يطلقون في معظمهم نظرة - ازدرائية- عنصرية مهولة أحيانا اتجاه العنصر العربي و الجنس العربي ، يرونه ككائن غير مرغوب فيه غير ( طاهر ، غير نبيل ، غير شريف ، كائن دوني مقارنة مع الجنس التركي ).. أذكر لمّا استقريت في باريس في هزيع القرن الماضي علنتُ بقصة عائلة تركية كادت بعدما أنّ جنّ جنونها أن تقتل إبنتهم لوقع الصدمة عندهم ؛ لأنها ببساطة وقعت في غرام و حبّ الشاب اللاجئ الجزائري عازف ( القيثارة)، كان لا يدري أن للعنصرية عزفٌ و إيقاع آخر و ملّة شيطانية تُسقط على كل مجتمع مهما كانت أعراقه! بل أن هناك من الأتراك مثل هذه العائلة ترى أن الجنس العربي ( جنس نجس! ) و لا يجب الاختلاط به !.هنا أيضا حضر عنصر الأصل و الجندر معا !
بيني وبينكم خارج هذا السياق و تزامنا مع ما يحدث في فلسطين و غزة تحديدا أصبحت أميل إلى التصديق !.
أما عن ثيمة الرواية حسب الأستاذ موسى إبراهيم ليست ثيمة استثنائية لأن القهر و العنصرية و التهميش مسٌّ لعين يصيب كل لاجئ في أي بلد كان و خصوصا الدول المتعصبة ثقافيا و متأخرة إنسانيا و ثقافيا كبعض الدول الخليجية و العربية السعودية و غيرها من البلدان العربية و المسلمة التي تتعارض أخلاقها و معاملاتها مع ما يحث عليه الدّين و العرف مع عابري السبيل و اللاجئين و الأجانب و العمالة الأجنبية بشكل عام؛ إذ تدور أحداث الرواية ( قطط اسطنبول ) كما كتب عنها النّاقد بتهميش الآخر و تقبيح وجوده و إبراز سلوك عدم التقبل أو الرغبة في وجوده كمحتل فضاء مجتمعي و بيئي و كل لاجئ هو بالكاد ( ضيف غير مرغوب فيه !) و حاول الناقد الكاتب تناول محطات و عتبات الرواية المُنطلَقيَة لسرد الروائي السوري ( زيّاد) الموجوع بكل الأوجاع الناتجة عن عدم الاستقرار في المنطقة العربية كالحروب المختلفة في الوطن و التطاحن و تضاؤل نسب الضوء و الأمل في عيش حياة ( كريمة ) تسودها الكرامة و الحرية لا غير !. و يستشهد في الانطباع بما حرّك الروائي السوري لبناء و هندسة منجزه السردي الروائي كصرخة في وجه قبح البشر عندما يغمضون أعينهم عن الحقيقة و عن المقاييس و المعايير التي توحّد الجنس البشري :(أن «اللولو» اكتشف عندما همَّ بنزهة لقطته «هند هانم» أن القطط في إسطنبول تنعم بأوراق رسمية ومتنزهات وألعاب وشهادات تطعيم، بينما يُحرم منها اللاجئ السوري، الذي يعيش على هامش الهامش. يتذكر «اللولو» أحد مواقف الإذلال: «عندما وقف في الدَّوْر أمام مبنى مديرية الهجرة الموقرة، وكان المئاتُ من الأفراد والعائلات ينتظرون منذ شروق الفجر أن يُفتح بابُ «السلام» لهم، ويطوفون في محراب هذه الدائرة المكرمة، يتزاحمون، يتدافعون، يتناحرون، يتصارخون ، ينهرهم حُرَّاسُ المعبد، ويضحكون، يشتمونهم، يبعدونهم عن المدخل المقدس، لا يُبالون، وأخيرا، بعد تدخل عصي الحُرَّاس الكهربائية، يصطفَّون بنظام وراءَ بعضهم، خروف أمام شاة، وجَدْي وراء نعجة، وقبل أن يقترب دَوْرُه للبيع العلنيّ، أغلق الموظف شباك غرفته الزجاجيّ، وقال كلمة واحدة: «انتهى». أي انتهى الدوام، ولم يعر اهتماما لأي ثُغاء حمل: «باع أو مااع» أو لأي كلمةٍ توضيحية أو استفسارية، حتى لو كانت لكبشٍ ذي قرنين معقوفين أو لشاةٍ عنيدة!.»)
وجدتني إذن أوقع في فخ ثيمة القطط ، قطط اسطنبول تلك الفكرة التي نويت التطرّق إليها لكنها -طارت - و حلقت بعيدا و حطّت في ذهن و عقل من -يستحقها- الكاتب زيّاد كمال الموجوع بوطنه و بالمنافي ..
لا أدري كيف حرّكني موضوع القطط ، قطط اسطنبول تحديدا ، فرحت أتطفّل بمراسلة لا إرادية ( و ليس من عاداتي التطفل !) حيث كاتبتُ كاتب الانطباع الناقد الأردني أستاذ موسى إبراهيم حيث أبديت تفاعلي و استحساني للمادة التي نشرها و في ذات الوقت حدثته عن فكرة ( الأفكار الجيدة التي تدافع عن نفسها و عن أصحابها / كتابها )… التي ساقتني إليه و إلى -قطط اسطنبول -
هذه كل القصة !
ـــــ
 
—*) صور قطط اسطنبول بعدسة الكاتب2022
باريس الكبرى جنوبا
 
 
 
****
 

 

 *مختصرات صحيفة | الفيصل | باريس لمختارات من منشورات الأشهر الأخيرة ـ 2023
* 2023
Aperçu de dernières publications du journal « elfaycal.com » Paris , en ces derniers mois. 2023

https://youtu.be/dn8CF2Qd_eo
Pour acheter le dernier ouvrage littéraire publié par « elfaycal.com » dédié aux écrivains arabes participants:
« Les tranchants et ce qu’ils écrivent! : emprisonné dans un livre » veuillez télécharger le livre après achat , en suivant ce lien:
رابط شراء و تحميل كتاب « الفيصليون و ما يسطرون : سجنوه في كتاب! »
http://www.lulu.com/shop/écrivains-poètes-arabes/الفيصليون-و-ما-يسطرون-سجنوه-في-كتاب/ebook/product-24517400.html

رابط تصفح و تحميل الديوان الثاني للفيصل: شيء من الحب قبل زوال العالم

https://fr.calameo.com/read/006233594b458f75b1b79

*****
أرشيف صور نصوص ـ في فيديوهات ـ نشرت في صحيفة "الفيصل
archive d'affiches-articles visualisé d' "elfaycal (vidéo) liens روابط
https://youtu.be/zINuvMAPlbQ
https://youtu.be/dT4j8KRYk7Q

https://www.youtube.com/watch?v=M5PgTb0L3Ew

‎ـ تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها
www.elfaycal.com
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des 
défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce 
lien: :https://www.facebook.com/khelfaoui2/
To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of 
freedom of expression and justice click on this 
link: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
Ou vous faites un don pour aider notre continuité en allant sur le 
site : www.elfaycal.com
Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com
https://www.paypal.com/donate/?token=pqwDTCWngLxCIQVu6_VqHyE7fYwyF-rH8IwDFYS0ftIGimsEY6nhtP54l11-1AWHepi2BG&country.x=FR&locale.x=
* (الصحيفة ليست مسؤولة عن إهمال همزات القطع و الوصل و التاءات غير المنقوطة في النصوص المرسلة إليها .. أصحاب النصوص المعنية بهكذا أغلاط لغوية يتحملون

مسؤوليتهم أمام القارئ الجيد !)

 
 
 
آخر تعديل على الجمعة, 24 تشرين2/نوفمبر 2023

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :