wrapper

الخميس 02 ماي 2024

مختصرات :

الفيصل ـ نشرـ باريس:

إيمانا منها بأهمية الفكر و الإبداع الأصيل و المتميّز و الهادف البناء و الإختلافي في الرؤى لإثراء النقاش الثقافي الأدبي ككل، تواصل " الفيصل" بنفس النوايا و الإصرار لمد يد العون لكل من يفتقد إلى الصوت النزيه للتعريف بقدراته و ملكاته الإبداعية في مختلف الأجناس الأدبية العربيةو ها نحن نقدم بهذه التجربة في سبيل دفع متميزينا من الأدباء الذين غيبتهم من جهة ظروفهم الخاصة و من جهة أخرى سياسات التعتيم و الإبعاد و الإقصاء لخيرة أفراد المجتمع الذين يسكنهم هم واحد ، و هو الارتقاء بالمجتمع و تهذيبه و توعيته من خلال الإبداع و الفكر النيّر.

 ـ انطلقت في السنة المنصرمة عملية تشجيع الأدباء و المبدعين العرب من كل قطر دون ميز أو حساسية في نشر تسلسلي لكل من يرغب لمخطوطات أعماله الروائية و القصصية و الشعرية، مصحوبا بغلاف من تصميم الفيصل بغية شد انتباه " دور النشر العربية" النزيهة التي تتأصّل و تتنصَّل متبرئة  من تلك الدور المشبوهة و الشبيهة بدكاكين " النشر للرداءة  و النصب و توزيع الاحتيال!". من مسلسل رواية " باب الشمس" للأديب المغربي " حسين الباز" إلى مسلسل "امرأة من الجنوب" للمبدع المصري " خالد الحديدي" جديرة بالقراءة و المتابعة من قبل القراء و المهتمين و كذلك المبدعين. ننشر حيثياتها في فصول (أجزاء)  تشجيعا للمبدع  " خالد الحديدي" ـ مصر ـ على ما يحاول من أفكار جديرة باحترام الجميع.ـ نتمني لكم قراءة ممتعة مع مسلسل مخطوط رواية "امرأة من الجنوب".

كل الحقوق محفوظة للفيصل و للمؤلف، و كل جهة تودّ استغلال هذا العمل الأدبي أو التقدم بعرض نشر لطبعه ورقيا أو إلكترونيا الاتصال بالصحيفة و بالمؤلف لمدارسة ذلك. 

الفيصل  ـ  باريس

****

رواية : "امرأة من الجنـــــ04 ـــــوب

بقلم: خالد الحديدي

ـ  الفصل الرابع:

كانت زهرة تغفو مع الاهتزاز المنتظم للقطار ودوي العجلات يدق أنغام رتيبة كبندول الساعة القديمة لم تكلف زهرة نفسها متعة النظر من النافذة. فقد أوصدتها بعد احتدام الغبار. القطار المكتظ يتلوى كالثعبان في الفيافي الموحشة والظلام قد بدأ يلف الكون بغلالة رقيقة. صراخ الأطفال في العربات المتهالكة المظلمة يتداعى إلى مسامع زهرة بين الفينة والفينة مهيجا أشجانها. ممرات القطار مكتظة بالركاب وتسلق نفر غير قليل منهم على سطوح العربات! هذا القطار الذي ينقل المسافرين عبر مئات الأميال من مدينة إلى مدينة حتى يصل إلى عاصمة البلاد القاهرة. لم يكن خيال زهرة يتسع لهذه المسافات الشاسعة التي يطويها القطار. النجوم تلمع في الأفق خلف زجاج النافذة الأحمر كأنها عيون تسخر من زهرة التي فرقتها الهواجسغفت مرة أخرى ولم تستيقظ إلا على صوت حركة كثيرة خارج القطار المتوقف على ما يبدو منذ مدة طويلة. فتحت زهرة النافذة وشاهدت مدينة حديثه وعمران يفوق تصورها. بهرتها الأنوار الكهربائية في المحطة. "هل هذه القاهرة؟ ". لم تكلف ملكة نفسها مشقة السؤال. تناولت صرة ملابسها ونزلت من القطار وانطلق القطار مواصلا رحلته، نظرت إلى القطار الراحل في حيرة حتى غاب عن ناظرها. ثم طفقت تتجول في المحطة المكتظة بالناس وتتلفت في توجس كعادة أهل القرى عند دخولهم المدن الكبيرة. اقتربت من شاب موفور الصحة يتحدث مع فتاة جميلة في مكان منزوي، حاولت زهرة تستفسر منه إذا كانت هذه المدينة القاهرة أم لا.

- معذرة يا أولادي. هل هذه محطة القاهرة. أجابها الشاب الذي استدار في دهشة بالغة.

- لاهذه اسيوط. القاهرة ليس بعد.اخطأت يا والدتي بنزولك من القطار.

عقدت الدهشة لسان زهرة "يا لها من غبية، لماذا لم تسأل قبل رحيل القطار؟ ". خافت أن يخدعها أحد الخبثاء في المدينة كما تعود أهل القرى. لكن يا لها من بلهاء فقد خدعت نفسها. وهذا الشاب يبدو عليه الاحترام لم يقل سوى الحقيقة. لمح الشباب الحيرة البادية على وجهها الذي كساه القنوط أيضا، عادت الأقدار تعبث بها مرة أخرى، نظر إليها في عطف مواسيا ثم التفت إلى فتاته وقال:

- لماذا لا نأخذها معنا البيت؟

- أجل لا بد من أن نأخذها معنا. هذه القروية المسكينة.

نظرت زهرة إلى هذا الثنائي العجيب في امتنان. شكرت الله الذي سخر لها هذين الضيفين الودودين والقاهما في طريقها.

- هيا بنا يا أماه إلى البيت وان غدا لناظره قريب.

- أسمي زهرة بارك الله فيكم

وتحركت معهما، لاحظت زهرة بحاسة الأمومة التي لا تخطئ أن الشاب والفتاة يعانيان من مشكلة، خاصة وأن الحزن كان بملأ صوت الفتى قبل أن تقطع لهما حوارهما بظهورها المفاجئ. انطلق ثلاثتهم خارج المحطة التي عمها الهدوء بعد رحيل القطار، كانت سيارة الشاب تقف بجوار المحطة استقلوا السيارة وانطلقت تشق شوارع المدينة الهادئة، ثم عبر الجسر المقام على نهر النيل ولاحت أنوار مصنع الاسمنت لعيون زهرة مثيرا فضولها القروي. لاحظ الشاب ذلك وتحدث باسما.

- هذا مصنع اسمنت اسيوط. أنا أسمي عصام وأعمل مهندسا فيه وهذه الفتاة تدعى حنان وتعمل في المعمل المركزيوارتبك الشاب وعجز عن مواصلة حديثه ولكن نظرات زهرة المطمئنة حثته على استرسال معها في الحديث.

- كل ما في الأمر أني أحب هذه الفتاة. وعازم على الزواج منها ولكن أمي لها رأي آخر وتقف حجر عثرة في طريقي.

التفتت زهرة إلى الفتاة التي اغرورقت عيناها بالدمع ثم نظرت إلى الشاب الذي لاذ بالصمت.

- لماذا لا تريد أمك ذلك؟ رد الشاب في أسى:

- كانت هناك مشاكل ونزاع حاد بين المرحوم والدي ووالد حنان وعلينا نحن أن ندفع ثمن ذلك.

واردفت حنان من خلال الكلمات التي خنقتها

- أم عصام تريده أن يتزوج بنت أختها. وهي تتذرع بهذا الحجة الواهية.

أثارت هذه القصة المؤثرة اشجان زهرة. وهي تعرف ماذا يعني أن يكون هناك قلبين عاشقين في محنة. كيف لا تعرف ذلك وهي امرأة عركتها الحياة وصقلتها التجارب. كانت تجلس بين الشابين وتفكر في طريقة تربط بها جسور المحبة الممتدة بين العاشقين الصغيرين.

- إذا كانت هذه مشكلتكما اعتبروها محلولة. أدهش رد زهرة الجريء وبنبرتها الواثقة عصام حتى إنه كاد يدهس قطه كانت تعبر الشارع في تكاسل أمام السيارة المنطلقة وانحرف عنها عصام في آخر لحظة وطوح بالسيارة، اطلقت حنان صرخة ذعر اخافته. وعادت زهرة مرة أخرى إلى صمتها. والعربة منطلقة وعصام وحنان في حيره من أمرهما " ما سر هذه المرأة الغريبة؟ ". بعد وقت قصير تسألت زهرة:

- ما اسم المرحوم والدك يا عصام؟

- اسمه سيد عبد الجواد.- وأنت يا حنان

- عبد الله نصر الدين وهو لا يزال على قيد الحياة.

- حسنا، خذني يا عصام إلى أمك. أبيت ليلتي معها وغدا في الصباح تجد أمك قد أذعنت لك.

أطلق عصام صيحة تفاؤل عظيمة. كان يثق في كلام هذه المرأة الحديدية التي تتكلم بثقة مفرطة لم يعهدها في أحد من قبل أن أهل القرى أذكياء، فقط ينقصهم التعليم، وما يضيره لو أنه ركن إليها حتى لو مجرد تفاؤل!

- إذا وافقت أمي. سأتزوج فورا وسيكون لي معك شأن آخر.

- إن شاء الله يا أبني.

ظلت السيارة منطلقة في الشارع الاسفلتي ولاحت مدخنة المصنع عن بعد. اندفعت السيارة وتخطت بوابة المصنع وتوقفت أمام منزل عصام، منزل مطلي بالجير الأبيض، كانت هناك حديقة جميلة نضرة وزهور حمراء تطل من السور " ما هذه المنازل الجميلة التي لم تر زهرة مثلها. نزل ثلاثتهم من العربة، ودعت حنان زهرة وبنظرة أمل ورجاء وجهت لعصام نظرة وداع جسدت فيها كل أمانيها. أخذ عصام يتابعها بنظره حتى دخلت منزلها، ظل عصام يحيطها بمظاهر الود والترحاب، لم تجد زهرة صعوبة كبيرة في اختراق أسوار قلب أم عصام التي كان يبدو عليها إنها من النساء الذي يفرضن رأيهن بالقوة حتى ولو على جثث الآخرين. أدركت زهرة صعوبة المهمة التي تنتظرها. تأملت زهرة البهو الفخم. كانت هناك صورة لرجل في العقد الرابع من عمره مجللة بالسواد، يبدو أنه والد عصام المرحوم. تناولت زهرة طعام العشاء مع الأسرة الصغيرة في صمت وفي المساء استلقت زهرة المتعبة على فراشها تشاهد التليفزيون، ذلك الصندوق السحري في دهشة، بدأت تدخل عالم المدينة وأجهزتها العجيبة كانت والدة عصام تنظر إلى ابنها الذي يحملق في التليفزيون في شرود وعقله بعيدا، تنحنحت أم عصام

- هل زرت خالتك؟

- لا لم أذهب ولن أذهب. أنا غير مستعد للزواج. كان رد عصام الجازم بمثابة رأيه الدائم في عدم رغبته للاقتران بابنة خالته التي تفرضها عليه أمه، جالت هذه الخواطر في ذهن زهرة وهي تتظاهر بالنوم.

- يا عصام يا ولدي. أنا أريد مصلحتك.

- إذا كنتِ تريدين مصلحتي دعينا من هذا الأمر.

- كيف أتركك وقد اوصاني المرحوم والدك!

جالت الدموع وتساقطت من عيني عصام، عندما نطقت أمه اسم والده الذي كان يوقن تماما أنه لن يرضى بهذا الزواج بالإكراه، إن أمه تشده إلى الحلقة الضعيفة، معزة والده الراحل. ما ذنبه هو وما ذنب حنان. الآباء يزرعون الحصرم والأبناء يضرسونه كان الحوار المؤثر بين عصام وأمه يترامى إلى أذني زهرة المرهقة كأنه قادم من واد بعيد وقد اختمرت الخطة الجهنمية في رأسها ولم تمض سويعات حتى كانت تغط في سبات عميق، نوم امرأة تحمل هموم العالم على كتفيها الذي لم يبارحها قط وتشتت خواطرها بين دارها القابع في الجنوب وابنها الضائع في العاصمة

وزهرة لا تعرف كم تبعد هذه المدينة. التفتت أم عصام إلى زهرة التي كانت تغط في نوم عميق وقد انتظمت أنفاسها.

- نامت المسكينة. يبدو أنها قادمة من مكان بعيد.

- نعم يا أماه وهي لا تعرف الفرق بين اسيوط والقاهرة.

وكعادة النساء وفضولهن رددت أم عصام

- يبدو أن ورائها سر كبير، كان الله في عونها. كانت هذه كلمات أم عصام الأخيرة رددتها وهي تتثاءب، نهض عصام في تثاقل وأغلق التليفزيون واطفأ النور، ثم ذهب إلى حجرته واستلقى في فراشه يحملق في السقف "هل تحل هذه المرأة الغريبة مشكلته العويصة؟ " أتمنى ذلك، تسرب النوم إلى أوصاله. تعالى آذان الفجر في الحجرة الأخرى هبت زهرة مذعورة تتمتم بتعاويذ قرآنية والآذان يجلجل في المكان، هبت معها أم عصام واندفعت نحوها وجلست جوارها مذعورة.

- ماذا بك يا أختي؟ أجابت زهرة مبهورة الانفاس

- بسم الله الرحمن الرحيم. انه الرجل ذو الثوب الأبيض.

دنت منها أم عصام أكثر وقد تملكها الفضول الممزوج بالفزع. اردفت زهرة في نبرة بها رهبة.

- نعم! نزل من قصره المنيف وقال انه حزين لأنه ابنه غير سعيد.

اتسعت عينا أم عصام من فرط الدهشة من هذا الكلام الغريب من المرأة الغريبة.

- ماذا قال الرجل؟

- قال إنه يدعى سيد عبد الجواد

اطلقت أم عصام شهقة خافتة وانهارت باكية على كتف زهرة، بكاء أرملة ظلت وفية لزوجها حتى بعد انتقاله الحسي إلى عالم الغيب واردفت زهرة بصوتها الساحر:

- قال يجب أن يتزوج ابنه بمن يريد حتى يرتاح ومن بين شلالات الدموع الغزيرة التي سكبتها عينا أم عصام أعلنت الإذعان ورفعت الراية البيضاء وتمتمت.

- نعم. فاليتزوج عصام من يريد. ظهر الارتياح على وجه زهرة وابتسمت ورددت متسائلة.

- من هو الرجل ذو الثوب الأبيض؟ أجابت أم عصام في أسى وهي تكفف دموعها.

- إنه زوجي يرحمه الله، توفي وعصام في العاشرة من عمره. ورددت زهرة مواسية

- لا تحزني الرجل ذو الثوب الأبيض في نعيم.

تبددت الأحزان من وجه أم عصام وظهر عليها الارتياح، نهضت من جوار زهرة وخرجت تصلي، ثم عادت إلى فراشها مرة أخرى تنام. نهضت زهرة وصلت بعدها ثم عادت للنوم هي أيضا سعيدة بعد ان تكللت مجهوداتها بالنجاح.

أشرقت الشمس معلنة صباح يوم جديد، حضر عصام يحمل أواني الشاي إلى أمه وضيفتها. ترامى إلى أذنيه حديثهما الودي عن زواجه المرتقب، دخل إلى البهو وتحاشى النظر إلى أمه والتي رمقته بنظرة حب بالغ ممزوج بالندم من ذكريات الليلة الماضية. التقت عيناه بعيني زهرة فأبتسمت له مشجعة، تنفس الصعداء. جلس يشرب الشاي في صمت، التفتت أم عصام إلى ابنها ورددت في نبرة حب بالغ:

- لقد وافقت يا أبني على زواجك من حنان. هب عصام كالملسوع وانسكب الشاي الساخن على أصابعه وهو لا يصدق اذنيه. "هذه المرأة التي يشع منها الغموض وتجللها الحكمة فعلت ذلك! " احتضن عصام والدته وهي تربت على رأسه في حنان.

- نعم يا أمي سأتزوج حنان وليكن ذلك بعد غد. ولم تكد زهرة تسمع قرار عصام حتى اطلقت زغرودة طويلة ردد صداها المكان.

- نعم يا ابني خير البر عاجله

كانت أنوار الزينة تجلل المنزل كحبات اللؤلؤ وأم عصام تدور كالنحلة بين المدعوين ومعها تلك المرأة الغريبة التي أثارت فضول واعجاب المدعوين بلباقتها وحضورها الدائم، كان عصام الذي لم تسعه الفرحة وحنان العروس الجميلة التي تعهدتها السعادة بصورة مذهلة لا تعرف حتى هذه اللحظة كيف استطاعت هذه المرأة حل مشكلتهما المزمنة في عشية وضحاها. إنها حكمة الله المتجلية في كل مكان. إنها سعيدة وقد تزوجت من تحب. ظلت الأفراح ممتدة طوال الليل وحتى الخيوط الأولى من الفجر وفي الصباح كانت زهرة تجلس وقد كساها الهم. الذي ما فتئ ينتابها كلما خلت إلى نفسها، لاحظت أم عصام الوجوم الذي يخيم على ضيفتها الطيبة، همست بذلك لابنها عصام الذي أقبل مبتسما وجلس جوار زهرة.

- زهرة العزيزةجاء دوري الآن لأسدي لك صنيعا. تنبهت زهرة من شرودها وابتسمت في وجه الشاب.

- ربنا يبارك فيك يا ولدي. خذني إلى محطة القطار المسافر إلى القاهرة؟

- انك أعظم امرأة عرفتها في حياتي. نهض من جوارها.

ودخل إلى المنزل وارتدى ملابسه على عجل. سرعان ما دار محرك السيارة في الخارج وابتعدت إلى الطريق الأسفلتي في طريقها إلى محطة القطار في مدينة اسيوط. خرجت حنان العروس الجديدة من غرفة نومها ولمحت زهرة التي ما زال الاكتئاب مسيطرا عليها تقبع بعيدا في طرف الفناء الذي ما زالت آثار الحفل المنصرم تخيم عليه، الكراسي مبعثرة هنا وهناك. اقتربت حنان من زهرة.

- صباح الخير.

تنبهت زهرة من شرودها وتأملت العروس التي ترفل في أثوابها. - أهلا يا أبنتي أجلسي لتسمعي كلماتي الأخيرة.

- خير. إن شاء الله

- أوصيك بأم عصام خيرا، عامليها كأمك تماما، لقد ضحت هذه المرأة بزهرة شبابها في تربية ابنها عصام حتى أصبح رجلا وهي لا ترضى أن تأخذه منها امرأة أخرى. وإذا كان لا بد من امرأة فقد اختارت أخف الضررين بإصرارها السابق على الزواج من ابنة أختها. أرجو أن تتفهمي ذلك.

كان حديث زهرة الحكيمة المؤثر يمس شغاف قلب حنان التي ظلت حتى اللحظة لا تجد نفسها تطاوعها على حب أم عصام فقد كانت حجر عثرة في طريق سعادتها. ومع ذلك أذعنت حنان لنصائح زهرة.

- نعم يا أمي زهرة، سأعاملها كوالدتي تماما حتى أثبت لها عمليا أني المرأة المناسبة لابنها عصام.

- بارك الله فيك يا أبنتي.

دخلت أم عصام وهي تحمل أواني الشاي، جلست النسوة الثلاثة يتجاذبن أطراف الحديث. أعلن نفير سيارة في الخارج عن عودة عصام

دخل المنزل وفي عينيه خيبة أمل وردد في قلق.

- توقفت القاطرات، نتيجة الإضراب عن العمل الذي شل المرفق. كان هذا الكلام يقع على أذن زهرة كالإبر. فهي لا تفقه في السياسة ولكنها عرفت ضمنا أنه لا يوجد قطار يقلها إلى القاهرة في الوقت الراهن وهذا سيضاعف عذابها. انهارت باكية. كان بكاؤها مرا ازعج الأسرة الطيبة التي التفت حولها مواسية. . ولكن عصام اسعفها مواصلا حديثه.

- جهزت لك مقعد في الحافلات التي تسلك طرق برية وعرة. مقعد أمامي أكثر راحة.

- هل سأسافر إذا؟

- غدا صباحا إن شاء الله. لم تصدق زهرة إذنيها. إذا ستسافر ومن خلال وجهها المبلل بالدموع ضحكت في سرور، أسعد الأسرة الكريمة. زهرة تعود إليها سجيتها. وأردف عصام:

- سيقلك الباص إلى مدينة المنيا أولا. هناك سيكون هذا العنوان مكان إقامتك. أصدقائي في المدينة جماعة الأحرار. ادخل عصام يده في جيب سترته وناولها الورقة ثم دخل إلى حجرته وعاد يحمل رزمة أوراق وناولها زهرة قائلا

- بما أنك امرأة ذكية جدا، قررنا ضمك إلى المناضلين. عاد عصام مرة أخرى يتحدث بالألغاز. لكن سعادة زهرة بالرحيل جعلتها تقبل كل الشروط.

- هذا منشورات خطيرة، أخفيها تماما، وعندما تصلي مدينة المنيا أطلبي عربة أجرة واعطى السائق الورقة التي بها العنوان وستجدين الأمور تسير على ما يرام، سيرحب بك الشباب واعتبريهم كأبنائك تماما. أنا شرحت لهم كل شيء في خطابي هذا وسيقومون بتوصيلك إلى القاهرة إلى حيث تريدين.

كان لكلام عصام مفعول السحر في أذن زهرة، لم تشعر يوما في حياتها أن لها أهمية كما تشعر الآن، فهي تعشق المخاطر منذ صغرها، كانت تجازف بعبور النيل سباحة أيام تحديها لزوجها العنيد عدلي.

في صباح اليوم التالي، كانت زهرة تقف في موقف الباصات في أبهى حلة بعد أن أهداها أهل المنزل السعيد كلا عي حدة قطعة ملابس جديدة. ركبت زهرة الباص الذي كان صوت محركه الدائر يصم الآذان، لم تمضي هنيهات حتى كان الوداع المر ورحلت زهرة كالطيف وتركت خلفها الأسرة السعيدة التي أوشكت الأقدار أن تعبث بها. مع أزيز الباص الذي كان يطوي السهول والوديان والطرق الوعرة غفت زهرة وهي تحلم بالأيام القادمة هل ستكون حبلى بالمفاجئات السعيدة أو المفارقات المحزنة؟ عرفت زهرة بتجاربها الجديدة أن للحياة وجهين، جانب حلو وجانب مر، هاهي الآن تتقدم نحو القاهرة، ودخلت عالم جديد مليء بالألغاز والأوراق الخطيرة التي تحملها. لو أنفقت عمرها كله في القرية لما سمعت به

أو رأته. كان الشيء الوحيد الذي يذكرها بعالم السياسية هو الراحل زين الذي مات منذ أمد بعيد. ظل الباص يطوي الأرض وجميع الركاب لاذون بالصمت الرهيب، كانت تلك الأوقات العصيبة عندما بدأت البلاد تهوي نحو القاع بخطر داهم وكثرت الاضطرابات والإضرابات وقد شل إضراب عمال السكك الحديدية كل البلاد واصبحت مصر أشبه بشيخ هرم تيبست مفاصله ملقي على قارعة الطريق ينتظر الموت البطيء القادم من المجهول.

(يتبع)

ـــــــــ

  طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل :

: https://www.facebook.com/khelfaoui2/

@elfaycalnews

instagram: journalelfaycal

ـ  أو تبرعوا لفائدة الصحيفة من أجل استمرارها من خلال موقعها

www.elfaycal.com

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice  cliquez sur ce lien: : https://www.facebook.com/khelfaoui2/

To visit our FB page, and subscribe if you are one of the defendants of freedom of expression and justice click on this link:  https://www.facebook.com/khelfaoui2/

Ou vous faites  un don pour aider notre continuité en allant  sur le site : www.elfaycal.com

Or you donate to help our continuity by going to the site:www.elfaycal.com

آخر تعديل على السبت, 02 شباط/فبراير 2019

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :