wrapper

التلاتاء 30 أبريل 2024

مختصرات :

*كتب : فريد بغداد | الجزائر

ذات ليلة كنت أغطّ في نوم عميق ؛ هو أشبه بالموت منه بالرقاد ، كنت أستمتع بموتي رغم أنّ الميّت لا يشعر و لا يحسّ أو هكذا يبدو لنا في عالم الحياة ، غير أنّ جمال النّوم لم يكن في غفوته و لا في سكونه و لا حتى في لذيذ أحلامه التي من فرط مفعول مخدّره الذي لم أتناوله أو أعاقره ؛


لم أشاهد في شاشة أحلامي غير سواد حالك يؤشّر على انقطاع البثّ من قناة الأحلام الفضائية و يحيل على أيّام " المحتّمة " أو اليتيمة كما هو إسم شهرتها ، لقد كان ذلك الجمال في نسياني أنّني حيّ مع قائمة الهموم التي لا تعدّ و لا تحصى و لا تنتهي ، فلا أكاد أرتاح من بعضها حتى تنبت أخرى ، تماما كما الفطريات .
و في لحظة مأساويّة طرقت أذناي مطارق صوت جهوريّ لا يكلّ و لا يملّ و لا يخجل و لا يستحي على دمه ؛ أسامة ... أسامة ... أسامة ... ، هكذا نادى ذلك الشّاب على صديقه في منتصف ليلة تمنّيت أن صوت فيروز لم يقطعها فضلا عن أن يكّدر صفوها هذا الصّوت الغليظ المنكر ، حاولت أن أستجمع ما تبقّى في دمي من مخدّر رقادي ، وضعت وسادة على أذنّي عسى أن أصمّهما فلا يسمعا شيئا و يُخمدا دماغي الذي بعثه من مرقده دويّ ذلك النّداء الهادر ، عبثا أحاول ، لقد طار النّعاس و فارقت مقلتيَّ أجملُ غفوة أنستني متاعب الحياة و منغّصات الدّخول المدرسي و لوازمه و ملابسه و مستحقّاته .
لم يكد عيد الأضحى يُضحّي بما بقي في جيبي من دريهمات حتّى فجع الفؤادَ مقدمُ سبتمبر ، صدق ذلك الفلسطيني الذي سمّى حادثة وقعت في سبتمبر 1970 بين منظمة التحرير الفلسطينية اللاّجئة في الأردن و القوات المسلحة الأردنية " أيلولَ الأسود " ، حقّا إنّه أسود و مشؤوم ، لا يرتاح و لا يرحل عنّا فيريحنا حتى يأكل الأخضر و اليابس ، فإذا كان سبتمبر قد هجّر الفلسطينيين اللاجئين في الأردن إلى لبنان فقد هجّرني من واقعي الكئيب إلى نومةٍ كأنّها موتة .
لا تزال ذكرى خروفتي المسكينة ، لست أدري من المسكين أنا أم هي ، التي سقطت من شرفة منزلي حينما أرادت أن تفرّ من قدر السّكين إلى قدر بلاط الرّصيف مؤثرة أن تصدمه على أن يحتزّ عنقها خنجري الغادر ؛ عالقةً في ذهني و لم أنسها بعد ، و بيتي الذي بات بلا كهرباء و لا غاز و لا ماء بعدما صادرت مؤسسات التّوزيع عدّاداتها عقوبة لي لعدم سداد مستحقاتها ، و البقّال و الجزّار اللّذان صرت ألعب معهما لعبة الغمّيضة و المطاردة كلّما مررت من قدام محلّيهما نسيانا ، متماطلا و مسوِّفاً في دفع ما يدينان به لي .
أطلّ أسامة من نافذة منزلهم يتثاءب بصوت أعجمي ًّ لا تكاد تستبين معناه إلا بعد معاناة ، مبدّدا سكون تلك اللّيلة الوادعة الهادئة ؛ مجيبا صاحبه : " سألبس و أنزل ؛ انتظرني " ، تبّا لهذا الشاب ، لا يحلو له أن يوقظ أسامة هذا حتّى يستيقظ معه حيّ بأكمله ، لا يهدأ بالُه حتّى يتذكّرَ سكان الحيّ مآسيَهم مع الدّخول المدرسي فيُؤرِّق أجفانهم و يُسهِّد مآقيهم ، فتعودَ تلك الحياة البائسة إلى أجسادهم التّي أمضَّها طولُ التّفكير في تدبير نقود الدّخول المدرسي ؛ تسري في عروقهم و تخِزُ أعصابهم كأنّها إبر العقارب .
و بعدما استيأست من عودة ذلك الموت السّريري الحالم ؛ أخذ الفضول يدغدغ عقلي و يعبث ببطين قلبيَ الأيسر و أذينِه الأيمن ، فتوجّهت تلقاء الناّفذة أفتحها لأرى صديق أسامة الذي أطار نومي و أبدَله بأرق مُقضٍّ للهواجع و مقلِّبٍ للمواجع ، أبصرت فوجدت بعض النّوافذ يصدر منها ضوء منازلها و كثير منها يُطلّ منها أصحابها و غرفُها مظلمة فارتحت حينما أدركت أنّني لست وحدي من فصلت مؤسسة الكهرباء عدّادها عن منزله .
لقد أيقنت أنّ الحيّ كلّه يستمع و يراقب ذلك الشّاب المشاغب صاحب أسامة ، كان المراهقان يتخافتان و يتناجيان ، و لا يكاد أحد من سكان الحيّ يسمع حوارهما حتّى من النّافذة القريبة منهما ، و فجأة صرخ أسامة في وجه زميله : إسمع يا كمال ، لو اضطرني الأمر إلى دخول المدرسة حافي القدمين يوم الأربعاء المقبل خير لي من أن أنتعل ذاك الحذاء الرّياضي الرخيص الذي اشتراه لي أبي بثلاثة ملايين فقط ، بينما كنت ألحّ عليه أن يشتري لي ذلك الحذاء الذي أرغب به بخمسة ملايين .
الويل لأسامة لقد أفسد صبيان المدينة كلِّها على أوليائهم ، و أنا الذي كنت قبل وفاتي اللّيلة أفكّر كيف أُقنع إبني المحروس أن يقبل منّي مليون ليشتري سروالا و قميصا و حذاءً و أدواتٍ مدرسيّة بما تبقّى له من صرف ، رغم أنّني على قناعة فولاذية بأنّه لن يستطيع أن يؤَمِّن له نصف الأغراض ، لكنّني مع ذلك عاندت قناعاتي لعلّي أُفلت من نزوات أكبر أبنائي ، فأخواه الصّغيران مقدورٌ عليهما و سهلٌ إرضاؤهما ، المسكينان لم يجتازا السّنة الرابعة بعد .
ليت وزيرة التربية تتذكّرنا نحن أولياء التّلاميذ في بداية هذا العام فتخصّص درسا موحّدا يتحدث عن معاناة الآباء و مكابدتهم شظف العيش من أجل تأمين اللّقمة و الملبس و الأدوات لعلّ أبناءهم يشعرون بهم فيكفّون عن طلباتهم المكلفة ، إنّ موضوعا كهذا لا يقلّ أهميّة عن مواضيع التّاريخ فنحن أيضا في جهاد ، أو مواضيع المحافظة على البيئة فالحفاظ علينا أولى ، أم تراها تريد أن تفتتح السّنة الدراسيّة بموضوع عن النّظافة و مرض الكوليرا ، ألهذا الحدّ صرنا أقلّ شأنا من الكوليرا .
قصّة خيالية قد تحدث مع أيّ " زوالي " .*1
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*‫1ـ فقير أو محدود الدخل‬

****

‎طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:
‏: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
‪‪@elfaycalnews‬‬

instagram: journalelfaycal

- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce lien:

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :