من أي وقت مضى للذود عن الوطن وصون مكتسباته وترقيتها وتطويرها"..واحدة من الجمل الموجهة إلى الشباب الجزائري التي استعملها الخطاب الرئاسي ـ للاستهلاك السريع ـ عشية الاحتفال باليوم الوطني للشهيد.. هذا الخطاب الذي حذّر الشعب الجزائري بكل حساسياته من المناورات التي تأتي من وراء البحار ـ على حد وصفه ـ و التي تضمر للجزائر دولة و شعبا و مؤسساتا كل الشرور لزعزة استقرار البلد و إفشاء الفوضى و اللاأمن العام! و كجزائري لا اختلف مع الخطاب الرسمي في هذه النقطة " الحساسة" ، و هو أن الجزائر بفطنة شعبها و حرصه الشديد على الحفاظ على إرث الشهداء و بتضحيات و احترافية عناصر الجيش الشعبي الوطني في إحباط كل محاولات نسف أماننا الوطني و فتح ثغرات لكل المتطفلين " من وراء البحار و الكثبان البعيدة" لكي يتمكنوا من وحدتنا.. نعرف جيدا الجهات و القوى و المنظمات و الدول التي لا ترتاح في كل مرة استطاعت الجزائر شعبا و جيشا و مؤسساتا أن تخطو خطوة نحو الأمام في مجال التنمية الشاملة و تحقيق الأفضل … فمسيرة تشييد " الجزائر" و الدفع بها نحو آفاق أفضل متواصلة و لا يمكن أن تتوقف.
نعم المؤامرات ( الآتية من وراء البحار) التي يتحدث عنها النظام ليست مجرد ـ خبط عشواء ـ أو تكهنات جزافية، بل هي بناءا على معلومات استخبارية معمقة للمؤسسات العسكرية و الأمنية الجزائرية المختصة في مكافحة اختراق البلاد و لمؤسساته و شعبة ، بغية قلبه رأسا على عقب.. مؤامرات و نوايا سيئة لقوى استعمارية ، مؤامرات دول عربية صديقة و بعضها شقيقة للأسف ، مؤامرات منظمات تتخذ من " مسألة الديمقراطية و حرية التعبير و حقوق المرأة" كذريعة لإقحام أنفها في شؤون الجزائر الداخلية.. مؤامرات قد تأتي من معارضين ـ يفتقرون إلى النزاهة الحقيقية ـ في نضالهم المعارضاتي ، و لكن أهدافهم الحقيقية هي عودتهم إلى الجزائر على ظهور دبابات أجنبية ـ كما جرى في العراق و سوريا و ليبيا ـ ، أو لتقسيم البلد إلى طوائف و التشجيع على انفصال بعض الجهات من الوطن ـ التي مازالت تحلم ـ بالانفصال عن الجزائر منذ رحيل الاستعمار… و قد تكون المؤامرات آتية من ـ أقلام مأجورة أو " ماخورية" في الخارج ـ مسمومة بحقدها على ثقافة و تراث هذا الشعب … كل هذه الأمور قد يكون لها نصيب من الحقيقة .. لا اعتقد أنه يوجد في جزائر الألفية الحالية من يستهين بما يسوّق له من أفكار مغرضة ، و هدامة و تشكيكية وافدة من الخارج أو من وراء البحار على حد وصف الخطاب الرسمي. شباب الجزائر رغم ما يعطيه من انطباع ؛ على أنه غير واع بما يُحاكُ ضدّه إلا أنه لا يمكن أن يكون صورة مخالفة لأبطال و عظماء تاريخ هذه الأمة الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لاستقلال البلد. عبارات التحذير هذه من مطبات " المؤامرات الخارجية " التي يستعملها النظام في كل مناسبة و في كل صغيرة و كبيرة و عند كل احتجاج و مظاهرات رفض لظروف ما لا تتوافق و متطلباتهم و احتجاجاتهم تفرغها من معناها و تجعل هذه الشريحة لا تعني أيّ اهتمام بما ـ تُغنّيه السلطة ـ في الغدوّ و الآصال !
لأن الشباب الواعي الذي يعطي انطباع التغابي و عدم فهم الخطاب الرسمي هو في الحقيقة في غاية الوعي بما يحدث سواء في الخارج أو الداخل، و يصدم وعيه هذا بما يحدث في الداخل من لا منطق تسيير الأمور ( لا عدالة اجتماعية ، المحسوبية، الفساد السياسي و الاقتصادي و …. و….و…) فنعتقد أن العدو الحقيقي و المؤامرة الحيقيقة الأصعب هي التي تُحاك و تمارس في الداخل من تبديد أموال الشعب دون حسيب و لا رقيب و تعتبر مؤامرة كبرى تأتي عادة من الداخل .. اختلاس بآلاف المليارات و الملايين و الذهاب بها إلى أقاصي الدنيا و إلى مستنجعاتهم الأمريكية و الأوروبية ، ثم العودة إلى الجزائر و كأنه لم يحدث أي شيء هي خيانة للشباب و للوطن و لكل الغيورين.. عدم محاسبة الفساد الفاحش اقتصاديا في مؤسساتنا الأساسية الكبرى هي مؤامرة داخلية عظمى ضد الشعب و أبنائه و ضد إرث الشهداء! عدم السماح باستقلال القضاء، حيث يتسنى لأي مواطن جزائري مهما كان وضعه الاجتماعي أن يقتص باسم الدستور و القانون و العدالة من أي مسؤول كان سببا في تظلماته ؛ أو عدم تحقيق استقلال الجهاز القضائي و الاصرار على إبقائه على حاله منذ الاستقلال ، و إقصاء كل إطار في القطاع كلما حاول تطبيق العدالة و القانون فوق الجميع هي أيضا مؤامرة عظمى ضد الشعب و تناقضا صارخا مع المبادئ الديمقراطية الحقيقية! أن يموت في القرن الحالي ، صحفيا أو معارضا أو حقوقيا في السجن هي مؤامرة داخلية عظمى أقبح من المؤامرات الخارجية ، لأن كل هذه المؤامرات الداخلية عند استفحالها ، تجعل من المؤامرات الخارجية التي تنتظر الفرصة عند مشارف حدودنا الشاسعة فتعطيها ترغيبا كبيرا و تحفيزا للاستثمار في فوضى "المفهاهيم المؤسساتية و الدستورية" في وطننا الحبيب! نصيحتنا لكل الهيئات العليا ( الغيورة) في البلاد و المسؤولين الذين يتشدقون أمام كاميرات العالم لمحاولة إرسال رسائل مضادة لتحسين " التشويه الإعلامي" الذي تواجهه الجزائر من طرف أعدائها ؛ أن تُعلَن حربا شاملة ضد كل الفساد الشامل و تطهير مؤسسات الدولة و ( هي ملك الشعب الجزائري) من خونة الداخل ، و استرداد ثقة الشعب و الأموال المسروقة و الموضوعة في البنوك الخارجية لإلتفافه حول مشروع واحد وطني متكامل معقّم من كل " فيروسات" الاستغلال البشع لثروات البلاد ! العدالة الاجتماعية مرتبطة بالعدالة القضائية و بسيادة الجهاز القضائي. فما أقبحها و ما أبشعها هذه المؤامرات التي طال استفحالها في الداخل منذ عشرات السنين . الجزائر بحاجة إلى إصلاحات جوهرية جذرية في كثير من القطاعات الحساسة و الأجهزة التي ترتكز عليها الديمقراطية الحقيقية ، ليست تلك المتعلقة " بالكرنافالات الشعبية المعهودة " الموجهة للضحك على ذقون الشباب و الشعب باسم الحملات الانتخابية ، أو باسم " الشهداء" الذين نأكل بأفواهم الطاهر الشوك عند كل مناسبة انتخابية تُعرف نتائجها مسبقا!!!
ـ بقلم: لخضر خلفاوي | باريس
آخر تعديل على الأربعاء, 22 شباط/فبراير 2017